شروط استجابة الدعاء (12)

ان اهم العوائق والعقبات التي تحبس الدعاء عن الصعود الى الله هي الذنوب والمعاصي ، فكلنا نقرأ في دعاء كميل : ( اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء ) ونقرأ فيه ( فاسألك بعزتك ان لا يحجب عنك دعائي سوء عملي وفعالي ).فالذنوب وسوء الاعمال ،تحجب الدعاء وتمنع الاجابة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم            

( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)المؤمن/60.

هذه الاية  تتحدث عن الدعاء والاستجابة وعن الموقف من اؤلئك الذين يعرضون عن هذه العبادة.

 وما يمكن استفادته من هذه الآية عدة أمور:

الأول : ان الله يحب الدعاء ويريده ويأمر به. (وقال ربكم ادعوني ).

الثاني  : ان الله وعد عباده باجابة الدعاء ( استجب لكم ) لكن هذا الوعد بالإجابة مشروط بشروط معينة وليس مطلقاً وسنذكر هذه الشروط لاحقا ان شاء الله.

الثالث : ان الدعاء في نفسه نوع من العبادة ،لان الاية اطلقت في نهايتها صفة العبادة على الدعاء ( إن الذين يستكبرون عن عبادتي ) فجعل كلمة عبادتي بدل كلمة دعائي مما يعني ان المراد بالعبادة هنا هو الدعاء.

الرابع : توجه الآية في نهايتها تهديداً صريحاً وقوياً لاولئك الذين يستكبرون فيعرضون عن الدعاء نتيجة شعورهم بالغرور وبإمكانية الاستغناء عن الله ، وتعتبر أن الاعراض عن الدعاء يعني الاعراض عن الله وتقول : (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )

اذن قوله تعالى في هذه الآية ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم ) وقوله تعالى:  ( وأذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان ) هاتان الآيتان تدلان بشكل صريح على ان ثمة وعداً الهياً باستجابة الدعاء واجابة الداعين الى ما سألوه وما طلبوه من الله عز وجل.

 وهنا قد يتسأل الكثيرون من الناس وهم يقرأون هاتين الآيتين فيقولون  : ما لنا ندعو الله ولا نرى الاجابة ؟ فنحن ندعو الله كثيراً ونلجأ اليه في طلب حاجاتنا وحل مشكلاتنا ، فلماذا لا يستجيب لنا؟ فهل ان الله يخلف وعده؟؟

والجواب :ان عدم استجابة الدعاء في بعض الحالات يعود الى اننا نرتكب بعض الاعمال التي تحجب دعائنا عن الوصول الى الله ، واذا لم يصل الدعاء الى الله فبالتأكيد سوف لن تتحقق الاجابة ، اضافة الى ان وعد الله باستجابة الدعاء هو وعد مشروط لا مطلق ، فهو مشروط بتنفيذ بعض المواثيق والتكاليف الالهية، فان قمنا بتنفيذ تلك التكاليف ،فلنا ان نتوقع من الله ان يستجيب دعائنا وإلا فلا ننتظر الإجابة .

ونحن هنا نذكر اهم العوامل والاسباب التي تمنع الاجابة ثم نشير الى اهم شروط استجابة الدعاء كما ذكرتها الروايات الاسلامية.

ان اهم العوائق والعقبات التي تحبس الدعاء عن الصعود الى الله هي الذنوب والمعاصي ، فكلنا نقرأ في دعاء كميل : ( اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء ) ونقرأ فيه ( فاسألك بعزتك ان لا يحجب عنك دعائي سوء عملي وفعالي ).

فالذنوب وسوء الاعمال ،تحجب الدعاء وتمنع الاجابة.

وتوضيح ذلك : أن للذنوب  في حياة الإنسان دورين :

الدور الأول : انها تحجب الإنسان عن الله وتقطعه ،فلا يتمكن الإنسان من الإقبال على الله والتوجه اليه.

والدور الثاني  : ان الذنوب تحجب الدعاء وتمنعه  من الصعود الى الله ، لان الدعاء لو صعد الى الله فانها سوف تتم الاجابة من عند الله ، لانه ليس في ساحة الله تعالى عجز او بخل اذا وصل الإنسان اليه، لكن الذنوب تسبب عجزاً في الدعاء بحيث يمنعه عن  الصعود الى الله والوصول اليه. 

اذن الذنوب قد تمنع الانسان من أصل الدعاء ،وقد تمنع الدعاء وتحبسه من الصعود الى الله ،واذا لم يصعد  الدعاء الى اله فبالتأكيد لن تتم الأجابة ،فالله لا يستجيب دعاء المذنب والعاصي لان دعائه عاجز عن الوصول اليه .

