خطبة الجمعة 1-12-2023: الزهراء(ع) والنموذج الحضاري

الشيخ دعموش: المقاومة في غزة والمنطقة لن تدع ‏الإسرائيلي يحقّق أهدافه.

أشار نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش إلى أنّ: "العدو ‏الصهيوني استأنف عدوانه على غزة بقرار أميركي". ورأى أنّ: "هذه الحرب منذ ‏البداية هي حرب أميركا على الشعب الفلسطيني، 

وكل المواقف الأميركية ومجريات ‏الأحداث كانت تدل على هذه الحقيقة، فأميركا ليست مجرد شريك؛ بل هي ‏صاحبة القرار في العدوان و"إسرائيل" هي أداة تنفذ القرار الأميركي". ‏.

‏وفي خطبة الجمعة، رأى الشيخ دعموش أن: "محاولات الأميركي لتلميع صورته أمام الرأي العام العالمي، من خلال إبداء حرصه على تجنب استهداف المدنيين ومواصلة إدخال المساعدات إلى غزة، ‏لن تنطلي على أحد ولن تُعفيه من تحمّل المسؤولية عن المجازر والجرائم التي ‏ترتكب في غزة"، مشددًا على أنه: "بعد استئناف العدوان على غزة يجب أن يقول العالم كلمته وأن تقول ‏الشعوب كلمتها هذه المرّة، بشكل حاسم، وأن تضغط على الأميركي ليوقف هذه ‏الحرب المجنونة".‏


وقال: "يجب أن يتحمّل الجميع اليوم مسؤوليته الأخلاقية والإنسانية تجاه ما يجري ‏في غزة من جرائم ضدّ المدنيين"، مؤكدًا أن :"المقاومة في غزة، وفي كل المنطقة، لن تدع ‏"الإسرائيلي" يحقّق أهدافه في هذه الحرب، ولن تسمح بأن تكون يد الأميركي ‏و"الإسرائيلي" هي العليا في المنطقة".‏

ولفت سماحته إلى أنّ: "ثبات المقاومة وصمود أهل غزة جعلا العدو عاجزًا في الجولة الأولى ‏عن تحقيق أيّة مكاسب عسكرية كبيرة، وحوّلا عمليته البرية إلى عملية عقيمة، ‏وبدلًا من أن يصيب المقاومة أصاب نفسه بالإحباط والخيبة والفشل، ولولا ثبات هذه المقاومة ‏وأهل غزة لما حصلت الهدنة وعملية تبادل الأسرى بشروط حماس والمقاومة".

وأوضح أنّ: "العدو وضع أهدافًا لحربه على غزة؛ أبرزها القضاء على حماس ‏وتحرير الأسرى الصهاينة وعجز عن تحقيق ذلك في الجولة السابقة، وما عجز ‏عنه على مدى 48 يومًا من العدوان المتواصل في الجولة السابقة، لن يحصل عليه ‏في هذه الجولة مهما طالت الحرب، لأنّ المقاومة لم تُمس في بنيتها العسكرية، وهي ‏قوية ومقتدرة وتدير معركتها بكل عزم وقوة.‏

وشدّد الشيخ دعموش على أنّ: "كل جبهة المقاومة في المنطقة مع غزة وإلى جانبها، بينما العدو مُنهك ‏ومحبط وخائب وليس واثقًا من تحقيق أهدافه. والرأي العام العالمي بالإجمال بات ‏ضده وضد عدوانه، وعامل الوقت ليس لمصلحته"، وقال: "يجب أن يعرف العدو أنّ إرادة ‏المقاومة وقدرة الصمود عندها هي أكبر وأقوى بكثير من قدرة الصمود عند ‏جيشه المنهك والعاجز".

نص الخطبة

عظم الله اجوركم بذكرى شهادة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء(ع) بناءا للرواية الثانية الواردة في تاريخ شهادتها.

هناك العديد من الاحاديث التي وردت في تعظيم الزهراء(ع) وكشفت عن سمو مقامها ومنزلتها ومكانتها عند الله ولدى النبي الاكرم محمد(ص) الذي قال الله تعالى عنه: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾.

