الشيخ دعموش في المحاضرة الأسبوعية بتاريخ 12/5/2014م: الحرب التي تكون في سبيل الله ومن أجل تحقيق أهداف نبيلة لا يجوز فيها الاعتداء ولا الخروج عن الحدود والضوابط التي وضعها الله .

لفت سماحة الشيخ علي دعموش في المحاضرة الأسبوعية بتاريخ 12/5/2014 إلى أن المعتدين هم أحد أبرز الأصناف الذين لا يحبهم الله، ليس لأنه لا تعجبه أجسامهم وأشكالهم وألوانهم ، بل لأنه لا تعجبه أفعالهم وممارساتهم وتصرفاتهم التي يتجاوزون فيها الحدود التي رسمها الله سبحانه وتعالى.

 

وقال: لقد عبر القرآن الكريم صراحة عن عدم محبته للمعتدين في ثلاث آيات:

الأولى: في الآية 190 من سورة البقرة حيث يقول تعالى: [وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين].

الثانية: في الآية 88 من سورة المائدة يقول تعالى: [يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين].

الثالثة: في الآية 55 من سورة الأعراف يقول تعالى: [ادعوا ربكم تضرعاً وخُفيه إنه لا يحب المعتدين].

والاعتداء هو: تجاوز الحد والخروج عن الحدود والضوابط والقواعد والتشريعات التي وضعها الله سبحانه ، والمعتدون هم الذين يتجاوزون تلك الحدود والضوابط.

فإن الله سبحانه وتعالى وضع حدوداً وأحكاماً وتشريعات وضوابط إلهية في مختلف المجالات وأي تجاوز لها أو خروج عنها هو اعتداء وتعدّ على حدود الله.

وقد حذرنا الله في أكثر من آية من التعدي على حدود الله ومخالفتها.

قال تعالى: [تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدَّ حدود الله فأولئك هم الظالمون] ـ البقرة / 229.

ويقول تعالى: [تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون] ـ البقرة / 187.

وعندما ندقق في الآيات الثلاث التي ذكرناها سنجد أن القرآن نهى عن الاعتداء وتجاوز الحدود في ثلاثة مجالات أساسية:

أولاً: في مجال الحرب والقتال.

ثانياً: في مجال التشريع وعدم تحريم ما أحله الله.

ثالثاً: في مجال الدعاء.

أما في مجال الحرب فإن الله ركز على ضرورة مراعاة حدود الله فيها لأنه قد يظن البعض أن في ساحات الحرب والقتال كل شيء مباح، وانه لا ضوابط في مواجهة العدو، فيمكن للمجاهدين أن يقتلوا من شاؤوا وكيفما شاؤوا وأن يدمروا كل شيء أمامهم، وأن يستخدموا كل الوسائل في قتل العدو..إلا أن ذلك ليس صحيحاً، فإن الله سبحانه وتعالى وضع ضوابط وقواعد شرعية وأخلاقية وإنسانية وحضارية للحرب وأراد من المجاهدين حتى وهم في وسط المعركة أن يلتزموا تلك الضوابط والحدود وأن لا يتجاوزوها ولا يعتدوا..

[وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا].

الحرب في الإسلام ليست للانتقام ولا للثأر، ولا للعلو في الأرض، ولا للاستيلاء على الأراضي وأملاك الآخرين واحتلالها، ولا للحصول على الغنائم والمكاسب، وإنما هي حرب في سبيل الله وفي سبيل نشر الحق والعدل ، واقتلاع جذور الظلم والفساد والانحراف، وحماية المستضعفين ، والحرب التي تكون في سبيل الله ومن أجل تحقيق أهداف نبيلة من هذا النوع لا يجوز فيها الاعتداء ولا الخروج عن الحدود والضوابط التي وضعها الله للحرب..

والإسلام يوصي بالالتزام بكثير من الضوابط الشرعية والأخلاقية والإنسانية في الحرب مما تفتقر إليه حروب عصرنا.

فهو يوصي بعدم الاعتداء على المستسلمين، وعلى من فقدوا القدرة على الحرب كالشيوخ والنساء والأطفال، وعدم التعرض للأملاك والمقدسات كالمزارع والبساتين ودور العبادة والآثار التاريخية وغيرها، وعدم اللجوء إلى المواد السامة لتسميم مياه العدو كما هو السائد اليوم في الحروب الكيميائية والجرثومية.

ولذلك أوصى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) جيشه إلى صفين قبل الشروع بالقتال بمجموعة وصايا تكشف عن رحمة الإسلام حتى بالعدو حيث يقول (ع):

(لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم ، فإنكم بحمد الله على حجة، وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً ، ولا تصيبوا معوراً ، ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم).

المجاهدون في المقاومة الإسلامية التزموا بهذه الضوابط والقواعد في قتالهم ومواجهاتهم ومعاركهم، وعندما فرَّ المسلحون من بلدة القصير وفيما بعد من يبرود وفليطا ورنكوس وغيرها، لم يلاحقهم المجاهدون وهم يهربون، كما أنهم لم يجهزوا على جرحاهم بل سمحوا لهم في بعض الأحيان الدخول إلى مستشفيات لبنان للعلاج ، بل إن المجاهدين في المقاومة الإسلامية عدلوا الكثير من خططهم وتكتيكاتهم العسكرية وأخذت منهم بعض المعارك وقتاً أطول وسقط منهم شهداء.. بسبب حرصهم على عدم إلحاق الأذى بالشيوخ والنساء والأطفال الذين كانوا يتواجدون بين الجماعات المسلحة في بعض مناطق المواجهات كالقصير وغيرها..

هذه هي الأخلاق التي ربانا عليها الإسلام المحمدي الأصيل ورسول الله (ص) وأهل البيت (ع) وهي أن لا نعتدي حتى على من يقاتلنا وأن نلتزم الحدود والضوابط في قتالنا له.

وأما في مجال التشريع، فإن القرآن نهى عن الاعتداء على الله في التشريع ، وذلك بأن نشرع بحسب أهوائنا ومصالحنا، ونفتي من عند أنفسنا ، فنحرم ما أحله الله ونحلل ما حرمه الله كما قد يفعل بعضنا طبقاً لمصالحه ومنافعه وأهوائه ومزاجه.

وجاء في أسباب نزول الآية التي تنهى عن الاعتداء على الله في مجال التشريع بأن جماعة من أصحاب رسول الله عزموا على ترك بعض لذات الدنيا وحرموا على أنفسهم ما أحله الله لهم من مقاربة زوجاتهم وانصرفوا للعبادة ، فأقسم بلال الحبشي أن يصوم أيامه كلها، وأقسم عثمان بن مظعون أن يترك زوجته ويتفرغ للعبادة ، فعلم رسول الله (ص) بذلك.. فجاء إليهم وأخبرهم أن ما يفعلونه خلاف سنته وقال: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) ثم جمع الناس وخطب فيهم وقال:

ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا، أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهباناً، فإن ليس في ديني ترك اللحم ولا النساء ولا اتخاذ الصوامع، وان سياحة أمتي الصوم، ورهبانيتهم الجهاد، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وحجوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان واستقيموا كما يستقيم لكم، فإنما هلك من كان قبلكم بالتشدد، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم..

فقام الذين كانوا قد أقسموا على ترك تلك الأمور وقالوا: يا رسول الله ، لقد أقسمنا على ذلك فماذا نفعل؟

فنزلت الآية جواباً لهم: [يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ، لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين.. ] ـ المائدة/ 88 ـ 89.

وأما في مجال الدعاء، فإن الاعتداء وتجاوز الحدود يكون بممارسة الرياء حين الدعاء ، أو التوجه بالدعاء وطلب الحاجات إلى غير الله ، كأن يطلب الإنسان حاجاته من الزعيم الفلاني أو الرئيس الفلاني أو المسؤول الفلاني ويتوسل إليه ويتضرع كما يتضرع إلى الله.. أو من خلال الدعاء بالشر على الآخرين بأن يدعوا عليهم لا لهم.. إن كل ذلك ونحوه هو خروج عن الحدود التي رسمها الله في الدعاء..

المؤمن هو منبع للخير، ومصدر للحلم والعفو والصلاح والإحسان والكرم والترفع عن الأخطاء والتجاوزات ، وهو موضع ثقة وطمأنينة.

المؤمن أودع الله في قلبه الرحمة والرأفة فهو لا يرحم أهله وأولاده فقط وإنما يرحم عامة الناس ولا يعتدي عليهم لأنه يعرف أن الله لا يحب المعتدين.

 

والحمد لله رب العالمين