خصائص الفاتحة (1)

الحديث في هذه الحلقة وفي بعض الحلقات القادمة سيكون في آفاق سورة الفاتحة التي ورد عن رسول الله (ص) أنها أعظم سورة في القرآن، وهي السورة التي أوجب الله علينا قراءتها في الركعة الأولى والثانية من كل صلاة, وأصبحنا نرددها في صلاتنا عشر مرات في الحد الأدنى.

وقبل أن نبدأ الحديث في تفسير آيات هذه السورة وآثارها التربوية وغيرها في حياة الإنسان, فإن من المفيد أن نخصص الكلام في هذه الحلقة فيما يرتبط بهذه السورة من حيث مكان نزولها وأسمائها وخصائصها, وما امتازت به من بين سائر السور القرآنية، وذلك في عدة نقاط:

النقطة الأولى: إن المعروف بين أكثر المفسرين أن هذه السورة مكية، أي أنها نزلت على النبي (ص) وهو في مكة قبل أن يهاجر إلى المدينة، خلافاً لمن يقول إنها مدنية, والدليل على ذلك أن الصلاة فرضت على المسلمين وهم في مكة في بداية البعثة النبوية الشريفة، ومن المعلوم أنه لم نعهد في الإسلام صلاة بغير فاتحة الكتاب, وقد صرح النبي (ص) بذلك بقوله: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) وهذا معناه أن المسلمين في مكة كانوا يقرأون في صلاتهم الفاتحة, مما يعني بأنها كانت قد أنزلت في تلك المرحلة.

وقال بعض المفسرين: إنها نزلت مرتين، مرة في مكة قبل الهجرة، ومرة في المدينة بعد الهجرة، وذلك تأكيداً لأهميتها, وتعظيماً لشأنها، وزيادة في تشريفها.

النقطة الثانية: إن لهذه السورة أسماء عديدة أشهرها:

الفاتحة: لأنها تقع أول سورة في كتابة المصاحف, بحث إن كتابة المصاحف تفتتح بها من جهة, ومن جهة أخرى لأنه تجب قراءتها في أول الصلاة في الركعة الأولى والثانية, فكأن الصلاة تُفتتح بها, ولذلك سُميت الفاتحة.

وسُميت أيضاً بالحمد: لأن الحمد أول ألفاظها بعد البسملة, حيث تقول: الحمد لله رب العالمين، وسُميت بأم الكتاب، وأُمِّ القرآن لأنها تضمنت على اختصارها كل معاني القرآن, وكل مفاهيم القرآن في التصور العام والشامل.

وسُميت السبع المثاني: لأنها سبع آياتٍ, ولأنه يُثنَّى بقراءتها في الصلاة, حيث تجب قراءتها مرتين في كل صلاة, مرة في الركعة الأولى ومرة في الركعة الثانية.

النقطة الثالثة: إن لسورة الفاتحة مكانة خاصة بين سائر سور القرآن الكريم، وهي تتميزبعدة خصائص:

الخصوصية الأولى: في سياق السورة، فسورة الحمد تختلف عن سور القرآن في لحنها وسياقها, فسياق السور الأخرى يعبر عن كلام الله سبحانه وتعالى، وسياق هذه السورة يعبر عن كلام عباد الله، وقد شاء الله في هذه السورة أن يعلم عباده طريقة خطابهم له، وطريقة مناجاتهم إياه، فهي تبدأ بحمد الله والثناء عليه وتستمر في إقرار الإيمان بيوم القيامة وفي حصر العبادة بالله, وتنتهي بالتضرع إلى الله وطلب الهداية منه سبحانه وتعالى.

والإنسان في هذه السورة يخاطب الله مباشرة دون أية واسطة, لأنها تُعلِّم الناس أن يرتبطوا بالله مباشرة بدون واسطة, وذلك لا ينافي أن تخاطب الله بقولك يا رب أعطني بحق النبي أو الوصي, فإن ذلك أيضاً خطاب مباشر مع الله عز وجل.

