الشيطان في مواجهة الإنسان (25)

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.(وقلنا يا آدمُ اسكن أنت وزوجُك الجنة وكلا منها رغَداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين).

(فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوٌ ولكم في الأرض مستقرٌ ومتاعٌ إلى حين).

بعد أن خلق الله عز وجل آدم وعلمه أسماء الموجودات وأطلعه على أسرارها وأسرار الكون، وبعد أن اتضح للملائكة من خلال الحوار الذي تحدثت عنه الآيات السابقة بأن آدم هو المخلوق الوحيد اللائق لخلافة الله في الأرض, لكونه يملك من القدرات الفكرية والعقلية ما يؤهله للقيام بدور الخلافة في الأرض، بينما الملائكة لا يملكون هذه القدرات العلمية التي منحها الله لآدم.

وبعد أن أكرم الله آدم ورفع من شأنه وقيمته ومكانته، وأمر الملائكة بتعظيمة وتقديره، فسجدوا له تحية واحتراماً وتكريماً وتواضعاً.

وبعد أن خلق الله حواء لتكون زوجة لآدم، بعد كل ذلك أمر الله آدم وحواء أن يسكنا الجنة، وأباح لهما أن يستمتعا بكل ما فيها من نعم وخيرات وملذات من دون حرج ولا تحديد، فلهما أن يأكلا من كل أشجار الجنة حيث يشاءان.. ما عدا شجرةً واحدة فإنه عز وجل منعهما عنها وعن الأكل منها. يقول تعالى: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً ـ أي أكلاً واسعاً من دون حدود ولا قيود فكلا ما تريدان وما تحبان- حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين).

فالأكل من جميع أشجار هذه الجنة مباح لكما، إلا شجرةٌ خاصة فلا تقرباها ولا تأكلا منها وإلا لكنتما من الظالمين, ودخل آدم وحواء الجنة وسكنا فيها وبدأ يمارسان حياتهما فيها، ولكن الشيطان الذي طرد من رحمة الله بسبب تمرده على أمر الله وامتناعه عن السجود لآدم, هذا الشيطان كان قد صمم على أن ينتقم لنفسه من آدم وأبنائه كلما تمكن من ذلك, وكان قرر أن يسعى في إضلالهم وانحرافهم كلما استطاع ذلك, وكان الشيطان يعلم جيداً أن الاكل من الشجرة الممنوعة، يعرِّض آدم للإخراج من الجنة, ومن موقع حقده وحسده وعدَاوته للإنسان قد وضع أمامه هدفاً واحداً هو أن يعمل على إغراء وإغواء آدم وحواء وإخراجهما من الجنة.

وللوصول إلى هذا الهدف رأى أن أفضل طريق هو أن يستغل نقاط الضعف الكامنة في الإنسان, أن يستغلّ حب الإنسان ورغبته الذاتية في أن يتكامل, وفي أن يعيش حياة خالدة مملوءة بالنعم والخيرات والراحة, حياة بعيدة عن العناء والتعب والآلام والتحديات.

ولذلك فقد جاء إلى آدم وحواء ووسوس إليهما بأن يأكلا من الشجرة التي منعا منها, وصور لهما أن الأكل من هذه الشجرة سيمنحهما الحصول على حياة خالدة, والحصول على لذة الخلود في الجنة وفي نعيمها وخيراتها، أو سيمنحهما الوصول إلى درجة الملائكة.

وبهذه الطريقة صور لهما النهي الإلهي عن الأكل من الشجرة بشكل آخر، وصور المسألة وكأن الأكل من الشجرة الممنوعة ليس غير مضرٍ فقط بل يورّث عمراً خالداً ومقاماً رفيعاً وهو الوصول إلى رتبة ودرجة الملائكة, والشاهد على هذا الكلام هو ما حدثنا القرآن في آيات أخرى من سورة الأعراف، يقول تعالى عن قول الشيطان لآدم وحواء: (قال ما نهاكُما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) الاعراف 20. وفي سورة طه ينقل القرآن العبارة التي قالها إبليس لآدم, تقول الآية: (يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) ـ طه/ 120.

وقد جاء في رواية عن الإمام علي بن موسى الرضا (ع): أن إبليس جاء إلى آدم وحواء وقال لهما: إنكما إن أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين وبقيتما في الجنة أبداً، وإن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنة.

ولما سمع آدم بهذا الكلام غرق في التفكير, ولكن الشيطان من أجل أن يحكم سيطرته على الموقف ويعمق وسوسته في روح آدم وحواء بدأ يُقسِمُ الإيمان المغلظة على أنه يريد لهما الخير, وأنه إنما هو مجرد ناصح خير ويريد مصلحتهما. تقول الآية في سورة الأعراف: (وقاسمهُما إني لكما لمن الناصحين).

ولأن هذه التجربة كانت أول تجربة لآدم وحواء في الحياة، ولم تكن لهذين المخلوقين الجديدين أي تجربة سابقة مع الغش والكذب والخِداع، حيث لم يكن آدم يعرف بكذب الشيطان وتضليله قبل هذه التجربة، لهذا فقد وقعا في حبال الشيطان واستجابا له وأكلا من الشجرة الممنوعة, وعلى حد تعبير الآية: (فأزلهما الشيطان) أي أوقعهما في الزلل والمخالفة وعصيان الأمر الإلهي الإرشادي.

ولما فعلا ذلك أخرجهما الله من الجنة، وحرمهما من نعيمها جزاءاً على فعلهما.

وهكذا أخرج آدم وحواء من الجنة إلى الارض لتكون الأرض مقراً لهما إلى حين حلول أجلهما، ليبتليا فيها بالتكليف والعمل والصحة والمرض والراحة والتعب والشدة والرخاء ثم بالموت حين يأتي الأجل, تقول الآية: (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين).

هذا هو ما نستوحيه بشكل إجمالي ومختصر من الآيتين، ولكن تبقى أمامنا عِدة نقاط لا بد من البحث فيها في الحلقة القادمة إن شاء الله.

إن ما نستوحيه من خلال الآية هو أن الشيطان يقف للإنسان بالمرصاد, ويحاول بكل الوسائل والأساليب أن ينفذ إلى داخله ليوسوس له ويغويه ويحرفه عن الطريق المستقيم، إن الشيطان يحاول أن يضل الناس من خلال نقاط ضعفهم, فيزين لهم المعصية ويصور لهم الشيء القبيح حسناً, ويصور لهم الباطل حقاً, ليستغرق الناس في المعصية وفي التمرد على الله كما استغرق هو في ذلك, ويحاول أن يخوفكم من المستكبرين والطغاة من أجل أن تستسلموا لهم وتخافوهم وتخضعوا لمشاريعهم وشروطهم، (إنما ذلك الشيطان يخوفُ أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين) آل عمران/ 175.

والقرآن يحذرنا من اتباع خطوات الشيطان ويعتبره عدواً للإنسان, وان على الإنسان أن يتخذه عدواً أيضاً.

(يا ايها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان) ـ النور/ 21.

(إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً) ـ فاطر/6.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين