مراكز الإمام الخميني الثقافية في لبنان تكرم الشيخ دعموش 20-12-2016

أقامت مراكز الإمام الخميني الثقافية في لبنان برعاية رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله السيد هاشم صفي الدين حفلاً تكريمياً للشيخ علي دعموش بحضور حشد من العلماء والنخب الفكرية والثقافية في قاعة مجمع الإمام المجتبى (ع) , تقديرا لجهوده في كتابه "السيرة النبوية برواية أئمة أهل البيت (ع) والذي يتضمن عشرة أجزاء" وذلك مساء يوم الثلاثاء الواقع فيه 20 صفر 1438 هـ الموافق 20 -12-2016 م.

تحدث في الحفل كل من راعي الإحتفال سماحة السيد هاشم صفي الدين الذي أشاد بكتاب السيرة النبوية وشكر الشيخ دعموش على هذا الانجاز.

وسماحة الشيخ دعموش الذي تحدث عن الكتاب ومراحل انجازه وهذا نص كلمته:

  بسم الله الرحمن الرحيم

صاحب الرعاية سماحة السيد هاشم صفي الدين, السادة العلماء, الأخوة والأخوات جميعا, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من دواعي الفخر والإعتزاز أن أقف في هذا الحفل مكرماً من المراكز التي تحمل أسم الامام الخميني المقدس (رضوان الله عليه) من مراكز الإمام الخميني الثقافية في لبنان, وبحضور رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله, أخي العزيز والحبيب سماحة السيد هاشم صفس الدين, وبحضور السادة العلماء الأفاضل والإخواة والأخوات الأعزاء.

هذا الحفل يتزامن مع ذكرى ولادة رسول الله(ص) وولادة حفيده الإمام الصادق(ع) واسبوع الوحدة الإسلامية.

لقد ولد رسول الله(ص) في مجتمع قبلي معقد ومشرذم توافرت فيه كل أشكال الضلال والانحراف والانحطاط والبعد عن القيم والأخلاق.

ومن مجتمع مترد على كل المستويات الروحية والثقافية والأخلاقية والإجتماعية والسياسية والأمنية خرج رسول الله ليكون رسول رب العالمين الى الناس جميعا, يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة, وليكون أيضا قائد أعظم ثورة عرفتها البشرية على طول التاريخ, ثورة تقوم على أساس الوحي الإلهي والرعاية الربانية وعلى أساس الهدى والحق والصدق والطهر والعفاف.

 وقد استطاع هذا الرسول العظيم في مدة وجيزة وفي زمن قياسي أن ينقل هذه الأمة من حضيض الذل والمهانة إلى أوج العظمة والعزة والكرامة. وأن يغيير فيها كل عاداتها ومفاهيمها، وأن يقضي على كل أسباب شقائها وآلامها ومعاناتها.

لقد استطاع هذا النبي العظيم (ص) في مدة لا تتجاوز سنواتها عدد أصابع اليدين أن يحقق أعظم انجاز في منطقة كان يسود فيها الجهل وينعدم فيها القانون وتسيطر عليها الحروب والفتن والقسوة والفاحشة وكل مضاهر التخلف والإنحطاط.

 لقد استطاع النبي(ص) أن يحدث انقلابا حقيقيا وجذريا في عقلية ومواقف وسلوك وأخلاق تلك الأمة المشرذمة، وأن ينقلها من العدم إلى الوجود ومن الموت إلى الحياة.

 وما كان باستطاعة النبي (ص) أن يخترق ذلك الواقع وأن يحقق كل تلك الإنجازات لولا شخصيته العظيمة وسموّه الإنساني وسلوكه الحضاري وسيرته العطرة, هذه السيرة التي استحوذت على اهتمام المؤرخين والباحثين، وألفت حولها مئات بل آلاف الكتب والدراسات، ولانعلم سيرة رجل قد نقحت وحققت بالحجم الذي تم لسيرة النبي(ص).

وبالرغم من كثرة ما كتب حولها عرضا وتحليلا إلا أن معظمه استند إلى روايات ونصوص كانت تفتقد إلى الحد الأدنى من التدقيق والتحقيق والتمحيص, ولم يخلو بعضها من دوافع ومنطلقات مذهبية وسياسية فرضها الواقع السياسي الذي تلى العصور الإسلامية الأولى، حيث وضُع وبخاصة في العصر الأموي كمٌ هائل من النصوص المزيفة، وكثرت روايات القصاصين الذين جعلت السلطات منهم مؤسسة تخدم سياساتها وأهدافها، واختُلقت الكثير من الوقائع والأحداث والمواقف التي تسيء إلى شخصية النبي(ص) وتنسب إليه ما لا يليق به.

