محاضرة حول النظام الحقوقي في فكر الشهيد مطهري(المرأة مثالاً) ألقيت في مركز الإمام الخميني (قده)/ حارة حريك.

إحدى المسائل التي تعرض لها القرآن الكريم بالبحث والتحليل هي مسألة تكوين المرأة والرجل ، والحقوق والواجبات المتعلقة بهما.وإذا أردنا أن نعرف وجهة نظر القرآن فيما يتعلق بتكوين الرجل والمرأة فإنه يلزمنا أن نلتفت إلى مسألة الطبيعة التكوينية للرجل والمرأة

 ، فهل أن القرآن اعتبر الرجل والمرأة من طبيعة واحدة، أم أنهما من طبيعتين مختلفتين، يعني هل أن الرجل والمرأة من طينة واحدة وينطلقان من طبيعة تكوينية واحدة أم لا؟

   يصرح القرآن الكريم في آيات متعددة بوحدة الطبيعة التكوينية للجنسين، يقول تعالى في الآية الأولى من سورة النساء: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ...." .

ويقول في موضع آخر: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ..." الروم /21

          ليس في القرآن أثرٌ لما في بعض الكتب المقدسة والأفكار القديمة من كون المرأة قد خلقت من أصل أدنى من الأصل الذي خلق منه الرجل أو أنها مخلوق ثانوي.

وعلى هذا الأساس فليس في الإسلام نظرية مهينة بشأن الطبيعة التكوينية للمرأة.

في الإسلام الرجل إنسان كامل والمرأة إنسان كامل وهما يتمتعان بحقوق إنسانية متساوية ، ولا فرق ولا اختلاف بينهما من حيث الاعتبار والقيمة الإنسانية.

هنا يتعرض الشهيد العلامة الشيخ مرتضى مطهري للإشكالية التي يأخذها الغرب الذي ينادي بالمساواة في الحقوق ويدعيها والتي تقول: إن الإسلام لا يجد المرأة إنساناً كاملاً ولا يضع لها الحقوق التي ينبغي أن يتمتع بها الإنسان، ولو كان الإسلام يجد المرأة إنساناً كاملاً لما أعطى الرجل امتيازات حقوقية يرجح بها على المرأة، ولو كان الإسلام يجد المرأة إنساناً كالرجل لم يسمح بتعدد الزوجات، ولم يعطي للرجل حق الطلاق، ولم يعطه حق الإشراف على الأسرة، ولم يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين في الارث، ولم يضع المهر قيمة إزاء المرأة، ولأعطاها استقلالا اقتصاديا واجتماعيا، فلم تعد مثلها مثل الأجير تأخذ النفقة من الرجل ؟!!

يتعرض الشهيد لهذه الإشكالية ويقول: إذا أردنا أن نعطي استدلال هؤلاء صورة منطقية فسيأتي الاستدلال على الشكل التالي:

إذا كان الإسلام يعتبر المرأة إنسانا كاملا فسيضع لها حقوقا متساوية ومتشابهة لحقوق الرجل. لكنه لم يضع لها حقوقا مساوية ومشابهة.

إذن: لم يعتبر الإسلام المرأة إنساناً كاملاً.

أساس هذا الاستدلال هو أن مشاركة المرأة للرجل في الاعتبار والقيمة الإنسانية تستلزم وحدة الحقوق وتشابه هذه الحقوق.

وهنا يقول العلامة الشهيد: أن المفهوم الفلسفي الذي يجب أن نضع اليد عليه ليتضح الموقف من هذا الاستدلال هو ماذا يلزم من جراء اشتراك الرجل والمرأة في الاعتبار والقيمة الإنسانية؟ فهل يلزم من اشتراكهما في الاعتبار الإنساني أن يكون لهما حقوق متساوية بالشكل الذي يعدم فيه الامتياز والترجيح؟ أم يلزم من ذلك مضافا لتساويهما في الحقوق أن تكون حقوقهما متشابهة وعلى نسق واحد ومن سنخية واحدة بحيث لا يكون هناك تقسيم للعمل والمسؤوليات بينهما على الإطلاق؟؟

في الإجابة على هذا التساؤل يقول الشهيد: إن تساوي المرأة مع الرجل في الاعتبار الإنساني لا يلزم منه التشابه في الحقوق أي أن تكون حقوقهما متشابهة وعلى نسق واحد.

فالتساوي غير التشابه. من الممكن أن يقسم أب ثروته بشكلٍ متساوٍ بين أبنائه، إلا أنه لا يكون متشابها وعلى نسق واحد.

مثلاً يمكن أن يكون هناك أب يملك من الثروة أصنافا متعددة فلديه ثروة تجارية ولديه ثروة زراعية ولديه عقارات أيضاً ولكنه بعد تقييم استعدادات ابنائه وقابلياتهم وجد أن أحدهم يتمتع بنزعة تجارية، وآخر يميل نحو الزراعة والثالث مدير جيد لاستثمار العقارات، وحينما قرر توزيع الثروة بين أبنائه حال حياته خصص لكل منهم ما يتناسب مع استعداداته من ثروة علماً أنه راعى التساوي في قيمة كل حصة مع الحصة الأخرى.

الكم يغاير الكيف والتساوي لا يعني أن تكون الحقوق على نسق واحد ومن سنخية واحدة.

الثابت أن الإسلام راعى أصل المساواة الإنسانية بين الرجل والمرأة وأعطى كل واحد منهما الحقوق التي تتناسب معه ومع واقعه الطبيعي والتكويني، فأعطى لكل من الرجل والمرأة حصصاً متساوية ولم يكن الإسلام معارضا لمساواة الرجل والمرأة في الحقوق ولم يعط الرجل إطلاقا امتيازا أو ترجيحا على النساء، بل عارض الإسلام التشابه بين الرجل والمرأة في الحقوق بمعنى أنه لم يعطهما حقوقا متشابهة وعلى نسق واحد.

الإسلام كما يرى الشهيد مطهري له فلسفة متميزة بصدد الحقوق الأسرية للرجل والمرأة، فلم يحدد للرجل والمرأة في كل المواقع والموارد لونا واحدا من الحقوق والواجبات والمسؤوليات، وإنما ذهب الإسلام إلى أن بعض الحقوق والواجبات أكثر إنسجاما مع واقع المرأة مع واقعها التكويني والجسدي والنفسي والعاطفي والاجتماعي، والبعض الآخر أكثر انسجاما مع واقع الرجل. وبالتالي جاء وضع المرأة مشابها لوضع الرجل في مواقع وموارد معينة، وفي مواقع أخرى افترق وضعهما.

أما لماذا ذلك وعلى أي أساس؟؟

يعتبر الشهيد أن هذا التخطيط الإسلامي لنظام الحقوق لم ينطلق من فكرة أن الإسلام ينظر إلى المرأة نظرة دونية أو سلبية، أو لأن الإسلام يعتبر الرجل جنسا أشرف من جنس المرأة ، أو لأن الإسلام لا يعتبر المرأة إنساناً  كاملا بينما يعتبر الرجل كذلك.

لم ينشأ هذا التخطيط من هذه الفلسفة، لأنه من وجهة نظر إسلامية فإن المرأة والرجل يتمتعان بحقوق إنسانية كاملة فهما إنسانان من حيث الاعتبار والقيمة الإنسانية. فلم ينطلق هذا التخطيط من هذه الفلسفة الدونية، وإنما انطلق هذا التخطيط من فلسفة وركيزة أخرى وهي:

     أن هناك اختلافات جوهرية وعميقة بين الرجل والمر
أة من زاوية التكوين والطبيعة، وهو اختلاف وتفاوت جسدي ونفسي وعاطفي وصحي وليس شكليا فقط، وهذا التفاوت والاختلاف يؤدي إلى اختلاف في الحقوق والواجبات الأسرية بين الرجل والمرأة.

ويقول الشهيد: إن الباحثين الغربيين أوضحوا الاختلافات النفسية، والصحية والاجتماعية القائمة بين الرجل والمرأة، إلا أنهم لم يلتفتوا إلى أن هذه الاختلافات له أثره في تعيين الحقوق والواجبات الأسرية، وان الرجل والمرأة يحتلان أساس هذا الأثر موقعين غير متجانسين وغير متشابهين من حيث الواجبات والحقوق.

وينقل الشهيد عن العالم الفرنسي كاريل الذي يتمتع بشهرة عالمية أنه يقر بكلا الأمرين في كتابه المشهور "الإنسان ذلك المجهول" يعني أنه يعترف بأن الرجل والمرأة يختلفان بحكم قانون الخلق، كما يعترف بأن هذا الاختلاف يفضي إلى تفاوت حقوقهما واجباتهما وعدم تشابهها.

" يقول كاريل" إن الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة لا تأتي من الشكل الخاص للأعضاء التناسلية ومن وجود الرحم والحمل أو من طريقة التعليم، إذ أنها ذات طبيعة أكثر أهمية من ذلك، إنها تنشأ من تكوين الأنسجة ذاتها ومن تلقيح الجسم كله بمواد كيميائية محددة يفرزها المبيض، ولقد ادى الجهل بهذه الحقائق الجوهرية بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنه يجب أن يتلقى الجنسان تعليما واحدا وأن يمنحا قوى واحدة ومسؤوليات متشابهة. والحقيقة أن المرأة تختلف اختلافا كبيرا عن الرجل، فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها، والأمر صحيح بالنسبة لأعضائها، وفوق كل شيء بالنسبة لجهازها العصبي، فالقوانين الفيسيولوجية غير قابلة للين مثل قوانين العالم الكوكبي، فليس في الإمكان إحلال الرغبات الإنسانية محلها .... ومن ثم فنحن مضطرون إلى قبولها كما هي، فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعاً لطبيعتهن دون أن يحاولن تقليد الذكور، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجل، فيجب عليهن أن لا يتخلين عن وظائفهن المحددة"

ويعتبر الشهيد أن التفاوت القائم بين الرجل والمرأة لا علاقة له على الإطلاق بكون الرجل أو المرأة هي الجنس الأرقى أو الجنس الأنقص.

لقد كان لقانون التكوين هدف آخر من هذا التفاوت، فقد استهدف إحكام الرابطة العائلية بين الرجل والمرأة، وإرساء أفضل الأسس لهذه الرابطة، وقصد قانون التكوين أن يقسم هذا التفاوت نفسه الحقوق والواجبات الأسرية بين الرجل والمرأة، وأن يقسم العمل والمهمات والوظائف والمسؤوليات بينهما.

إن التفاوت بين الرجل والمرأة في التكوين هو تعاون وتناسب، وليس نقصا أو كمالا. فالقانون التكويني يستهدف بهذا التفاوت والاختلاف، خلق تناسب أكبر بين الرجل والمرأة اللذين خلق لحياة مشتركة.

ومن هنا فقد أعطى الإسلام للمرأة حقوقا تتناسب ووضعها كأنثى، وأعطى للرجل حقوقا تتناسب مع وضعه كرجل. وراعى في ذلك كله الغرائز التكوينية المودعة في كل من الرجل والمرأة.

وكمثال يذكره الشهيد على ذلك فيقول: " أصبح واضحاً أن المهر انبثق بسبب أن قانون التكوين عهد لكل من الرجل والمرأة دورا خاصا، فالمهر إجراء تكويني استهدف رفع قيمة المرأة ووضعها في مكان لائق.

المهر يدعم شخصية المرأة، وقيمته المعنوية أكثر بكثير من قيمته المادية، وهو دليل على أن الحب يبتدأ من الرجل، وأن يقدم هدية إخلاصا لذلك الحب، ولذلك عبر القرآن عن المهر بأنه نحلة وعطية، أي هدية وعربون محبة.

ومن هنا لا ينبغي أن نلغي تحت شعار المساواة بين الحقوق وقانون المهر الذي هو مادة من مواد لائحة عامة وضعتها يد التكوين.

والمرأة لها في الإسلام الاستقلالية والحرية الكاملة في تنفيذ المعاملات وإجراء العلاقات الحقوقية، وليس من حق الرجل أن يستحوذ على نتائج عمل المرأة، ونشاطها الاقتصادي، والسيطرة على ثروتها.

لقد شرع الإسلام هذا القانون قبل ألف وأربعمائة سنة حيث قال تعالى " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن" النساء/32

فالقرآن الكريم يرى للنساء كما للرجال حقا في امتلاك نتائج العمل قبل أوربما بأكثر من ثلاثة عشر قرناً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.