الدعاء علاقة بين العبد وربه (9)

 

اكد القرآن ان قيمة العبد عند الله انما هي بدعائه (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) اي لا يعتني بكم ربي ولا يقيم لكم وزناً لولا دعاؤكم ، ويؤكد القرآن من جهة اخرى ان الامتناع عن الدعاء هو إعراض عن الله واستكبار عن عبادة الله (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ).

 

بسم الله الرحمن الرحيم

( وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة/186.

هذه الاية هي واحدة من الآيات التي تتناول موضوع الدعاء باعتباره أحد وسائل الارتباط والعلاقة بين العباد وبين الله سبحانه وتعالى .

ومجيء هذه الآية في سياق الحديث عن الصوم وعن شهر رمضان ،يشعرنا بأهمية الدعاء في شهر الصيام ويعطي للدعاء مفهوماً جديداً هو أن الدعاء والتوجه الى الله عبادة كعبادة الصيام بل هو روح العبادة ومخ العبادة .

وقد ورد في سبب نزول هذه الآية : ان رجلاً سأل النبي (ص)  عن الله عز وجل :أهو قريبٌ ليناجيه بصوت خفي أم بعيد ليناديه بصوت مرتفع ؟ فنزلت هذه الآية لتبين وباسلوب يشعرنا بعطف الله علينا عدة امور:

اولاً: ان الله شديد العناية بالداعين والمقبلين عليه والمتوجهين اليه لان الداعين عباد الله، ضعفاء وفقراء، وهم بحاجة الى معونته ومساعدته وعطفه عليهم ورأفته بهم .

ثانياً : ان الله قريب من الانسان لانه محيط به ومالك له وسلطان عليه، والمالك قريبٌ من مملوكه ولذلك فان  الله أقرب الى عبده من كل شيء بحيث انه أقرب اليه من نفسه كما قال تعالى : ونحن اقرب اليه من حبل الوريد .ق /16

والمقصود بالقرب هنا القرب المعنوي وليس المادي او المكاني .اي ان الله قريب من العباد يسمع دعائهم ويطلع على اسرار قلوبهم وخطرات نفوسهم ويحيط بكل امورهم ، واذا كان الله قريبٌ بهذه الدرجة من عباده فهو قادرٌ على اجابة دعائهم وقضاء حاجاتهم الدنيوية والآخروية:(وإذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان).

وثالثاً : اذا كان الله بهذه المنزلة من القرب الى عباده وهو قادر على اجابة دعائهم فما علينا إلا أن نتوجه الى الله بالدعاء وان نؤمن بوعد الله لنا بالاجابة تقول الآية : (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).

اي فليستجيبوا الى دعوتي الى الدعاء وليؤمنوا بوعدي لهم بالاجابة إذا دعوا باخلاص وصدق، لعلهم يهتدون بالدعاء الى الرشد والصلاح.

والخلاصة : ان الله في هذه الآية يأمر عباده بالدعاء ويعدهم الاجابة.

وما نريده هنا وبمناسبة هذه الآية هو ان نتعرف على حقيقة الدعاء وأهميته والعلاقة بينه وبين العمل.

فالدعاء هو : إقبال العبد على الله والتوجه الى الله واللجوء اليه والتفرغ إليه وطلب الحاجة منه وطلب تهيئة الاسباب والعوامل الخارجة عن قدرة الانسان من الله ،  لكونه هو الذي يملك القدرة اللامتناهية وهو القادر على كل شيء.

وقد اكد الاسلام بشدةٍ على الدعاء وطلب الحاجات من الله ونشرها بين يديه وابتغاء رحمته.

كما اكد القرآن ان قيمة العبد عند الله انما هي بدعائه (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) اي لا يعتني بكم ربي ولا يقيم لكم وزناً لولا دعاؤكم ، ويؤكد القرآن من جهة اخرى ان الامتناع عن الدعاء هو إعراض عن الله واستكبار عن عبادة الله (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ).المؤمن /60.

وبالاضافة الى القرآن فان هناك تأكيداً كبيراً على اهمية الدعاء في الروايات المنقولة عن رسول الله (ص) وعن الأئمة المعصومين عليهم السلام.

ونحن نستطيع ان نقف على بعض ما ورد في تلك الاحاديث من خلال النقاط التالية:

اولاً:ان الدعاء هو العبادة ،بل لا يوجد في العبادات عبادةٌتقرب الانسان الى الله أكثر من الدعاء فقد روي عن الإمام الصادق (ع) انه قال : عليكم بالدعاء فانكم لا تتقربون بمثله).

ثانياً: في الحديث عن الإمام الصادق (ع) انه سئل : ما تقول في رجلين دخلا المسجد جميعاً،كان احدهما أكثر صلاة والآخر أكثر دعاءً فأيهما أفضل؟؟ فقال عليه السلام :كلٌّ حسن ،فقال السائل : اعرف ذلك ولكن أيهما أفضل؟ فأجاب الإمام (ع) :اكثرهما دعاءً أما تسمع قول الله تعالى: (ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ).

ثالثاً :في حديث عن الإمام الباقر (ع) انه سئل أي العبادة أفضل؟؟ فأجاب بقوله : (ما من شيءٍ أحب الى الله من أن يُسأل ويطلب ما عنده،وما أحد أبغض الى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأله ما عنده) .

رابعاً :لقد ورد في بعض الروايات :أن الدعاء أفضل حتى من تلاوة القرآن ،"وان عند الله عز وجل منزلة ودرجة لا تنال إلا بالدعاء والمسألة، ولو أن عبداً سد فاه ولم يسأل لم يعط شيئاً ، فاسأل تعط ، فإنه ليس من باب يقرع ألا ويوشك أن يفتح لصاحبه" .

ان هذه الاحاديث اذا نظرنا اليها نظرة تحليلية قصيرة ،نستطيع أن ندرك عمق مضمون هذه الاحاديث وأثر الدعاء ونتائجه على شخصية الانسان وحياته،فالدعاء يقود الانسان من جهة الى معرفة الله عز وجل ،وهذه المعرفة هي أفضل رصيد للانسان في وجوده وفي حياته.

 ومن جهة ثانية : يدفع الدعاء الانسان الى الاحساس العميق بالحاجة والفقر والاضطرار الى الله ويبعده عن التعالي والغرور اللذين يشكلان ارضية مناسبة للانحراف عن طريق الحق ،فالمستكبرون والمغرورون والمعتدّون بانفسهم هم الذين يبتعدون عن الدعاء ، اما الذي يشعر بالفقر الى الله والاضطرار والحاجة اليه فهو الذي يدعو الله عز وجل ويسأله حاجته .

ومن جهة ثالثة ، يعمق الدعاء لدى الانسان الشعور بأن الله هو نبع النعم وهو مصدر الفيض والعطاء والخير والاحسان،ويدفعه الى إقامة علاقة معنوية قوية مع الله سبحانه.

ويقوم الدعاء من جهة رابعة بتربية نفس الانسان وتزكيتها وتهذيبها  لان الانسان الداعي يعلم ان للاجابة شروطها ومن شروطها الاخلاص في النية وصفاء القلب وتطهير الروح والتوبة من الذنوب والعمل بالتكاليف والمواثيق الالهية.

واخيرا يركز الدعاء في نفس الانسان الداعي عوامل المنعة والارادة والثقة بالله والاعتماد عليه ويجعله ابعد الناس عن اليأس والقنوط او التسليم للعجز.وهناك مسألة أساسية ومهمة هي أن الدعاء لا يعني ان يتخلى الانسان عن العمل والسعي وبذل الجهد،وانما حسبما تفيد الروايات والاحاديث في هذا المجال على الانسان ان يسعى ويعمل ويبذل كل جهده بالاتجاه الذي يدعو له وان لا يكتفي بالدعاء.ولذلك فلو جعل الانسان الدعاء بديلاً عن العمل ووقف ليدعو الله فقط من دون ان يسعى ويعمل فسوف لا يستجاب دعاؤه.

فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع) انه قال: اربعة لا يستجاب لهم دعوة :رجل جالس في بيته يقول اللهم ارزقني فيقال له :ألم امرك بالطلب؟ ورجل كانت له امرأة فدعا عليها فيقال له : ألم أجعل أمرها إليك؟ ورجل كان له مال فافسده فيقول : اللهم ارزقني فيقال : ألم آمرك بالاقتصاد؟ ألم آمرك بالاصلاح؟ ورجل كان له مال فأدانه بغير بينة فيقال له : ألم أمرك بالشهادة؟

اذن الدعاء لا يعني ابداً ان يتخلى الانسان عن السعي والعمل والفعالية والنشاط واستخدام الوسائل الطبيعية واللجوء بدل ذلك الى التوسل بالدعاء والعوامل الغيبية،بل المقصود أن نبذل نهاية جهدنا للاستفادة من كل الوسائل الموجودة وبعد ذلك ان انسدت الطرق امامنا نلجأ الى الدعاء ونتوجه الى الله وبهذا التوجه نحي في نفوسنا روح الأمل والحركة ونستمد من الله عن طريق الدعاء العون الكبير لقضاء حاجا تنا وحل مشكلاتنا.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.