وفي تقديرنا فان هذه الروايات والنصوص المختلقة شكلت أيضا أساسا لكثير من الكتابات والأعمال والإنطباعات المسيئة بحق نبينا , حيث تعرضت شخصية رسول الله (ص) وسيرته قديما وحديثا لسلسلة من الإفتراءات والأكاذيب والتشويه والإساءات الكبرى، لم يكن آخرها ما جرى في السنوات الأخيرة على أيدي بعض الغربيين والمرتدين, وما يجري اليوم على أيدي الوهابيين والتكفيريين.

 ونعتقد أن هذا النوع من الإفتراء لم يكن عملا فرديا أو عفويا، بل كان وليد خطة معدة سابقا تهدف إلى طمس معالم الشخصية النبوية، والنيل منها، والتعتيم على خصائصها الرسالية والإنسانية، ليكون ذلك مقدمة لهدم الإسلام من الأساس، وخصوصا من قبل الحكم الأموي وادواته ومن قبل بعض الدول الغربية وفي مقدمهم الولايات المتحدة الأميركية وأدواتها.

و لعل من المظالم والمآسي الكبرى التي لحقت بسيرة النبي(ص) أن يتأثر معظم الذين كتبوا في السيرة وتاريخ الإسلام بإفرازات تلك الخطة الخبيثة, وأن يعتمدوا في كتاباتهم على ذلك الكم الهائل من الروايات المدسوسة والمصطنعة. في الوقت الذي استبعدوا فيه وبصورة شبه كلية وملفتة الروايات والنصوص الصحيحة الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) القادرة على إعطائنا الصورة الحقيقية الاكثر صفاءا ونقاءا عن شخصية النبي(ص) وحياته، والتي تتضمن تنزيها له(ص) عن كل ما حاول المسيئون إلصاقه بصورته المشرقة.

ان من يراجع كتابنا (لسيرة النبوية برواية أئمة أهل البيت(ع)) المؤلف من عشرة مجلدات سيجد أنه بالإمكان وضع دراسات حول السيرة النبوية تعالج مختلف الإتجاهات فيها بالإستناد الى ما رواه أئمة أهل البيت (ع)، واستبعاد ذلك الجانب المصطنع من النصوص التي شوهت السيره العطرة لرسول الله.

فقد روى أئمة أهل البيت(ع) آلاف النصوص التي تحدثت عن حياة وسيرة النبي(ص) في جوانبها الأساسية، واشتملت أحاديثهم على الكثير من الوقائع التاريخية، ولم يكتفوا بتسجيل الأحداث والمواقف الهامة والكبرى, بل سجلوا لنا تفاصيل حياته(ص) ودقائق تصرفاته وسلوكه، حتى الحركات واللفتات واللمحات، فضلا عن الصفات والكلمات والمواقف والأحداث بدقة متناهية, وقد احصينا في كتابنا هذا أكثر من خمسة آلاف حديث تاريخي يتعلق بحياة النبي العامة والخاصة.

 ولا شك أن هذه النصوص تعتبر بعد القرآن الكريم من أهم المصادر التي نأخذ منها تاريخ نبينا (ص) باعتبار أن أهل البيت(ع) أدرى بما فيه، وأنهم الأئمة المعصومون الذين يحملون العلم الإلهي، وعندهم علم الكتاب، وعلم ما كان ويكون، وهم الضمانة الحقيقية للحفاظ على الصورة المشرقة لرسول الله ولحماية الدين وأحكامه وقيمه ومفاهيمه، وليس لأحد أن يناقش فيما ينقل عنهم بطريق صحيح، وبخاصة فيما ينقل عن علي بن أبي طالب(ع) الذي لازم رسول الله(ص) في جميع مراحل حياته، وعاش في بيته منذ طفولته، ولم يفارقه إلى حين وفاته(ص) ، حيث كان يتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، ويراه في الأوقات التي لا يراه فيها غيره، ويخصه بالتعليم الخاص ويؤثره به.