الخصوصية الثانية: إن هذه السورة هي عدل القرآن، فالقرآن يتحدث عن سورة الحمد باعتبارها هبة إلهية لرسول الله (ص)، ويُقرنها بكل القرآن، ويجعلها في مقابل القرآن كله, حيث يقول (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) أي ولقد أعطيناك يا رسول الله وأوحينا إليك السبع المثاني وهي الفاتحة, وأوحينا إليك القرآن العظيم، فكأن القرآن كله في كفة وهذه السورة في كفة أخرى.

وقد ورد نفس هذا المضمون عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (ص) أنه قال: (إن الله أفرد الامتنان عليَّ بفاتحة الكتاب، وجعلها بازاء القرآن العظيم، وإن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش).

الخصوصية الثالثة: إنها اساس القرآن، فكما أن لكل شيء عماد وأساس يرتكز عليه، فإن أساس القرآن هو سورة الفاتحة.

فقد ورد عن رسول الله (ص) أنه قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: ألا أعلمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟ فقال جابر: بلى يا رسول الله علمنيها، فعلمه الحمد أمَّ الكتاب وقال: هي شفاء من كل داء.

وسبب أهمية هذه السورة واعتبارها أساس القرآن هو محتواها ومضمونها، فإنها وإن كانت صغيرة في حجمها وعدد آياتها ولكنها كبيرة جداً في مدلولها وفي معناها، حيث إنها تجمع في آيتها كل عناصر العقيدة بالله في التصور الشامل، وهي في الحقيقة عرضٌ لكل محتويات القرآن، فجانب منها يختص بالتوحيد, وجانب آخر يختص بالمعاد وحصر العبادة في الله سبحانه وتعالى. وهذه هي الغاية الكبرى من إرسال الرسول الأكرم(ص) ومن إنزال القرآن، فإن الإسلام دعا جميع الناس إلى الإيمان بالله وإلى توحيده وإلى عبادته وحده، لأنه وحده الذي يستحق العبادة (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألاَّ نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) ولعل ابن عباس ينطلق من هذا الفهم إذ يقول: لكل شيء أساس وأساس القرآن الفاتحة.

ولعله لأجل هذه الخصائص وغيرها جُعلت هذه السورة واجبة في الصلاة المفروضة وفي الصلوات المستحبة، بحيث لا تُقبل صلاة بدونها كما صرح النبي (ص) بذلك بقوله: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب.

أضف إلى ذلك أن الصلاة هي عماد الدين, وهي أبرز عبادة في الإسلام, وسورة الحمد هي من بين سور القرآن التي تحصر العبادة بالله دون سواه.

الخصوصية الرابعة: إنه ورد التأكيد على قراءة الفاتحة وتلاوتها في مختلف المناسبات من خلال التأكيد على فضلها وعظمتها وثواب تلاوتها.

فقد ورد عن رسول الله (ص): من قرأ فاتحة الكتاب أعطاه الله بعدد كل آية نزلت من السماء ثواب تلاوتها.

كما ورد التأكيد عليها من خلال التأكيد على آثارها في حياة الإنسان، ومدى تأثيرها في شفائه من الأمراض والأوجاع التي تصيبه في الحياة.

فقد ورد عن رسول الله (ص): فاتحة الكتاب شفاء من كل سُم.

ومر بعض الصحابة برجل مصروع، فقرأ هذه السورة في أذنه فبُرئَ, فذكروا ذلك لرسول الله (ص) فقال: هي أمُّ القرآن، وهي شفاء من كل داء.

وفي حديث آخر عن أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم): ما قُرأت الحمد على وجع سبعين مرة إلا سكن، ومن لم يبرأه الحمد لم يبرأه شيء.

وبالمناسبة فإن الاستشفاء بالقرآن وبآياته، والتعويذ به كما في المعوذتين أي سورتي الناس والفلق، وكذلك الاستشفاء بالدعاء، مما وردت فيه نصوص كثيرة ومتواترة بالإجمال بحيث إنه لا مجال لإنكارها أو التشكيك فيها.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين