ما لا ينبغي ان نطلبه في الدعاء؟ (11)

مما لا يجوز في الدعاء ،ان يتمنى الانسان ان ينقل الله النعمة من الآخرين الى نفسه ،فان الله لا يرضى من عبده ان يقف بين يديه في الدعاء والمناجاة ليطلب منه ان يسلب النعمة عن الآخرين وينقلها اليه.سأل الصادق (ع) عن قول الله عزوجل " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض " فقال  (ع) لا يتمنى الرجل إمراة الرجل ولا ابنته ولكن يتمنى مثلها" .

بسم الله الرحمن الرحيم

( وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة/186.

قلنا إن الله يأمر في هذه الآية عباده بالدعاءويعدهم بالأجابة،وإن الآية تقودنا الى طرح سؤالين لهما أهمية كبيرة في الدعاء:

السؤال الاول: ماذا ينبغي لنا ان نطلب من الله في الدعاء ؟؟

السؤال الثاني : ماذا ينبغي ان لا نطلبه في الدعاء؟

وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عما يتعلق بالاجابة عن السؤال الأول. ونتحدث هنا في الجواب عن السؤال الثاني، فما هي الأشياء التي لا ينبغي ان نطلبها من الله في ادعيتنا ومناجاتنا بين يدي الله سبحانه؟؟

وفي مجال الاجابة عن هذا السؤال تبرز امامنا عدة امور مما ينبغي ان لا ندعو بها منها :

اولاً : الدعاء على خلاف سنن الله العامة في الكون والحياة ، فان فهم سنن الله تعالى أمر لا بد منه في الدعاء فليست مهمة الدعاء اختراق السنن والقوانين التي وضعها الله للحياة، وانما مهمة الدعاء توجيه الانسان الى ان يسأل الله الحاجات في دائرة سننه وقوانينه، إن سنن الله تجسد دائماً ارادة الله ومهمة الدعاء استعطاف ارادة الله وليس اختراقها واستبدالها وتغييرها ، فمن سنن الله تعالى مثلاً حاجة الناس الى بعضهم البعض في شؤونهم العامة،فكل انسان بحاجة الى الآخرين في الأمور الحياتية العامة وغيرها ، فليس من الصحيح ان يطلب الانسان من الله الدعاء ان يغنيه عن الآخرين وان لا يحوجه الى الناس ، فان هذا النوع من الدعاء هو دعاء على خلاف سنة الله وارادة الحياة،

وقد ورد في الحديث ان امير المؤمنين (ع) قال امام رسول الله(ص) : اللهم لا تحوجني الى احد من خلقك ، فقال له النبي (ص) : يا علي ، لا تقولن هكذا ،فليس من أحد ألا وهو محتاج الى الناس.

فقال علي (ع) : اذن كيف اقول يارسول الله ؟

فقال : قل اللهم لا تحوجني الى شرار خلقك.

كما  روي ان اصحاب الامام الصادق (ع) قال للامام : اني ادع الله أن يغنيني عن خلقه ! فقال الإمام : ان الله قسم رزق من شاء على يدي من شاء ،ولكن إسأل الله ان يغنيك عن الحاجة التي تضطرك الى لئام خلقه.

وبهذا الفهم للدعاء نجد ان النصوص الاسلامية تحدد للدعاء دائرة واقعية وتخرج الدعاء عن الدوائر غير الواقعية والخيالية.

فالنصوص تؤكد حقيقة هامة في طريقة واسلوب معيشة الانسان فكما يجب ان يكون سعي الانسان واقعياً وبعيداً عن الخيال ، كذلك يجب ان يكون دعاؤه في نفس الدائرة الواقعية ،بان يكون واقعياً في طلبه ودعائه بين يدي الله فلا يدعو ما لا يمكن الحصول عليه وما هو خارج عن دائرة سنن الله وقوانينه في الحياة .

وقد روي أن شيخاً من اهل الشام سأل امير المؤمنين (ع) فقال له : اي دعوة أضل ؟ فقال له الإمام (ع) : الداعي بما لا يكون،اي الذي يدعو ويطلب من الله ما هو خارج عن دائرة سنن الله المتعارفة في حياة الانسان مما لا يكون التفكير فيه والسعي اليه واقعياً.

وثانياً : من الامور التي لا ينبغي الدعاء له، الدعاء بما لا يحل والدعاء لقضاء الحاجات المحرمة ،فكما لا ينبغي الدعاء بما لا يكون واقعياً ،كذلك لا ينبغي الدعاء بما لا يحل، وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) : لا تسأل ما لا يكون وما لا يحل.

وثالثاً : مما لا يجوز في الدعاء ،ان يتمنى الانسان ان ينقل الله النعمة من الآخرين الى نفسه ،فان الله لا يرضى من عبده ان يقف بين يديه في الدعاء والمناجاة ليطلب منه ان يسلب النعمة عن الآخرين وينقلها اليه.

 ان الانسان الذي يدعو بمثل هذا الدعاء هو انسان ضيق النظر ضيق الافق يعيش الانانية بكل أبعادها،ان سلطان الله واسع ونعمه لا نفاذ لها ،وملكه لا حد له فبأمكان الانسان ان يطلب من الله كل شيء ان يتمنى من الله النعمة وان يتمنى ان يرزقه الله افضل مما رزق الآخرين وان ينعم عليه بافضل مما انعم على الاخرين وقد ورد في دعاء كميل " واجعلني من افضل عبادك نصيباً عندك واقربهم منزلة منك وأخصهم زلفة لديك" هذا النوع من الدعاء لا بأس فيه ويحبه الله ويرتضيه لعباده،اما ان يتمنى الانسان ان يسلب الله النعمة عن الآخرين فهذا مما لا يحبه الله ولا يرتضيه لعباده،  فان الله لا يحتاج اذا اراد ان يرزق احداً من عباده نعمة معينة ان يسلبها من غيره ويمنحها له.