 ولم يكتف أئمة أهل البيت(ع) بعرض السيرة وتسجيل أحداثها ووقائعها فقط، بل نجدهم (ع) يتصدون بقوة وحزم أيضا لمحاولات التشويه والتزوير التي كانت تطال شخصية النبي(ص) وبعض مواقفه، ويبادرون إلى الدفاع عنه، فيصححون بعض الوقائع، ويظهرون حقيقة المواقف، ويعلنون أمام الناس زيف تلك الأباطيل التي الصقت بشخصيته، ويكذبون من جاؤوا بها بصراحة ووضوح في مناسبات كثيرة.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل عل أن ثمّة عناية خاصة كان يوليها أئمة أهل البيت(ع) لإظهار الصورة الحقيقية لشخصية النبي(ص) في قبال تلك الصورة المشوهة والمزيفة التي كان يحاول الآخرون تظهيرها بهدف النيل منها وتحريف مواقفها بما ينسجم مع تطلعاتهم وأهدافهم.

لقد تمكن أئمة أهل البيت(ع) من رواية الصحيح من سيرة النبي(ص) وسنته وقيمه، والتصدي لمحاولات التزييف والتزوير بالرغم من كل التضييق الذي كانت تمارسه السلطات المتعاقبة عليهم، حيث تمكن الحكام من فرض ظروف منعت الصفوة من أهل البيت وشيعتهم من ممارسة دورهم في التصحيح والتنقيح، وفضح زيف المزيفين، ودفع كيد الخائنين.

و في كل الأحوال فإن حركة أئمة أهل البيت (ع) وجهودهم للحفاظ على الدين ومسيرته وحماية الصورة المشرقة لرسول الله(ص) وسيرته، كانت حركة كبيرة، تظهر بشكل واضح وجلي في هذا الكتاب وفي النصوص الواردة عنهم – المبثوثة في مطاوي عشرات بل مئات الكتب والمصادر التاريخية والحديثية وغيرها – التي لم يتسن لأحد بحدود اطلاعنا جمعها وتأليفها في كتاب واحد برغم الحاجة الملحة لعمل توثيقي من هذا النوع.

ولذلك قمنا  بجمع ووضع هذا الكتاب ليسد هذه الحاجة، وليكون مصدرا يعتمد عليه الباحثون في تقديم صورة صافية ونقية عن شخصية وحياة نبينا(ص). وقد قسمنا الكتاب الى قسمين: عرضنا في القسم الاول بعد المرحلة المكية الحوادث الكبرى والهامة التي حصلت في المرحلة المدنية وفق السنوات الهجرية والترتيب والتسلسل الزمني للأحداث والوقائع التاريخية منذ السنة الهجرية الأولى وإلى السنة الحادية عشر هجرية.

وأمّا القسم الثاني فقد اشتمل على سبعة فصول استعرضنا فيها أبعاد شخصيته(ص) وأحواله وأوضاعه الخاصة، ابتداءا من شخصيته الذاتية واوصافه إلى شخصيته(ص) الأخلاقية والروحية والإجتماعية والقيادية والإدارية والجهادية والرسالية.

وأخيرا: فإنّ هذا الكتاب لا يعدو كونه جهدا فرديا متواضعا حاولت فيه جمع وترتيب وتنظيم وتأليف النصوص والروايات الواردة عن أئمةاهل البيت في السيرة وتاريخ النبي(ص) وهو لا يمثل سوى الخطوات الأولى على طريق إبراز الصحيح من سيرته العطرة. ولا أدعي أنه استوعب كل ما ورد عنهم (ع) في تاريخ النبي(ص) ، شأنه في ذلك شأن كل عمل استقصائي من حيث تعذر الإحاطة بكل النصوص المتوافرة، كما أنه قد لا يخلو من عيوب وثغرات شأن كل عمل تأسيسي خاصة إذا كان فرديا .

وكلي رجاء أن أجد في نقد العلماء والباحثين ما يساهم في تقويم وتطوير هذا الكتاب الذي نبتغي من ورائه نيل رضا الله وشفاعة رسوله(ص).

مجددا أعبر عن عظيم تقديري وشكري وامتناني لصاحب الرعاية  وللمعاونية الثقافية ولوحدة الأنشطة الثقافية في حزب الله ولإدارة مراكز الامام الخميني الثقافية في لبنان وللسادة العلماء ولكل من شارك وساهم في إقامة هذا الحفل فإليكم وإليهم جميعا مني جزيل الشكر ومن الله عظيم الأجر والثواب والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.