الصيام فريضة الهية على المسلمين (1)

المشهور ان الصوم فرض على المسلمين بالمدينة المنورة في السنة الثانية للهجرة ،فانهعندما حلت السنة الثانية من الهجرة النبوية نزل الوحي على رسول الله في شهر شعبان معلناً بدأ فرض صيام شهر رمضان على المسلمين بقوله تعالى: (يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)

 

بسم الله الرحمن الرحيم                                                              

قال الله تعالى في كتابه المجيد في سورة البقرة "يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون /183"

تتناول هذه الآية واحدة من اهم العبادات في الاسلام وهي عبادة الصوم.

والصوم في الاصطلاح الشرعي : هو عبارة عن الكف والامتناع عن الطعام والشراب وعن سائر المفطرات المفصلة في كتب الفقه الاسلامي تقرباً الى الله وابتغاءاً لمرضاته عز وجل.

والاية بصفة عامة تبين ثلاثة امور بشكل اساسي وهي :

اولاً: فرض هذه العبادة على المسلمين .

وثانياً : تاريخ هذه الفريضة في الأمم السابقة .

ثالثاً:فلسفة هذه العبادة الالهية والغاية منها.

أما الامر الاول : فان الآية تدل بوضوح على وجوب فرض الصوم على جميع المسلمين المكلفين ، وهذا ما نستفيده من عبارة (كتب عليكم الصيام ) فان تعبير الآية بفعل (كتب) يدل على التشريع والفرض ،فمعنى كتب عليكم يعني فرض عليكم اي ان الصيام فريضة دينية لازمة .

وقد استعمل القران الكريم فعل (كتب ) بمعنى فرض وشرع ، في تشريعات اخرى في اكثر من آية فقال تعالى : (كتب عليكم القصاص ) البقرة 138. وقال تعالى : (وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف ) المائدة /45. الى غير ذلك من الايات .

ولعل التعبير بفعل كتب في الاية يفيد بالاضافة الى الفرض والتشريع، قوة هذه الفريضة وتأكيدها ، وشدة العناية بها ،وانه لا يجوز اغفالها او اهمالها او الوقوف منها موقف اللامبالاة.

ثم لما كان الصوم عبادة ثقيلة على النفس ومقرونة بالجوع والمعاناة والتعب والمشقة فقد طرحت الآية موضوع الصوم باسلوب مميز من أجل تهيئة نفوس المسلمين لتقبل هذه الفريضة ،فخاطب الله المسلمين بقوله سبحانه وتعالى  ( يا ايها الذين آمنوا) ولم يقل  (يا ايها الناس) وذلك من اجل ان يذكرهم بصفة الايمان التي يحملونها نتيجة تصديقهم بمحمد (ص)واتباعهم له ، لان مقتضى كونهم مؤمنين هو ان يتقبلوا ما يفرضه الايمان عليهم ، وان يطبقوا احكام الله مهما كانت مخالفة لعاداتهم وشهواتهم ومهما كانت شاقة على حياتهم .لان الايمان ليس اعتقاداً قلبياً او نفسياً فقط ، وانما هو بالاضافة الى ذلك عمل وحركة وسلوك، فيجب على الانسان ان يترجم إيمانه باعمال خارجية اي بتطبيق احكام الله على سلوكه.

والمشهور ان الصوم فرض على المسلمين بالمدينة المنورة في السنة الثانية للهجرة ،فانه عندما حلت السنة الثانية من الهجرة النبوية نزل الوحي على رسول الله في شهر شعبان معلناً بدأ فرض صيام شهر رمضان على المسلمين بقوله تعالى: (يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) الى آخر الآيات..

ولم يفرض على المسلمين صيامٌ قبل شهر رمضان كما لم يحصل اي تدرج في فريضة الصيام ،خلافاً لما ذهب اليه بعض المفسرين .  فقد ذهب بعض المفسرين الى القول : بان الله فرض الصيام على المسلمين بالتدريج ،حيث فرض في البداية ثلاثة ايام من كل شهر وصوم يوم عاشوراء، فكان المسلمون يصومون هذه الايام، ثم بعد ذلك وفي السنة الثانية للهجرة  فرض صيام شهر رمضان ونسخ وجوب صيام تلك الايام. وقد استند البعض في هذا القول الى روايات لا تخلوا من الاختلاف والتعارض.

والحقيقة ان البحث العلمي لا يساعد على هذا القول،بل ان التحقيق العلمي يظهر بطلان هذا الرأى وعدم صوابيته وذلك :

اولاً: لان الروايات التي تحدثت عن ان النبي والمسلمين كانوا يصومون قبل شهر رمضان  ثلاثة ايام من كل شهر ويوم عاشوراء ، هي روايات ضعيفة السند ولا يمكن الاعتماد عليها.اضف الى ذلك ان تلك الروايات بحد نفسها متعارضة ومتضاربة، فبعضها يقول : بان تلك الايام كان صومها فريضة وواجباً والبعض يقول : ان النبي (ص) حين قدم المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء سألهم عن ذلك فاخبروه انه اليوم الذي اغرق الله فيه آل فرعون ونجى موسى ومن معه، فقال النبي  (ص) نحن احق بموسى منهم فصامه وأمر المسلمين بصومه، بينما البعض الاخر من الروايات يقول : ان المسلمين اعترضوا على رسول الله حين امرهم بصوم يوم عاشوراء بقولهم : انه يوم تعظمه اليهود والنصارى فكيف نتبعهم في ذلك ؟!فقال لهم : اذا كان العام المقبل نصوم التاسع بدل اليوم العاشر اي بدل عاشوراء. وغير ذلك من الاختلاف الموجود في تلك الروايات . ومع هذا الاختلاف والتعارض والتناقض لا يمكن الاعتماد على مثل هذه الاخبار والنصوص.

ثانياً : انه لو كان الصيام مفروضاً قبل شهر رمضان لكان ذلك متواتراً بين المسلمين لانه عبادة شاملة ولضبطه التاريخ ولم يقع فيه اختلاف في ثبوته ووجوبه.

 ثالثاً :إن اغلب الظن ان هذه الروايات التي تتحدث عن فرض صوم يوم عاشوراء وغيرها من الايام قبل فرض صيام شهر رمضان هي من وضع الامويين ليشوهوا بذلك معالم التشريع الاسلامي من جهة ، وليضفوا على يوم عاشوراء صفة التقديس ليتسنى لهم اخفاء ما ارتكبوه من جرائم بحق اهل البيت(ع) في ذلك اليوم من جهة آخرى.

ولهذا يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان :

  (والذي يظهر بطلان هذا القول ، اولاً : ان الصيام كما قيل عبادة عامة شاملة ، ولو كان الامر كما يقولون لضبطه التاريخ ولم يختلف في ثبوته ثم في نسخه أحد وليس كذلك ،على ان لحوق يوم عاشوراء بالايام الثلاثة من كل شهر في وجوب الصوم او استحبابه ككونه عيداً من الاعياد الاسلامية مما ابتدعه بنو امية (لعنهم الله ) حيث ابادوا فيه ذرية رسول الله واهل بيته بقتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم ونهب اموالهم في وقعة الطف، ثم تبركوا باليوم فاتخذوه عيداً وشرعوا صومه تبركاً ووضعوا له فضائل وبركات ودسوا احاديث تدل على انه كان عيداً إسلامياً بل من الاعياد العامة التي كانت تعرفه عرب الجاهلية واليهود والنصارى منذ بعث موسى وعيسى وكل ذلك لم يكن ) الميزان ج2 ص7.

والخلاصة : ان اكثرية الفقهاء والمفسرين لم يجمعوا على ان صوماً فرض على المسلمين قبل شهر رمضان ثم نسخ بفرض صيام شهر رمضان ، كما لم يجمعوا على ان الصيام فرض بشكل تدريجي ،ولكنهم اجمعوا على فرض صيام شهر رمضان على المسلمين في السنة الثانية للهجرة دفعة واحدة .

وبقي هذا الشهر العظيم منذ ذلك التاريخ نوراً يشع في نفوس المؤمنين ومدرسة يستلهمون منها معاني الخير والعبادة والاحسان.

ولا بد امام هذا الشهر المبارك من ان يقف الانسان من اجل الاستعداد لصيامه والاستفادة من الفرص الالهية فيه ،كما قال رسول الله (ص) : في خطبته في آخر جمعة من شعبان : "فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم " .

وآخر دعوانا ان الحمد الله رب العالمين