ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام (20)

الولي في قوله تعالى (انما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا )بمعنى الذي له حق التصرف في أموركم وأدارة شؤونكم الدينية والسياسية والاجتماعية وغيرها..وهذه الولاية كما انها ثابتة لله ولرسوله فهي ثابتةٌ لعلي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله سبحانه: انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .المائدة /55.

هذه الاية المباركة نزلت باتفاق الفريقين السنة والشيعة بحق علي ابن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه،وذلك عندما تصدق بخاتمه على احد الفقراء في مسجد المدينة وهو راكع في الصلاة.

ويروي لنا ابو ذر الغفاري رضوان الله عليه تفاصيل هذه الحادثة فيقول: صليت مع رسول الله يوماً من الايام صلاة الظهر ،فسأل سائل في المسجد ،فلم يعطه احد فرفع السائل يده الى السماء وقال: اللهم اشهد اني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني احد شيئاً،وكان علي راكعاً فأومأ اليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها فأقبل السائل حتى اخذ الخاتم من خنصره وقد شهد النبي ذلك وهو في الصلاة ، فلما فرغ النبي من صلاته رفع رأسه الى السماء وقال : اللهم ان موسى سألك فقال : رب اشرح لي صدري ويسر لي امري واحلل عقدة من لساني يفقهو قولي واجعل لي وزيراً من اهلي هارون اخي اشدد به ازري واشركه في امري فانزلت عليه قرأناً ناطقاً : سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون اليكما بأياتنا.اللهم وانا محمد نبيك وصفيك اللهم اشرح لي صدري ويسر لي امري واجعل لي وزيراً من اهلي علياً اشدد به ظهري.

قال ابو ذر : فما استتم رسول الله الكلمة حتى نزل عليه جبرائيل  من عند الله فقال: يا محمد إقرأ،فقال: وما أقرأ؟ قال : إقرأ: انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.

ان الكثير من الكتب الاسلامية ومصادر اهل السنة نقلت سبب النزول هذا واشتملت على العديد من الروايات القائلة بنزول هذه الاية بشأن علي بن ابي طالب(ع)، وقد تجاوز عدد الكتب التي وردت فيها هذه الروايات الثلاثين كتاباً جميعها من تأليف علماء اهل السنة.

فالطبري صاحب التفسير المعروف بتفسير الطبري يذكر روايات عديدة بهذا الخصوص ،والزمخشري وهو من كبار علماء أهل السنة يؤكد نزول هذه الآية بحق علي (ع) كما ان الفخر الرازي وهو من كبار علماء اهل السنة يقول : إن هذه الاية نزلت بشأن علي وإنه قد اتفق العلماء أن أحداً لم يؤد الزكاة وهو راكع الا علي ،كما ان صحيح النسائي وهو أحد الصحاح الستة نقل روايات بهذا الخصوص .

اذن مصادر الفريقين الشيعة والسنة تؤكد أن المقصود من قوله تعالى في الاية (والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)انما هو علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه.

والسؤال الذي يطرح في هذا المجال انه كيف يمكن ان يكون المراد من (الذين آمنوا) في الاية التي هي صيغة جمع أن يكون المراد بها شخصاً واحداً كعلي (ع)؟؟ فهل يصح استعمال صيغة الجمع في المفرد ؟؟

والجواب : ان من يراجع كتب الادب العربي يجد انها مملوءة بجمل تم التعبير فيها عن المفرد بصيغة الجمع ،وقد اشتمل القرآن الكريم نفسه على مثل هذه الجمل كما في آية المباهلة التي تقول : (فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وانفسكم ثم نبتهل) ال عمران /61،فقد وردت كلمة (نسائنا ) بصيغة الجمع مع ان الروايات التي ذكرت سبب نزول هذه الاية عند الفريقين أكدت ان المراد من هذه الكلمة هي فاطمة الزهراء (ع9) وحدها، وكذلك كلمة (أنفسنا)في نفس الآية فهي صيغة جمع في حين لم يحضر من الرجال في واقعة المباهلة مع النبي باتفاق المسلمين غير علي (ع)، وكذلك نقرأ في سورة آل عمران في واقعة أحد قوله تعالى : (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايماناً ) فان الذي قال إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم هو نعيم بن مسعود الذي لم يكن إلا فرداً واحداً ومع ذلك فان الاية عبرت عنه بصيغة الجمع.

والتعبير بصيغة الجمع عن شخص واحد في القرآن الكريم كثير ، وهو إما ان يكون بسبب اهمية موقع هذا الشخص ولتوضيح دوره الفعال ،أولاجل تعظيم الشخص واظهار التقدير والاحترام له، والتعبير عن المفرد بصيغة الجمع للتعظيم والاحترام  مستعمل كثيراً في محادثاتنا العادية والعرفية فنحن كثيرا ما نقول للشخص الواحد مثلاً : تفضلوا او اهلا بكم او ما شابه ذلك مع ان الذي يخاطب انما هو شخص واحد وليس جماعة والسبب في ذلك هو اننا نريد احترامه وتقديره   فنخاطبه بصيغة الجمع .

وقد ورد في كثير من آيات القرآن ضمير الجمع للدلالة على الله الواحد الاحد،وذلك تعظيماً له جلا وعلا.

اذاً فلا اشكال في التعبير عن علي (ع) وحده في الاية بصيغة الجمع بقوله تعالى ( والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)،وذلك تقديراً واحتراماً لمقام علي (ع)ومنزلته.