وقد ذكرت بعض الروايات ذنوباً اذا فعلها  الإنسان فانها تحول بينه وبين  اجابة دعائه مثل سوء النية ،النفاق ،تأخير الصلاة عن وقتها ،التلفظ بالكلام السيء والبذيء الذي يخشاه الناس ،عقوق الوالدين ،الطعام الحرام ،ترك الصدقة وترك الانفاق في سبيل الله ،فان هذه الذنوب وغيرها تمنع من الإجابة ،اذ كيف يستجيب الله دعاءَ وطلبَ مَنْ يتمرد عليه ويستغرق في معصيته ويرتكب مثل هذه الذنوب التي تسخطه.

ومن هنا فإن اهم الشروط التي تذكرها الروايات لاستجابة الدعاء هي :

اولاً :اجتناب المحرمات والذنوب والتوبة عنها ،وان يسعى الداعي دوماً الى تطهير قلبه وعقله وروحه ونفسه وحياته من كل ما يكرهه الله سبحانه.

فقد ورد عن الباقر (ع) انه قال : ان العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها الى اجل قريب فيذنب العبد ذنباً ،فيقول الله تبارك وتعالى للملك : لا تقضي حاجته واحرمه إياها ،فانه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني.

وثانياً  : ان يسعى الداعي الى تطهير امواله من كل غصب وظلم وباطل وان لا يكون طعامه من حرام، فعن رسول الله (ص) انه قال  : من أحب ان يستجاب دعاؤه فليطب مطعمه ومكسبه.

وثالثاً : ان لا يفترق الدعاء عن الجهاد المستمر ضد كل الوان الفساد عن طريق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لان الله لا يستجيب دعاء من يترك وظيفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فعن النبي (ص) : لتأمرون بالمعروف ولتنهن عن المنكر او ليسلطن شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم .

رابعاً: ان يكون الدعاء ضمن السنن الطبيعية ،وان يكون الداعي مخلصاً وموقنا ً بالاجابة فان عدم استجابة الدعاء يرجع اما الى ان الانسان يطلب من الله ما يتنافى مع سنن الطبيعة ، كأن يطلب الرزق من غير ان يسعى نحوه ويطلب العلم من غير ان يتعلم ،ويطلب الهداية الى طريق الحق من  دون ان يجاهد نفسه، واما لانه يدعو الله بما فيه ضرر ديني او دنيوي عليه وهو جاهل به بحيث لو عرفه لما دعا به ، او انه يدعو بغير اخلاص ولا يقين بالاجابة .

فعن امير المؤمنين  (ع): (الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر ).

 وعن الإمام الصادق (ع) انه سئل: مالنا ندعو ولا يستجاب لنا ؟ فقال  : لانكم تدعون من لا تعرفون وتسألون ما لا تفهمون.

خامساً: ان يعمل الداعي بالمواثيق الالهية ويفي بعهده مع الله ، فالايمان والعمل الصالح والامانة والصلاح من شروط استجابة الدعاء فمن لم يف بعهده امام الله لا ينبغي ان يتوقع من الله استجابة دعائه.

فقد جاء رجل الى امير المؤمنين  (ع) وشكا له عدم استجابة دعائه فقال الإمام : (ان قلوبكم خانت بثمان خصال :

اولها : انكم عرفتم الله فلم تؤدوا حقه كما اوجب عليكم ،فما اغنت عنكم معرفتكم شيئاً .

والثانية : انكم آمنتم برسوله ثم خالفتم سنته ،وأمتم شريعته فأين ثمرة إيمانكم.

والثالثة : انكم قرأتم كتابه المنزل عليكم ،فلم تعملوا به،وقلتم سمعنا واطعنا ثم خالفتم.

والرابعة :انكم قلتم تخافون من النار وانتم في كل وقت تقدمون اليها بمعاصيكم فأين خوفكم .

والخامسة :انكم قلتم ترغبون الجنة ،وانتم في كل وقت تفعلون ما يباعدكم منها فأين رغبتكم فيها .

والسادسة : انكم اكلتم نعمة المولى فلم تشكروا عليها .

والسابعة : ان الله امركم بعداوة الشيطان وقال : (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً) فعاديتموه بلا قول ،وواليتموه بلا مخالفة.

والثامنة : انكم جعلتم عيوب الناس نصب أعينكم وعيوبكم وراء ظهوركم تلومون من انتم احق باللوم منه،فأي دعاء سيستجاب لكم مع هذا وقد سددتم ابوابه وطرقه؟ فاتقوا الله واصلحوا أعمالكم واخلصوا سرائركم وامروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فيستجيب الله لكم دعائكم.

وآخر دعوانا ان الحمد الله رب العالمين .