فقد روى عبد الرحمن بن ابي نجران انه سأل الصادق (ع) عن قول الله عزوجل " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض " فقال  (ع) لا يتمنى الرجل إمراة الرجل ولا ابنته ولكن يتمنى مثلها" .

ورابعاً : مما لا ينبغي للإنسان ان يدعو له هو الدعاء بخلاف مصلحته. فان الانسان بجهله بعواقب الامور ولجهله بما ينفعه وما يضره قد يطلب من الله ما يضره وما هو على خلاف مصلحته وما هو شر له في الواقع، ولما كان الله يعلم الاشياء التي تنفع الانسان والاشياء التي تضره ويعرف مواقع مصلحته، فان الله قد يبدل استجابه دعاء الانسان بنعمة اخرى ،او بدفع بلاء او يؤخر الله الاستجابة الى الوقت الذي ينتفع الانسان بالاجابة،فنحن نقراء في دعاء الافتتاح " اسألك مستأنساً لا خائفاً ولا وجلاً مدلاً عليك فيما قصدت فيه اليك ،فان أبطأ عني عتبت بجهلي عليك ،ولعل الذي ابطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الآمور"

اذن على الانسان ان لا يعتب على الله اذا أبطأ الله عليه بالاجابة او لم يستجب له، لان الدعاء الذي دعا الله به قد يكون على خلاف مصلحته، وقد يكون قد طلب من الله ما يضره وهو يجهل ذلك لعدم علمه بعواقب الامور. وعلى الانسان في مثل هذه الحالات ان يدعو الله ويوكل الامر إليه ليفعل ما يراه من المصلحة.

خامساً : مما لا ينبغي من الدعاء الدعاء على المؤمنين بالشر والأذى والبؤس وزوال النعمة والبلية وما الى ذلك، فان هذا اللون من الدعاء يتنافى مع مهمة الدعاء وأهدافه، فان من مهام الدعاء وغاياته تثبيت العلاقة الايجابية والأخوية بين المؤمنين ،فاذا تحول الدعاء الى وسيلة لتثبيت الحالة السلبية في العلاقات فمعنى ذلك ان الدعاء تجاوز الغاية منه ،وهذا مما لا يحبه الله في الدعاء، فالله يحب دعاء المؤمنين بعضهم لبعض بظهر الغيب وفي حضورهم ،وايثار الآخرين بالدعاء وتقديم حاجاتهم على حاجة الداعي نفسه،ولا يحب الله لعباده ان يذكر بعضهم بعضاً بسوء بين يديه ، كما لا يحب الله ان يدعو الانسان على اخيه حتى ولو كان قد تعرض منه لاذى او ظلمٍ او اعتداء ما دام أخاه في الإيمان ولم يخرج بالظلم عن دائرة الاخوة الايمانية.  فقد روي عن الإمام الصادق (ع) انه قال : إن العبد ليكون مظلوماً فلا يزال يدعو حتى يكون ظالماً .

إن الله سبحانه وتعالى هو السلام ومنه السلام وساحته  هي ساحة السلام، فإذا وقفنا بين يدي الله بقلوب عامرة بالسلام يدعو بعضنا لبعض ويسأل اللهَ بعضُنا الرحمة للبعض ،ويؤثر بعضنا بعضاً برحمة الله ،استنزلنا بذلك رحمة الله وشملتنا جميعاً ،لأن رحمة الله  تنزل على القلوب المتحابة والمتسالمة من المؤمنين ،وصعدت بذلك ايضاً اعمالنا وصلاتنا ودعاؤنا وقلوبنا الى الله عز وجل . فان الكلم الطيب والقلوب العامرة بالكلم الطيب تصعد الى الله وترتفع اليه ( اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).

واما اذا وقفنا بين يدي الله بقلوب مليئة بالسوء والضغينة والحقد والكراهية لبعضنا، واخذنا الى الله خلافاتنا ومشاكلنا وشكوانا على بعضنا البعض، فان رحمة الله سوف تنقطع عنا جميعاً ولا تنزل علينا هذه الرحمة التي وسعت كل شيء في هذا الكون ، ولا تصعد حينئذ اعمالنا وصلاتنا ودعاؤنا وقلوبنا الى الله .

فان القلوب المتحابة العامرة بالحب تستنزل رحمة الله وتدفع البلاء والعقوبة عن المؤمنين ، وبالعكس من ذلك القلوب المتخالفة والمتعادية فانها تحجب رحمة الله عن المؤمنين وتجلب البلاء والعقوبة لهم.

لذلك كله فان على الانسان المؤمن عندما يقف بين يدي الله ليدعو الله ويسأله ويطلب منه الحاجات ، فان عليه ان يدعو لاخيه المؤمن ليعمق علاقته به، لا ان يدعو عليه.

 ففي الحديث أن الملائكة اذا سمعوا المؤمن يذكر اخاه بسوء ويدعو عليه قالو له : بئس الأخ انت لأخيك ، كُفَّ ايها المستّر على ذنوبه ،وأربع على نفسك، وأحمد الله الذي ستر عليك ،واعلم ان الله عزوجل أعلم بعبده منك.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .