الشيخ دعموش في خطبة عيد الأضحى 24-9-2015: الحل الذي يُخرج الأمة من أزماتها هو اتحاد المسلمين ومواجهة خطط العدو وأدواته.

لفت سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة عيد الأضحى التي ألقاها من على منبر مجمع السيدة زينب(ع): الى أن العيد الكبير هو اليوم الذي تعود فيه الأمة الإسلامية إلى قيمها وجذورها الإيمانية الأصيلة فتتوحد وتخرج من عصبياتها المذهبية، وتلتزم مبادئ الرحمة والصفح في التعامل مع بعضها وتسعى نحو عزتها واستعادة كرامتها.

وأشار: الى أن المحور الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ومعها إسرائيل لا يطيق أن يرى هذه الأمة عزيزة وموحدة وقوية, ولا يطيق أن يرى الدول والحكومات الإسلامية متعاونة ومنسجمة, وهم جاؤوا إلى هذه المنطقة بكل قوتهم واستخدموا كل آلياتهم وأساليبهم وأدواتهم الأمنية والنفسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية كي ينشغل المسلمون ببعضهم.

وأكد: أن ما نشاهده في بلدان المنطقة اليوم يدل على سوء وتدهور الأوضاع في العالم الإسلامي, معتبراً: أن هذه الأوضاع هي حصيلة مخطط استكباري شيطاني تنفذه أجهزة استخبارات أجنبية ودول وأنظمة إقليمية بائدة.

وأكد: أن الحل الذي يُخرج الأمة من انقساماتها وأزماتها ويحول دون تحقيق أهداف العدو هو: في اتحاد المسلمين وتآخيهم وتعاونهم, وتشخيص العدو ومواجهة خططه وأساليبه وأدواته.

نص الخطبة

رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصَّــلِحِينَ (100)﴾﴿فَبَشَّرْنَـهُ بِغُلَـم حَلِيم (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَـبُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَـأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّـبِرِينَ (102) فَلمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَـدَيْنَـهُ أَن يَـإِبْرَهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءَيَا إِنَّآ كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُـحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَـؤُا الْمُبِينُ (106)وَفَدَيْنَـهُ بِذِبْح عَظِيم (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاَْخِرِينَ (108) سَلَـمٌ عَلَى إِبْرَهِيمَ(109) كَذَلِكَ نَجْزِى الُْمحْسِنِينَ (110)

يرتبط عيد الأضحى بقضية استعداد إبراهيم(ع) للتضحية بإبنه اسماعيل(ع) استجابة لأمر الله , فقد طلب ابراهيم بداية من الله أن يرزقه ولداً صالحاً(رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصَّــلِحِينَ) حيث كان قد تقدم به السن ولم يكن له ولد, فاستجاب الله لدعائه ورزقه بولد حليم (فبشّرناه بغلام حليم).

 

وفي هذه الآية ثلاثة بشائر: الاُولى: أنّه سيرزق طفلا ذكراً، والثانية: أنّ هذا الطفل يبلغ سنّ الفتوّة التي هي قريبة من مرحلة الشباب، أمّا الثالثة: فهي أنّ صفته حليم.

 

والحليم هو الذي يضبط نفسه عند الإنفعال والغضب والإثارة.

لقد ولد الطفل الموعود لإبراهيم وفق البشارة الإلهيّة، وأنسرّ إبراهيم الذي كان ينتظر الولد الصالح لسنوات طويلة، وعندما وصل إلى مرحلة من العمر يستطيع فيها السعي والعمل وبذل الجهد مع والده في مختلف اُمور الحياة وإعانته على اُموره, أمره الله بذبحه والتضحية به(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَـبُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى) وكان عمر إسماعيل أنذاك (13) عاماً حينما رأى إبراهيم ذلك المنام، الذي يدلّ على بدء إمتحان عسير آخر لهذا النّبي العظيم يضاف الى بقية الإمتحانات التي مرّ بها، إذ رأى في المنام أنّ الله يأمره بذبح إبنه الوحيد وقطع رأسه, ومن المعلوم  أنّ ما يراه الأنبياء في نومهم هو حقيقة وليس من وساوس الشياطين، وبالتالي فإن المطلوب من إبراهيم تنفيذ الأمر الألهي بحق إبنه الوحيد الشاب اليافع الحليم المميز بصفاته والذي رزق به بعد طول انتظار.

 ولكن قبل كلّ شيء، فكّر إبراهيم (ع) في إعداد إبنه لهذا الأمر،  فعرض الأمر عليه حيث (قال يابني إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك فانظر ماذا ترى).

 والولد الذي كان نسخة طبق الأصل عن والده، والذي تعلم خلال فترة عمره القصيرة الصبر والثبات والإيمان والتسليم والإذعان لأمر الله من والده، أبد استعداده من دون تردد أو امتعاض بالأمر الإلهي وبصدر واسع وطيبة نفس، وبصراحة واضحة قال لوالده: (قال ياأبت افعل ما تؤمر) ولا تفكّر في أمري، فانّك (ستجدني إن شاء الله من الصابرين).

فإبراهيم لم يقصد أبداً خداع ولده، ودعوته إلى الإستجابة بصورة عمياء، بل رغب بإشراكه في هذا الجهاد الكبير ضدّ النفس، وجعله يستشعر حلاوة ولذّة التسليم لأمر الله والرضى به، كما إستشعر حلاوتها هو.

والإبن أراد ترسيخ عزم وتصميم والده في تنفيذ ما أمر به، إذ لم يقل له: إذبحني، وإنّما قال له: (افعل ما تأمر) أي ما أنت مأمور به، فإنّني مستسلم لهذا الأمر.

( فَلمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَـدَيْنَـهُ أَن يَـإِبْرَهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءَيَا إِنَّآ كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُـحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَـؤُا الْمُبِينُ (106)وَفَدَيْنَـهُ بِذِبْح عَظِيم)

فلما سلما بأمر الله وحان وقت التنفيذ وتله للجبين أي أنّه وضع جبين ولده على الأرض، حتّى لا تقع عيناه على وجه إبنه فتهيج عنده عاطفة الاُبوّة وتمنعه من تنفيذ الأمر الإله, أو يحصل لديه تردد بذلك.جاء النداء الألهي(وناديناه أن ياإبراهيم قد صدّقت الرؤيا إنّا كذلك نجزي المحسنين) .

 وطبعاً ذبح إسماعيل وإراقة دمه لم يكن هو المقصود النهائي لله تعالى وإنما كان المقصود هو البلاء والامتحان والاختبار لإبراهيم وولده إسماعيل (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَـؤُا الْمُبِينُ (106)وَفَدَيْنَـهُ بِذِبْح عَظِيم) وحكمة هذا البلاء هو أن يزيد في تزكية وتصفية نفس إبراهيم ونفس إسماعيل في مراحل إعداده لتحمل المسؤولية, مسؤولية النبوة وقيادة الأمة.

وما نستفيده من هذه القصة:

أولاً: يجب أن يكون الله سبحانه وتعالى أحبّ إلى الإنسان من كل شيء, أحب إليه من ابنه وولده وأهله وعشيرته وماله وملكه وكل شيء, كما كان أحب إلى إبراهيم وإبنه إسماعيل من كل شيء.

وهذا ما نصت عليه الآية الكريمة: [قل إن كان آباؤكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين]. التوبة/ 24.

ثانياً التسليم المطلق لأمر الله والرضا بأمره والاستجابة لإرادته في كل شيء.. لا أن يستجيب لله في شيء وشيء.. يستجيب لله عندما يكون أمر الله منسجماً مع أهوائه وشهواته ومصالحه, وعندما لا يكون كذلك يتمرد على الله..

المطلوب التسليم في كافة الأمور [ادخلوا في السلم كافة].

الإسلام ليس مجرد انتماء وانتساب أجوف, ولا ادعاء فارغ, ولكنه إيمان راسخ ويقين صادق, علامته الخضوع والانقياد والتسليم لأمر الله ومشيئته وإرادته.

والعيد الكبير هو اليوم الذي يضحي فيه الإنسان بشهواته وأنانيته ويلتزم بواجباته وما افترضه الله عليه بكل رضاً وتسليم.

العيد الكبير هو اليوم الذي تعود فيه الأمة الإسلامية إلى قيمها وجذورها الإيمانية الأصيلة فتتوحد وتخرج من عصبياتها المذهبية، وتلتزم مبادئ الرحمة والصفح في التعامل مع بعضها وتسعى نحو عزتها واستعادة كرامتها.

المحور الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ومعها إسرائيل لا يطيق أن يرى هذه الأمة عزيزة وموحدة وقوية, ولا يطيق أن يرى الدول والحكومات الإسلامية متعاونة ومنسجمة, وهم جاؤوا إلى هذه المنطقة بكل قوتهم واستخدموا كل آلياتهم وأساليبهم وأدواتهم الأمنية والنفسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية كي ينشغل المسلمون ببعضهم.

ما نشاهده في بلدان العالم الإسلامي اليوم, من سوريا والعراق والبحرين وغيرها من البلدان, يكفي لبيان كثير من الحقائق التي تدل على سوء وتدهور الأوضاع في العالم الإسلامي.

هذه الأوضاع هي حصيلة مخطط استكباري شيطاني تنفذه أجهزة استخبارات أجنبية ودول وأنظمة إقليمية بائدة محسوبة أنها إسلامية تتحالف وتتعاون معهم في المنطقة.

من المؤكد أن مثل هذه الظروف والأوضاع والمآسي التي يعيشها المسلمون في هذه البلدان ستزيد من حالة الانقسام بين المسلمين, وستصيب الأمة الإسلامية بالانحطاط, وستدفع الشعوب الإسلامية إلى المزيد من الإحباط, وستجعل قضاياهم الأساسية وفي مقدمها قضية فلسطين في مطاوي النسيان.

وبمقدور هذه الأوضاع أن تمكن الأمريكي والإسرائيلي من السيطرة والهيمنة على العالم الإسلامي ودول المنطقة, وهذه هي أهداف العدو ..

ولذلك نجد اليوم العالم العربي والإسلامي في غفلة عما يجري للمسجد الأقصى حيث يدنس الصهاينة باحاته في ظل صمت مريب .

والحل الذي يُخرج الأمة من انقساماتها وأزماتها ويحول دون تحقيق أهداف العدو هو: في اتحاد المسلمين وتآخيهم وتعاونهم, وتشخيص العدو ومواجهة خططه وأساليبه وأدواته.

نسأل الله أن يمن على هذه الأمة بالعزة والوحدة وأن يعيد عليهم هذه الأيام باليمن والخير والبركات..

 

والحمد لله رب العالمين