فقد ورد عن النبي(ص) انه قال وهو آخذ بيد فاطمة:«من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي، وهي روحي التي بين جنبيّ، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله»
وعنه (ص): " يا فاطمة إنّ اللّه يغضب لغضبك ويرضى لرضاك "
وعنه (ص): "إِنَّ فَاطِمَةَ شُجْنَةٌ مِنِّي(اي فرع وغصن)‏ يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا وَ يَسُرُّنِي مَا يَسُرُّهَا وَ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَيَغْضَبُ لِغَضَبِ فَاطِمَةَ وَ يَرْضَى لِرِضَاهَا".

وقال(ص) لها ذات يوم: " يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين، و سيّدة نساء هذه الأُمّة ، و سيدة نساء المؤمنين ".

وعنه (ص):« إنّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً» . وفي هذه المعاني والمضامين احاديث كثيرة.

وهنا قد يتساءل البعض: لماذا كل هذا التعظيم للزهراء؟ ماذا قدمت الزهراء للبشرية و للمجتمع وللحضارة الإنسانية حتى تستحق هذه الاوسمة وهذا التكريم ؟

هناك عباقرة قدموا للبشرية خدمات عظيمة ، مثلا أديسون الذي اخترع الكهرباء أنار الكرة الأرضية بالكهرباء، آينشتاين بنظريته النسبية العامة والخاصة افتتح علوم هامة، هؤلاء قدموا للبشرية نتاجاً وعطاء كبيرا استفاد منه كل البشر، فماذا قدمت الزهراء(ع) في مقابل ما قدم هؤلاء حتى تستحق هذا التعظيم والإجلال والإكبار؟.

والجواب: ان الزهراء(ع) قدمت النموذج الحضاري الذي جسد كل القيم الروحية والاخلاقية والانسانية التي يجب ان تقوم عليها الحضارة البشرية فكانت عنوانا لكل القيم ونموذجا انسانيا كاملا في كل الصفات والخصائص التي تجعل من الانسان رمزا وقدوة ومثلا أعلى يهتدي به الناس في حياتهم.

الحضارة البشرية لا تقوم على الاشياء المادية فقط اقتصاد، وتكنولوجيا، وطاقة، وذكاء اصطناعي وانترنت وسرعة ايصال المعلومة وما شاكل، بل تقوم ايضا على القيم الروحية والانسانية والاخلاقية على العدل والاحسان والصدق والاخلاص والتعاون والايثار وخدمة الناس والى آخر القيم.

نحن لا ننظر الى الحياة من وجهة نظر مادية فقط كما ينظر الغرب مثلا، وانما ننظر اليها من وجهة نظر معنوية وروحية ايضا، فالاسلام كما أمر ببناء الحضارة والارض بناءا ماديا فقال تعالى ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ هود: 61 أي طلب منكم إعمار الأرض وبناء الحياة، كذلك أمر بالعدل والاحسان والايثار والاخوة وصنع المعروف والخير وتحقيق الامن والسلم بين الناس، يقول تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ النحل: 90 ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾.

فالقرآن يأمر بعمارة الارض وبناء الحياة ويدعو للحضارة ، ولكن الحضارة التي تقوم على القيم الأخلاقية والروحية ، لان حضارة بلا قيم هي حضارة ذئاب ، لا يمكن ان توفر للإنسان السعادة والاطمئنان والامن والاستقرار اذا لم تقم على قيم اخلاقية.
إذن الاسلام يريد حضارة قائمة على القيم الانسانية والاخلاقية والروحية ، الإنسان إذا لم يمتلك رصيد روحي، يستكبر يظلم يقتل يعبث بحقوق الآخرين ويطغى عليهم، كما هو حال المستكبرين والطغاة في عصرنا مثل الامريكي والغربي والاسرائيلي الذين يدعون الحضارة والتقدم وينادون بحقوق الانسان بينما يقتلون في غزة النساء والاطفال ويدمرون كل مقومات الحياة، ويسلبون ثروات الشعوب الفقيرة في الكثير من بلدان العالم لا سيما في افريقيا واميركا اللاتينية حيث يعيش الناس تحت خط الفقر، وانما يفعلون ذلك لانهم مجردون في الحقيقة من كل القيم الانسانية والاخلاقية والروحية، وهم ليسوا صادقين فيما يدعونه من عدالة واخلاق وانسانية، فضلا عن انهم فارغون من كل رصيد روحي يمكن ان يشدهم نحو الله والخوف من الله .

عندما لا يكون الانسان مرتبطا بالله ولا يخاف الله لا يمكن ان تكون لديه حالة روحية ومعنوية، الرصيد الروحي لا يحصل عليه الإنسان بدون علاقة بينه وبين الله ومن دون الخوف من عقاب الله والرغبة في ثوابه ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ الرعد: 28. ويقول تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ الأنفال: 2

ما قدمته الزهراء(ع) للبشرية وللحضارة والحياة هي القيم التي تكمل بناء حضارة الإنسان وحياة الانسان، علمت الناس كيف يعودون الى الله وكيف يلجأون الى الله وكيف يملكون الرصيد الروحي الذي يتخلص به الإنسان من مرض الكآبة والقلق والاضطراب ، هذا الذي قدمته الزهراء للحضارة الإنسانية.

نحن غالبا ننظر الى ما يقدمه الشخص على المستوى المادي للبشرية، ولا ننظر الى ما يقدمه الشخص على المستوى المعنوي والروحي ، الانبياء والاولياء والصالحين على مر التاريخ قدموا أعظم المعاني الروحية والمعنوية للبشرية نقلوها من الضلال والضياع الى الايمان والهدى والقيم، لولا الأنبياء والأوصياء والائمة والزهراء فاطمة (عليهم السلام اجمعين) لما وجدت بنية للقيم الاخلاقية والإنسانية، مسيرة الأنبياء ارست القيم ولذلك ورد عن النبي(ص) : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق“. .

الشخصية المفيدة والنافعة التي تخدم الانسانية هي التي تمتلك عناصر ذاتية تحولها إلى رمز للمجتمع البشري والى قدوة ومثل أعلى للناس، سواء قدمت خدمات مادية واخترعت دواء أو جهاز أو ما اخترعت.

الشخصية التي تمتلك خصائص ذاتية ومواصفات ربانية تجعلها قدوة ورمزاً للبشرية في مجالات متعددة هي شخصية عظيمة وتستحق الإجلال والإكبار والتعظيم، وهذا ما نجده في شخصية الزهراء .(ع)

ففي مجال العفة ، كانت الزهراء (ع)رمزا للعفة والطهارة والحياء والستر، فقد سألها النبي ذات مرة فقال: بنية فاطمة ما هو خير للمرأة؟ قالت: أن لا ترى الرجل ولا الرجل يراها“ أي لا ترى الرجل برؤية تثيرها ولا يراها الرجل برؤية تثيره.

وفي مجال العلاقة الزوجية تضرب لنا الزهراء(ع) المثل في صِدق العلاقة بين الزوج وزوجته، وفي عمق العلاقة بين الزوجين، الإمام أمير المؤمنينعلي بن ابي طالب (ع) يتحدث عن علاقته بالزهراء(ع) فيقول: ”فوالله ما أغضبتُها ولا أكرهتُها على أمرٍ حتّى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتْني ولا عَصَتْ لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان“ .

ولما حضرتها الوفاة والشهادة استدعت زوجها عليا(ع) ، فقالت: يا ابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني، فقال (عليه السلام): معاذ الله، أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله من أن أوبخك بمخالفتي .

اما في مجال العلاقة مع الله والتوجه نحو عبادته ومناجاته، فيقول ابنها الإمام الحسن الزكي: رأيت أمي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشئ، فقلت لها: يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني! الجار ثم الدار. “ فهي حتى في عبادتها لا تنسى مجتمعها في دعائها مناجاتها وابتهالاتها.

وهكذا في مجال التواضع والترفع عن زخارف الدنيا والقيام بالاعمال التي تتطلبها الاسرة كانت الزهراء(ع) الزوجة القنوعة التي لا تحمل زوجها فوق طاقته ولا تستنكف عن القيام بواجباتها المنزلية بكل سرور وتواضع .

وهكذا ايضا كانت في مجال العطاء والانفاق ورعاية الفقراء والمحتاجين وفي كل القيم الاخلاقية والانسانية.

الحضارة الإنسانية تحتاج إلى نماذج راقية تقتدي بها، الحضارة الإنسانية تحتاج إلى قدوات صالحة تهتدي بها ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ الأنعام: 90 ومن هؤلاء الذين امرنا الله بالاقتداء بهم وتحتاجهم الحضارة الإنسانية لتقتدي بهم وتستلهم منهم القيم والتعاليم فاطمة(ع)، فاطمة التي عكست من خلال عمرها القصير قيمها ومبادئها العظيمة فكانت النموذج الانساني الحضاري الكامل ليس للنساء فقط بل للرحال ايضا ولكل البشرية.

اليوم عاد العدو الصهيوني واستأنف عدوانه على غزة بقرار امريكي، لقد قلنا منذ بداية هذه الحرب ان هذه الحرب هي حرب امريكا على الشعب الفلسطيني وكل المواقف الامريكية الاحداث والمجريات منذ البداية كانت تدل على هذه الحقيقة وهي ان اميركا ليست مجرد شريك، هي صاحبة القرار في العدوان، واسرائيل هي اداة تنفذ القرارالامريكي.

ومحاولات الامريكي لتلميع صورته امام الرأي العام العالمي من خلال ابداء حرصه على تجنب استهداف المدنيين ومواصلة ادخال المساعدات الى غزة لن تنطلي على احد، ولن تعفيه من تحمل المسؤولية عن المجازر والجرائم التي ترتكب في غزة .

اليوم بعد استئناف العدوان على غزة يجب ان يقول العالم كلمته وان تقول الشعوب كلمتها هذه المرة بشكل حاسم، وان تضغط على الامريكي ليوقف هذه الحرب المجنونة .

يجب ان يتحمل الجميع اليوم مسؤوليته الاخلاقية والانسانية اتجاه ما يجري في غزة من جرائم ضد المدنيين، والمقاومة في غزة وفي كل المنطقة لن تدع الاسرائيلي يحقق اهدافه في هذه الحرب، ولن تسمح بان تكون يد الامريكي والاسرائيلي هي العليا في هذه المنطقة.

ثبات المقاومة وصمود اهل غزة جعلا العدو عاجزا في الجولة الاولى عن تحقيق اية مكاسب عسكرية، وحوّلا عمليته البرية الى عملية عقيمة، وبدل ان يصيب المقاومة أصاب نفسه بالاحباط والخيبة والفشل. ولولا ثبات المقاومة واهل غزة لما حصلت الهدنة وعملية تبادل الاسرى بشروط حماس والمقاومة.

العدو وضع اهدافا لحربه على غزة أبرزها القضاء على حماس وتحرير الاسرى الصهاينة وعجز عن تحقيق ذلك في الجولة السابقة، وما عجز عنه على مدى 48 يوما من العدوان المتواصل في الجولة السابقة، لن يحصل عليه في هذه الجولة مهما طالت الحرب، لان المقاومة لم تمس في بنيتها العسكرية، وهي قوية ومقتدرة وتدير معركتها بكل عزم وقوة، وكل جبهة المقاومة في المنطقة معها والى جانبها، بينما العدو منهك ومحبط وخائب وليس واثقا من تحقيق اهدافه، والرأي العام العالمي بالاجمال بات ضده وضد عدوانه وعامل الوقت ليس لمصلحته، ويجب ان يعرف العدو ان ارادة المقاومة وامكانية الصمود لديها هي اكبر واقوى بكثير من امكانية الصمود لدى جيشه المنهك والعاجز.