القدس درب الشهداء

في الجمعة الاخيرة من شهر رمضان المبارك هذه السنة تتزامن وتحتشدثلاث مناسبات اساسية : المناسبة الاولى: مناسبة يوم القدس العالمي، والثانية: الذكرى العشرون للأنتصار والتحرير في ٢٥ أيار، والثالثة: عيد الفطر السعيد.

*اما يوم القدس فهو يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان الذي أعلنه الامام الخميني يوما عالميا لللقدسليؤكد قداسة والهية واسلامية هذه القضية، وليسلط الضوء عالميا عليها، وليعلن الالتزام بهذه القضية باعتبارها جزءا من الثوابت الايمانية والتاريخية للامة، ولتبقى حية وحاضرة في وجدان الامة ووعيها ومسؤوليتها وبرامجها وتحركها فلا تنسى ولا يتم تجاهلها مهما عظمت التحديات وكبرت المؤامرات.

ولذلك كانت القدس على الدوام حاضرة بقوة في وجدان الشهداء ووعيهم ومسؤوليتهم وبرامجهم وتحركهم وجهادهم ، لانها درب الشهداء ومقصدهم وغايتهم ومحط آمالهم وتطلعاتهم، من سيد شهداء المقاومة الشهيد السيد عباس الموسوي الى عماد المقاومة الشهيد القائد الحاج عماد مغنية وصولا الى سيد شهداء محور المقاومة القائد الشهيد الحاج قاسم سليماني، وكل الشهداء الذين مضوا على طريق المقاومة.

فهؤلاء الشهداء جميعا وكل شهداء المقاومة هم بحق شهداء القدس، لانهم مضوا في طريق القدس وعلى درب القدس، وكانوا يمهدون بجهادهم ومقاومتهم وليلهم ونهارهم وتعبهم وسهرهم والامهم وتضحياتهم، لاستعادة القدس وتحريرها من ايدي الصهاينة.  

ولذلك في يوم القدس نعاهد ارواحهم الطاهرة أننا سنكمل دربهم وطريقهم، ونحقق آمالهم وأحلامهم وأمانيهم، بكل ايمان وعزم وثبات، مهما كان حجم التحديات والتهديدات والتضحيات، ومهما بلغ التآمر والتخاذل وحجم الخيانات ومحاولات التطبيع.

.

*واما ذكرى ذكرى الانتصار والتحرير، ففي 25 ايار من العام 2000 كتب تاريخ جديد ودخلنا في مرحلة جديدة هي مرحلة الانتصارات كما قال الأمين العام دام حفظه عندما وقف في 25 ايار الفين في بنت جبيل وقال ان زمن الهزائم في مواجهة اسرائيل قد ولى وان زمن الانتصارات في مواجهة اسرائيل قد بدء.

ان اعظم ما جرى في 25 من ايار ان الانسحاب الصهيوني من لبنان كان هزيمة مذلة وان العدو خرج بلا قيد ولا شرط ولا مفاوضات ولا اعتراف من لبنان ولا التزامات ولا ضمانات ولا جوائز ولا مكاسب، لانه عجز عن البقاء في ارضنا لان في ارضنا مقاومة جدية وقوية ومستعدة للتضحية من اجل حماية الوطن.

الانتصار في 25 ايار انهى والى الابد مشروع اسرائيل الكبرى، وهز هيبة اسرائيل وصورتها التي طالما اخافت بها العرب، ونقلها الى ما وراء الجدران العالية والاسلاك الشائكة وولد في امتنا وعيا كبيرا يشخص العدو ويحدده ، وايمانا عظيما بان شعوبنا قادرة على الحاق الهزيمة باسرائيل واستعادة القدس وفلسطين وكل اراضيها المحتلة بالمقاومة والجهاد والتضحيات.    

*اما مناسبة العيد فهو الفرصة التي جعلها الله تعالى للإنسان ليبرهن على سمو إنسانيته في مجال القيم ، والأخلاق ، والآداب ، والعلاقات الاجتماعية والإنسانيةوهو فرصة للمؤمن ليشعر بالأخوّة التي تربطه بإخوانه المؤمنين في فرحة الحياة ، وبالوحدة الشاملة معهم  حتى في المشاعر والأحاسيس.

ولذلك فان من أهم وأفضل الأساليب الاجتماعية التي يتقرّب فيها الإنسان المؤمن إلى الله سبحانه وتعالى في أيام العيد هو التواصل والتراحم والتعاطف مع الارحام والاقارب والإخوان، والإحسان إليهم ، ومواساتهم ، وإصلاح العلاقات معهم وفيما بينهم ، وغير ذلك من الأساليب التي تجلب المحبة والمودة والصفاء والالفة في أيام الأعياد.

 وقد اعتبر الله الذين يصلون أرحامهم ويحسنون إليهم ويواسونهم ولا يهجرونهم لحقد أو غيظ أو عداوة ، من الذين يخشون ربهم ويتقونه ويخافون سوء الحساب، ووعدهم بحسن العاقبة.

 يقول تعالى : " الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ، ويخشون ربهم ، ويخافون سوء الحساب . . أولئك لهم عقبى الدار".

وفي المقابل اعتبر الله من يمارس القطيعة لأرحامه ولأقربائه وإخوانه، من الذين يستحقون اللعنة وسوء العاقبة.

اليوم صحيح ان هناك وباءا عالميا واجراءات تمنع اجتماع الناس والاختلاط والتلاقي المباشر بين الارحام والاقارب والاخوان، الا ان ذلك لا يمنع التواصل الاجتماعي بينهم، والسؤال عن بعضهم البعض، والاحسان الى بعضهم البعض، والمعايدة ، واظهار البهجة بالعيد عبر وسائط التواصل الاجتماعي التي تؤمن هذا النوع من التواصل والتزاور والتعاطف والتقارب الاجتماعي الذي يقوي ويمتن الروابط الاسرية والعائلية والاجتماعية.

وقد شددت الاحاديث على اهمية التواصل والتزاور بين الناس وعلى فضل وثواب واجر من فعل ذلك  خصوصا في مناسبة الاعياد.

فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : حدثني جبرائيل أن الله عز وجل أَهْبَطَ إلى الأرض ملَكاً ، فأقبل ذلك المَلَك يمشي حتى وقف على باب عليه رجل يستأذن على صاحب الدار ، فقال له الملك : ما حاجتك إلى صاحب هذه الدار ؟ قال : أخ مسلم زرته في الله تبارك وتعالى ، قال له الملك : ما جاء بك إلا ذاك ؟ فقال : ما جاء بي إلا ذاك*.

   فقال : إني رسول الله إليك وهو يقرئك السلام ويقول : وجبت لك الجنة . إن الله عز وجل يقول : أيما مسلم زار مسلماً فليس إياه زار ، بل إياي زار ، وثوابه عليّ الجنة* " .

   وعن الإمام الباقر عليه السلام :إن العبد المسلم إذا خرج من بيته زائراً أخاه لله لا لغيره ، التماس وجه الله ، ورغبة فيما عنده ، وكّل الله عز وجل به سبعين ألف ملَك ينادونه من خلفه إلى أن يرجع إلى منزله : ألا طبت وطابت لك الجنة* " .

وفي زمن الكورونا وظروف الحجر الصحي واجراءات التعبئة العامة المفروضة في لبنان وفي غيره من الدول ليس المطلوب التباعد الاجتماعي وان يهجر الناس بعضهم البعض ويقاطعوا بعضهم البعض ولا يسالوا عن بعضهم البعض، بل المطلوب هو عدم الاختلاط واقامة التجمعات والتلاقي المباشر في مكان واحد، مع الابقاء على التقارب والتواصل عبر الوسائل غير المباشرة.

ولذلك في الوقت الذي نشدد فيه على الالتزام باجراءات التعبئة العامة في ايام العيد ندعو الى المزيد من التقارب الاجتماعي والتواصل والتراحم والتكافل والاحسان الى الفقراء والمحتاجين ومواساتهم في هذه الايام المباركة لتبقى الفرحة في ديار الجميع وعلى وجوه الجميع رغم صعوبة الاوضاع وقسوة الظروف