الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة 15-9-2023: مساعٍ جديّة لانعقاد الحوار وإنجاز الاستحقاق الرئاسي في أقرب وقت.

شدّد نائب رئيس المجلس التنفيذي، في حزب الله، الشيخ علي دعموش على أنّ "مسؤولية الدولة ‏والمؤسسات والمرجعيات الدينية والنخب الثقافية والفكرية، التصدّي لدعاة الشذوذ ومحاولاتهم ‏الخبيثة لتشريعه، وجعله أمرًا طبيعيًا، وإخفات تلك الأصوات النشاذ التي تهدّد القيم الأخلاقية ‏والإنسانية في المجتمع اللبناني التي يتمسك بها المسلمون والمسيحيون وكل أتباع الديانات ‏السماوية".‏

 

وخلال خطبة الجمعة، أكد الشيخ دعموش أنّ "بلدنا بحاجة إلى كلّ أبنائه، ومسؤولية الدولة تثبيت ‏الشباب في وطنهم من خلال تأمين فرص عمل لائقة للعاطلين، وتحسين رواتب الموظفين ‏والأساتذة والمعلمين، والحرص على تأمين كل الإمكانات اللازمة لانتظام التعليم في المدارس ‏الرسمية والجامعة اللبنانية".

ولفت إلى أنّ "حزب الله استطاع، من خلال الجهد الذي بذله خلال ‏مناقشة موازنة 2024 في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، تثبيت بعض الإمكانات والموازنات ‏للمدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية للحؤول دون انهيار العام الدراسي".‏ ‏‎ ‎

ورأى الشيخ دعموش أنّ "هناك من يعمل بإيحاءات خارجية لأخذ البلد نحو المواجهة بدل الحوار، ‏ويريد رئيسًا يكون وقودًا لإشعال الفتنة التي يخطط لها أعداء لبنان الذين يريدون أن يحققوا ‏بالفتنة الداخلية ما عجزوا عن تحقيقه بالحرب"،‎‎‏ مؤكدًا أنّ "هؤلاء لن يصلوا إلى أهدافهم مهما علا ‏صراخهم؛ لأنّنا مصمّمون على إيصال رئيس يحمي البلد من الفتنة ويحافظ على السلم الأهلي ‏ويحبط أهداف الأعداء".

ورأى الشيخ دعموش أنّ "مسار الانفراج الرئاسي يبدأ بالحوار وليس بالعناد والتصلب في المواقف، والتأخير في ‏اعتماد هذا المسار يعني المزيد من التعقيد والتأزم والفراغ".‏

ولفت الشيخ دعموش إلى أنّ هناك مساعٍ جديّة لانعقاد الحوار ولإنجاز الاستحقاق الرئاسي في أقرب وقت، ‏وقال: "نأمل أن توصل إلى نتيجة طيبة، فنحن من دعاة الحوار وجاهزون للتوافق على رئيس وطني ‏يحفظ وحدة اللبنانيين وسيادة البلد وحقوقه وثرواته بالمعادلات وليس بالشعارات".

نص الخطبة

نعزيكم ونعزي جميع المسلمين بوفاة رسول الله محمد بن عبد الله (ص) وشهادة الامامين الحسن المجتبى وعلي بن موسى الرضا (عيهما السلام).

في ذكرى رسول الله نقف أمام الاهتمام الكبير الذي خص به النبي جيل الشباب باعتبار ان شريحة الشباب كانت من أكثر الشرائح التي تفاعلت مع النبي ودعوته الى الاسلام واستجابت له والتفت حوله ودافعت عنه وقدمت التضحيات بين يديه فقد أولى النبي الشباب اهتماما خاصا ورباهم على الإيمان والالتزام بمفاهيم وقيم الإسلام، وأعدهم لتحمل المسؤوليات الكبيرة.1- رباهم التربية المتوازنة القائمة على الموازنة بين الروح والجسد ، اي بين متطلبات الدنيا وبين متطلبات الاخرة. لأن تغليب جانب على حساب الجانب الآخر، سيؤدي إلى خللٍ في بناء الشخصية النبي رفض بقوة التوجه الخاطىء نحو العبادة والاستغراق في العمل للاخرة وترك اعمال الدنيا وعدم الاستفادة من ملذاتها وطيباتها ونعيمها (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ(.

 

النبي بين بوضوح أنه ليس في الإسلام رهبانية، وإنما الإسلام يدعو إلى التوازن بين متطلبات الجسد ومستلزمات الروح اي بين متطلبات الحياة الدنيا ومستلزمات الحياة الاخرة، لان الإنسان كما يحتاج لإشباع غرائزه وشهواته المادية من طعام وشراب ولباس وسكن وزواج وترفيه والخ، يحتاج كذلك لإشباع ميوله ورغباته المعنوية من ايمان وعبادة وقيم روحية واخلاقية.

فقد خطب النبي في الناس ذات مرة ووصف يوم القيامة، فخاف الناس وبكوا، فاجتمع عشرة من الصحابة واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل، ولا يقربوا النساء ولا الطيب، وان يلبسوا الثياب الخشنة ويرفضوا الدنيا، ويترهبنوا ، فأُخبر النبي(ص) بذلك، فأتى اليهم وقال: "انى لم اؤمر بذلك ثم قال: إن لأنفسكم عليكم حقا، فصوموا وافطروا وقوموا وناموا، فانى أصوم وأفطر وأقوم وأنام وآكل اللحم والدسم وآتى النساء (فمن رغب عن سنتي فليس منى) ثم جمع الناس وخطبهم وقال: ما بال قوم حرموا النساء، والطيب والنوم وشهوات الدنيا، وأما أنا فلست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا، انه ليس في ديني ترك اللحم والنساء، واتخاذ الصوامع، ان سياحة أمتي في الصوم، ورهبانيتها الجهاد، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وحجوا واعتمروا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا شهر رمضان، واستقيموا يستقم لكم، فإنما هلك من قبلكم بالتشديد، شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع."

اذن التركيز على الجانب المعنوي والروحي وتجاهل الجانب المادي هو سلوك خاطىء، كما ان التركيز على الجانب المادي وتجاهل الجانب الروحي هو سلوك خاطىء ايضا، لذلك الصحيح هو السلوك المتوازن الذي يراعي الجانبين ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ القصص: 77.

الشاب كما يسعى لتأمين مستقبله في الدنيا عليه ان يسعى لتأمين مصيره في الآخرة من خلال الايمان والعبادة والاستقامة والاعمال الصالحة وهذا يتطلب من الانسان ان يجاهد نفسه ويدربها ويعودها على سلوك طريق الهدى والصلاح والحق والخير، لا طريق الضلال والفساد والضياع 


2ـ تعامل النبي باسلوب الرفق واللين والرحمة مع الشباب، ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ كان يتعاطى معهم بمحبة وليونة ويدعوهم الى الدين برفق، ويجاريهم في أحاديثهم المتنوعة ويعاملهم كأنه واحد منهم وهذا ما جعلهم ينجذبون اليه ويلتفون حوله ويزدادون إعجابا بشخصيته.

فقد روي انه كان يخاطبهم ويقول : "إياكم والتعمق في الدين، فإن الله قد جعله سهلاً، فخذوا منه ما تطيقون، فإن الله يحب ما دام من عمل صالح، وإن كان يسيراً".

وروى عن زيد بن ثابت قال: كنا إذا جلسنا إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) إن أخذنا في حديث في ذكر الآخرة أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا.

هذا الاسلوب في التعامل كان من أسباب نجاح النبي في استقطاب الشباب الى الايمان والإسلام. وهذا ما يجب أن نتعمله كآباء وامهات واهل وعلماء ومبلغين ورساليين من رسول الله إذا أرادنا استقطاب الشباب، الى حالة التدين والى الالتزام بقيم الإسلام والتأثير فيهم وجذبهم نحو المسيرة الايمانية والجهادية.

3ـ الثناء على الشباب وتقدير اعمالهم وامتداحهم على ما يبذلونه من جهود له تأثير كبير على نفوسهم، ولذلك كان النبي، يمتدح الشباب ويثني عليهم ويشجعهم على طاعة الله والابتعاد عن شهوات الدنيا ولهوها فقد روي عن النبي انه قال: " ما مِن شابٍّ يَدَعُ للَّهِ‏ِ الدنيا ولَهوَها وأهرَمَ شَبابَهُ في طاعَةِ اللَّهِ إلّا أعطاهُ اللَّهُ أجرَ اثنَينِ وسَبعينَ صِدِّيقاً ".

وعنه(ص) أيضاً أنه قال: " إنَّ أحَبَّ الخلائقِ إلى اللَّهِ عَزَّوجلَّ شابٌّ حَدَثُ السِّنِّ في صُورَةٍ حَسَنَةٍ جَعَلَ شَبابَهُ وجَمالَهُ للَّهِ‏ِ وفي طاعَتِهِ ، ذلكَ الذي يُباهِي بهِ الرحمنُ ملائكَتَهُ ، يقولُ : هذا عَبدِي حَقّاً " وقال، أيضاً: " فَضلُ الشّابِّ العابِدِ الذي تَعَبَّدَ في صِباهُ على الشيخِ الذي تَعَبَّدَ بعدَ ما كَبِرَت سِنُّهُ كَفَضلِ المُرسَلِينَ على‏ سائرِ الناسِ ".

وقد كان لثناء النبي على الشباب دور مهم ومؤثر في كسب المزيد منهم، والتفافهم حول شخصيته وقيادته.

4ـ خلق الثقة في نفوس الشباب من خلال اعطاء المتميزين منهم ادوارا في المجتمع وتحميلَهم مسؤوليات كبيرة وهامة، فقد كان يكلفهم بمهام حساسة دينية ورسالية واجتماعية وعسكرية وسياسية كان يعتمد على الشباب في نشر الاسلام وفي قيادة الجيش وفي ادارة شؤون الدولة، ولذلك فإن أول مبلغ بعثه النبي، لنشر الإسلام في المدينة المنورة كان مصعب بن عمير، وكان يومها في ريعان شبابه، وقد عمل مصعب بكل جد وإخلاص من أجل التأثير في الناس وإقناعهم بالإسلامونجح في ذلك حيث استطاع بالرغم من حداثة سنه أن يدخل الايمان بقوة الى المدينة المنورة، وان يقنع الكثير من اهلها بالإسلام.

بعد فتح مكة بفترة زمنية قليلة، اضطر الرسول، للخروج منها بجيشه، والتوجه نحو جبهة القتال، وكان لابد من تعيين قائد لمكة لإدارة شؤونها، وقد اختار النبي، من بين جميع المسلمين شاباً لم يتجاوز الواحد والعشرين عاماً، وهو (عَتَّاب بن أَسِيْد) كقائد لمكة المكرمة في ظل تواجد النبي في المدينة.

في أواخر حياة النبي عندما كان على فراش المرض عبأ النبي المسلمين لقتال الامبرطورية الرومية ، وكلف اسامة بن زيد وهو ابن ثماني عشر سنة قيادة الجيش، بالرغم من ان جيشه كان يضم كبار الضباط وأمراء الجيش ورجال المهاجرين والأنصار وشيوخ العرب والشخصيات البارزة آنذاك.

ولاشك ان الامر الذي دفع بالنبي لاختيار هؤلاء الشباب لتولي هذه المسؤوليات الكبيرة والمهمة هو كفاءتهم وأهليتهم، فالشباب الذين اختارهم النبي لتقليدهم المناصب الحساسة في الدولة كانوا يتمتعون بالكفاءة واللياقة المطلوبة، بالعقل والفكر والفهم والوعي والذكاء والإيمان والعلم والأخلاق والتدبير والادارة وحسن الاداء، ومن خلال هذه النماذج التاريخية يتبين لنا كيف أن النبي تمكن من توظيف طاقات الشباب واستفاد منها، واستطاع أن يزرع في نفوسهم الثقة والإرادة والعزيمة، مما جعلهم يقومون بأدوار كبيرة، ويتحملون مسؤوليات حساسة؛ كان لها الفضل الأكبر في نشر راية الإسلام في ارجاء المنطقة والعالم.

ومن خلال هذا الاسلوب في التعامل النبوي الحكيم مع الشباب استطاع النبي أن يربي جيلاً مؤمناً وملتزماً بتعاليم وقيم الإسلام، وان يكون لهذه الشريحة الشبابية المؤمنة دور مهم ومؤثر في نشر الاسلام ومفاهيمه وقيمه.

ولذلك علينا جميعا ان نتعلم من رسول الله(ص) كيف نعمل بجد وإخلاص من أجل استقطاب الشباب من ابنائنا وفتياتنا الى التدين والى الالتزام الديني، كيف نربيهم على القيم والاخلاق وتحمل المسؤولية، كيف نقوي معارفهم وثقافتهم الاسلامية لكي يتلكوا الحصانة اللازمة في مواجهة التحديات والتهديدات والمخاطر ، كيف نستفيد من مواهبهم وقدراتهم وطاقاتهم في خدمة المجتمع وبناء الوطن ؛ وتزداد هذه المسؤولية عندما نعرف ان العدو يستهدف هذا الجيل ويقود حروب وحملات موجهة ومخططة من اجل إفساد الشباب المؤمن وإبعاده عن دينه وقيمه وأخلاقه وقضايا وطنه وعن المقاومة، ويستخدم كل الوسائل في هذه الحرب من وسائل إعلام فاسدة، وجمعيات مرتبطة بالسفارات، وشبكات للفساد والإفساد، ومافيات لترويج المخدرات، وكتاب ونواب ومؤسسات للترويج للشذوذ ونشر التحلل الأخلاقي والميوعة في مجتمعنا تحت عنوان الحرية الشخصية..

اليوم مسؤولية الدولة والمؤسسات والمرجعيات الدينية والنخب الثقافية والفكرية التصدي لدعاة الشذوذ ومحاولاتهم الخبيثة لتشريعه وجعله امرا طبيعيا، وإخفات تلك الاصوات النشاذ التي تهدد القيم الاخلاقية والانسانية في المجتمع اللبناني التي يتمسك بها المسلمون والمسيحيون وكل اتباع الديانات السماوية.

اليوم بلدنا بحاجة الى كل ابناءه ومسؤولية الدولة تثبيت الشباب في وطنهم من خلال تأمين فرص عمل لائقة للعاطلين، وتحسين رواتب الموظفين والاساتذه والمعلمين، والحرص على تأمين كل الامكانات اللازمة لانتظام التعليم الرسمي في المدارس الرسمية والجامعة اللبنانية، وقد استطاع حزب الله من خلال الجهد الذي بذله خلال مناقشة موازنة 2024 في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة تثبيت بعض الإمكانات والموازنات للمدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية للحؤول دون انهيار العام الدراسي.‏

اليوم هناك من يعمل بايحاءات خارجية لاخذ البلد نحو المواجهة بدل الحوار، ويريد رئيسا يكون وقودا لاشعال الفتنة التي يخطط لها أعداء لبنان الذين يريدون ان يحققوا بالفتنة الداخلية ما عجزوا عن تحقيقه بالحرب، لكن هؤلاء لن يصلوا الى اهدافهم مهما علا صراخهم لاننا مصممون على ايصال رئيس يحمي البلد من الفتنة ويحبط اهداف الاعداء وينقذ لبنان.

ومسار الانفراج الرئاسي يبدأ بالحوار وليس بالعناد والتصلب في المواقف، والتأخير في اعتماد هذا المسار يعني المزيد من التعقيد والتأزم والفراغ.

هناك مساعي جدية لانعقاد الحوار ولانجاز الاستحقاق الرئاسي في أقرب وقت، نأمل ان توصل الى نتيجة طيبة، نحن من دعاة الحوار وجاهزون للتوافق على رئيس وطني يحفظ وحدة اللبنانيين وسيادة البلد وحقوقه وثرواته بالمعادلات وليس بالشعارات .