وقد قال الزمخشري في تفسيره المسمى بالكشاف بعدما اشار الى ان هذه الاية نزلت في علي (ع) قال : والسر في نزولها بصيغة الجمع مع انها عن فرد واحد هو : ترغيب الناس على مثله وأن على المؤمنين ان يكونوا على مثل تلك السيرة والسجية ،وان يحرصوا على الاحسان ومد يد العون للفقراء بحيث ان الصلاة لا تحول دون ذلك)،الكشاف ج1-505.

هذا كله فيما يتعلق بسبب نزول هذه الاية .

وأما مضمون الاية ومعناها: فالاية ابتدأت بكلمة (انما) التي تفيد الحصر (إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا) وبذلك تكون قد حصرت الولاية في ثلاث هم : الله عزوجل ورسوله (ص) والذين أمنوا اي علي بن ابي طالب (ع)،كما بينا ذلك .

والسؤال الذي يطرح هنا هو : ما المقصود من كلمة (ولي ) في هذه الاية ؟؟

والجواب : اننا اذا اردنا ان نتتبع موارد استعمال كلمة (ولي) في القرآن نجد ان القران الكريم استعملها في عدة موارد.

اولاً : استعملت بمعنى المتصرف في كل شيء تكوينأً والذي يدبر امر الخلق والكون كما في الاية 9 في سورة الشورى: (أم اتخذوا من دونه اولياء والله هو الولي ) فالولي هنا بمعنى الذي له الولاية التكوينية ،فالله وحده له الخلق والتكوين والتصرف التكويني في الأشياء وتدبير أمر الخلق بما شاء وكيف شاء .

وثانياً : استعملت كلمة الولي بمعنى الناصر والمحب كما في قوله تعالى في سورة محمد الاية 11 (ذلك بأن الله مولى الذين أمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ) فإن كلمة المولى في هذه الاية بمعنى الناصر الذي له ولاية النصرة ، فقوله تعالى : (ذلك بأن الله مولى الذين أمنوا)بمعنى ان الله ناصر الذين امنوا (وان الكافرين لا مولى لهم )اي لا ناصر ولا حافظ ولا حامي لهم .

وثالثاً : وردت كلمة المولى بمعنى الهادي والمرشد والموفق الذي يهدي المؤمنين هداية خاصة الى خط الله ويرشدهم ويوفقهم في السلوك  الى الله كما في قوله تعالى في سورة البقرة : ( الله ولى الذين أمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور ) الاية 257. فالله ولي المؤمنين فيما يعود الى أمر دينهم من تشريع الاحكام والهداية والارشاد والتوفيق الى طريق الله .

رابعاً: الولى بمعنى الذي له حق التصرف في شؤون المؤمنين وأمورهم،الذي له الولاية والقيادة والسلطة عليهم ،فهو الذي يدبر أمور الأمة ويرعى تربيتها ويحكم فيها وله القضاء في امور المسلمين كما في قوله تعالى في سورة الاحزاب (النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم )فالولاية في هذه الاية بمعنى ولاية الامامة والقيادة ، فالنبي له ولاية على الأمة في انه يهديهم الى الله ويحكم فيهم ويدير شؤونهم الدينية والسياسية والاجتماعية وغيرها ،وعليهم الطاعة المطلقة له ،فللنبي ولاية تشريعية على المؤمنين كما لله ولاية تشريعية عليهم .وهذا المعنى بالذات هو المقصود بالولاية في الاية التي نحن بصددها ،فالولي في قوله تعالى (انما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا )بمعنى الذي له حق التصرف في أموركم وأدارة شؤونكم الدينية والسياسية والاجتماعية وغيرها..وهذه الولاية كما انها ثابتة لله ولرسوله فهي ثابتةٌ لعلي عليه السلام لأن الولاية التي تتحدث عنها الاية انما هي بمعنى واحد، لله ولرسوله وللذين أمنوا ،فهي في الجميع بمعنى واحد،غاية الفرق ،ان هذه الولاية هي لله بالأصالة ،وهي للرسول ولعلي (اي للذين أمنوا) بالتبع بأذن من الله سبحانه وتعالى .

وعليه فمعنى قوله تعالى (انما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا) هو ان هؤلاء وحدهم لهم الحق في التصرف بشؤونكم وأموركم فهم وحدهم الذين يملكون السلطة عليكم ،وهم وحدهم الذين لهم ولاية الإمامة والقيادة.

 ولا يصح ان يراد بالولي في هذه الاية المحب او  الناصر لسبب بسيط وهو ان استعمال كلمة (وليكم )في الاية بمعنى ناصركم ومحبكم لا ينسجم مع حصر الولاية في الاية بالله ورسوله وعلي . لان غيرهم قد يكون ناصراً ومحباً لكم ايضاً ،عامة المؤمنين قد يحبونكم وينصرونكم ايضاً ،فليست المحبة والنصرة منحصرة بالله والرسول وعلي .فحصر الولاية بالله والرسول وعلي بن ابي طالب في الآية يدل على ان المراد بالولي فيها معنى اسمى وارفع من الناصر والمحب وهو من له الولاية والإمامة والقيادة ، وبذلك تكون الاية دالة على إمامة وولاية علي  (ع).وعلى أن ما هو ثابت للنبي من دورقيادي في الأمة ثابت لعلي ايضاً بنص هذه الاية .

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين