الورع عن محارم الله

الورع هو اجتناب الشبهات, فكل ما يشتبه في كونه حراماً نجتنبه ولا نقع فيه, فهناك أشياء كثيرة تصادف الإنسان في حياته ويشتبه عليه حكمها أو لا يعرف حكمها مع إحتماله بأن تكون حراماً, سواء كانت طعاماً أو شراباً أو تجارة أو مالاً أو غير ذلك , الورع أن تجتنب الشبهات فاذا كنت تشتبه في أن يكون هذا الشيء حراماً, فإن مقتضى الورع أن تتركه وتبتعد عنه حتى لو كانت فيه مصلحتك أو رزقك, فالورِع هو الذي لا يقتحم الشبهات بل يتركها ولا يقع فيها فضلاً عن تركه المحرمات.

خلاصة الخطبة

شدد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: على ضرورة التحلي بصفة الورع لمواجهة الشهوات والإغراءات والطغوط والتحديات ولمواجهة كل الإرتكابات و الجرائم والمجازر والقتل والتدمير الجاري في المنطقة من اليمن إلى سوريا الى فلسطين.

وأشار: الى أن العملية البطولية التي حصلت في تل أبيب قبل يومين ضد الصهاينة كشفت عن أن الشعب الفلسطيني لا يزال حاضراً بقوة في مواجهة الإحتلال, وأن الأجيال لن تتخلّى عن القضية ولا عن حقها في أرضها وفي المقاومة..

وقال: هذه العملية تأتي للرد على الإرهاب الإسرائيلي المتمادي بحق الشعب الفلسطيني وعلى الإنتهاكات الصهيونية للمسجد الأقصى.

ولفت: الى أن على العالم الإسلامي أن يبادر إلى إتخاذ موقف جامع ضد الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين وضد الإرهاب التكفيري في المنطقة الذي بات يتمدد في العالم ويهدد الجميع حتى داعميه و مموّليه ومن كان سبباً في وجوده.

ورأى: أن الإرهاب الذي تمارسه كل من إسرائيل في فلسطين, والتكفيريين في المنطقة, والسعودية في اليمن و سوريا, أساسه و مصدره واحد, هو الولايات المتحدة الأميركية, فهي الراعي الأساسي لهذا الإرهاب بكلّ أشكاله وفصائله وأدواته، وهي مصدر كل الازمات والمشاكل في المنطقة وفي العالم، فهي مصدر الأزمة في العراق و سوريا, وهي أساس المشكلة في فلسطين حيث زرعت هذا الكيان ودعمته, وهي التي تغطي العدوان البربري الوحشي الذي تقوم به السعودية على الشعب اليمني، وهي التي مارست ضغوطاً قبل أيام إلى جانب التحالف السعودي على الأمم المتحدة وعلى أمينها العام لحذف إسم السعودية من القائمة السوداء, مما كشف عن إنصياع كامل من الأمم المتحدة للإدارة الأميركية وللسعودية التي باتت تستخدم أموالها لشراء مواقف من هذا النوع.

 وأشار: الى أن هذا الإنصياع غير المبرر يذكرنا بما كانت تمليه أمريكا وإسرائيل على الأمم المتحدة خصوصاً إذا كان الموضوع يدين إسرائيل وإعتداءاتها, معتبراً: أن هذا الإنصياع يؤكد أنّ الأمم المتحدة لا مصداقية لها وهي ليست حيادية خصوصاً عندما يتعلق الموضوع بإسرائيل والسعودية.

وفي موضوع إنصياع المصارف بما فيها المصرف المركزي للقانون الاميريكي بفرض عقوبات مالية على حزب الله وإقفال حسابات بنكية لمؤيدي المقاومة أكد: أن هذا العمل مشبوه, ويضر بلبنان وسيادته, ولن ينال من المقاومة ومؤسساتها, ولن ينفع المحرضين.

نص الخطبة

في آخر خطبة النبي(ص) التي خطبها في آخر جمعة من شعبان والتي استقبل فيها شهر رمضان وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) وسأل رسول الله )ع):  ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فأجاب(ص):يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله.

أفضل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الإنسان في شهر رمضان ليس العبادات والمستحبات والدعاء وقراءة القرآن, وإنما الورع عن محارم الله عزوجل.

والورع هو اجتناب المحرمات والمعاصي والذنوب , والتحرج منها.

والتحرج يعني أن يكون لدى الإنسان رهبة داخلية تجاه المعاصي والمحرمات والانحرافات تمنعه من الإقدام عليها والوقوع فيها, وهذه الرهبة الداخلية قد تنشأ في شهر رمضان من قداسة هذا الشهر وعظيم حرمته وما له من خصوصية, لا سيما وأنه شهر الصيام والقيام والعبادة والطاعات والتقرب الى الله سبحانه, فينبغي أن يتحرج الانسان فيه من الوقوع في المعصية وارتكاب الحرام, تماماً كما يتهيب الانسان من الوقوع في خطأ أو من صدور هفوة أو زلة منه في محضر شخصية لها مكانة وشأن ومهابة.

ولذلك عندما سئل الامام الصادق(ع) عن الورع من الناس قال: الذي يتورع عن محارم الله عزوجل.

وعن الإمام الباقر(ع):اجتنب ما حرم الله عليك تكن من أورع الناس.

وللورع معنى آخر أعلى درجة من المعنى الأول وهو اجتناب الشبهات أيضاً, فكل ما يشتبه في كونه حراماً نجتنبه ولا نقع فيه, فهناك أشياء كثيرة تصادف الإنسان في حياته ويشتبه عليه حكمها أو لا يعرف حكمها مع إحتماله بأن تكون حراماً, سواء كانت طعاماً أو شراباً أو تجارة أو مالاً أو غير ذلك , الورع أن تجتنب الشبهات فاذا كنت تشتبه في أن يكون هذا الشيء حراماً, فإن مقتضى الورع أن تتركه وتبتعد عنه حتى لو كانت فيه مصلحتك أو رزقك, فالورِع هو الذي لا يقتحم الشبهات بل يتركها ولا يقع فيها فضلاً عن تركه المحرمات.

فعن الإمام علي(ع(: الورع الوقوف عند الشبهة.

وللورع مجال أرقى من هذا وذاك هو الورع حتى عن المكروهات وليس فقط المحرمات والشبهات.

وقد تجلى الورع في قصة نبي الله يوسف ، حيث حكى القرآن عن ورع يوسف عن ارتكاب الحرام بالرغم من أن فرصة الإقدام على الحرام كانت متاحة، وكل الظروف كانت مهيئة يقول تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ يوسف، 23.

النبي محمد (ص) كان أورع الناس كافة, فعندما كان يرى (ص) تمرة على فراشه، ما كان يأكلها خوفاً من ان تكون من تمر الصدقة التي كانت تأتيه ليوزعها على الناس, كان يقول(ص) فيما يروى عنه: إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها. أي لعلها من الصدقات والزكوات التي لايجوز للهاشميين أن يأكوا منها.

ومن أمثلة الورع التي حصلت في زمن النبي (ص): أن رجلاً اشترى من رجل أرضاً، فوجد المشتري في العقار جرة فيها ذهب، فقال للبائع: لقد وجدت في الأرض كنزاً فخذه مني، لأنني إنما اشتريت منك الأرض، ولم أشتري منك الذهب, وكان بذلك يعبر عن شدة ورعه وخوفه من أن ي\اخذ مل ليس له به حق.

فقالالبائع الذي تبين أنه ورع مثله ويخاف أيضاً أن يأخذ ما قد لا يكون له حق فيه: إنما بعتك الأرض وما فيها، ورفض أن يأخذ الكنز ,فتحاكما إلى رجل فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد ؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر لي جارية، قال: زوجوا الجارية  للغلام ، وأنفقوا عليهما من الكنز وتصدقا.

هذا نموذج من الورع والوقوف عند الشبهات, والإحتياط في الدين, بأن يحتاط الانسان في أن يأخذ شيئاً ليس له, أو فيه شبهة أن لا يكون له.

الورع الحقيقي هوالاحتياط في الدين, وعدم الإقدام على شيء فيه شبهة الحرام.

كان للشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره) زميل أيّام دراسته، يدرسان معاً، واتّفق في أحد الأيّام أنّهما لم يكونا يملكان أكثر من فلس واحد، فالتفت الزميل للشيخ الأنصاري وقال له: هل توافق على أن نشتري بهذا الفلس رغيفاً من الخبز نصفه لك ونصفه لي؟ فوافق الشيخ الأنصاري, وذهب ذلك الزميل إلى السوق ليأتي بالرغيف ولكنّه في طريق عودته صادف بائع دبس فقال له: هل تعطيني بفلس واحد دبساً قرضاً؟
فوافق البائع وأعطاه الدبس، فوضعه الزميل وسط الرغيف وعاد إلى الشيخ.
وعندما رأى الشيخ الأنصاري الدبس في الخبز سأله مستغرباً: من أين لك بثمن الدبس ولم يكن عندنا سوى فلس واحد؟ فقال: أقترضته من بائع الدبس.
وهنا التفت الشيخ الأنصاري إلى زميله وقال: وهل تضمن بقاءك حياً لتفي له؟ وما كان ينبغي لك أن تفعل هذا؛ لأنّ رغيف الخبز وحده كان سيشبعنا أيضاً. فرفض الشيخ أن يأكل من الدبس وأكل من أطراف الخبز التي لم يمسّها الدبس وترك الباقي لزميله.

 مضت الأيام حتى انقضت على هذه الحادثة ثلاثون سنة, وعاد زميل الشيخ الأنصاري من إيران إلى النجف الأشرف, وكان الشيخ الأنصاري يومذاك مرجعاً كبيراً, وعندما التقى الزميل بالشيخ الأنصاري وهو يهم بالخروج من حرم أمير المؤمنين سلّم عليه وخاطبه بلهجة الصديق القديم: ما ضرّ لو استمرّت رفقتنا؟ كيف بلغت أنت هذا المقام السامي في حين إني لم أبلغ شيئاً؟

فالتفت إليه الشيخ الأنصاري وأجابه بلهجة الصديق القديم والممازح: ربما لأني تخلّيت عن ذلك الدبس ولم تستطع أنت التخلّي عنه.

هذا هو الورع, وهذا هو معنى اجتناب الشبهات والاحتياط في الدين, البعض يظن بأن الورع قد يفوت عليه مصالحه, فيخسره مالاً, او يفوت عليه ربحاً من سفقة أو ما شاكل.. وهذا غير صحيح,  فإنه ما ترك عبد شيئاً لله واحتياطاً في دين الله إلا عوضه الله خيراً منه في دنياه وآخرته.

فعن النبي(ص): إنك لن تدع شيئاً اتقاء لله عز وجل إلا أعطاك الله خيراً منه.

وعنه(ص): إنك لن تدع شيئاً إلا أبدلك الله خيراً منه.

وعنه(ص): اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.
والملاحظ أن النبي(ص) لم يقل أفضل الأعمال الصلاة والدعاء وقراءة القرآن والمستحبات والنوافل, وهي مما يتنافس عليها المؤمنون في شهر رمضان, بل قال: افضل الأعمال الورع عن محارم الله , وهذا يوحي بأن ما ينبغي التنافس عليه بين المؤمنين في شهر رمضان ليس العبادات والمستحبات فقط بل اجتناب الحرام, وترك الشبهات, والاحتياط في الدين, والإلتزام والتقيد بالأحكام الشرعية, ومراعاة الحلال والحرام, والخوف من الله وغضبه وسخطه, يجب أن يكون التنافس فيمن يكون أكثر من الآخر في هذا الشهر ورعاً واجتناباً للمحرمات, ومن أكثر من الآخر تركاً للشبهات, واحتياطاً في الدين, ومن يكون أكثر من الآخر تقيداً والتزاماً ومراعاةَ لأحكام الله , هذا هو ما ينبغي ان يكون مجالاً للتنافس بين المؤمنين في شهر رمضان, إضافة الى التنافس في العبادات والطاعات والأعمال الصالحات..

وقد أكدت الأحاديث أن الصيام الحقيقي لا يتحقق بالامساك عن الطعام والشراب فقط, وإنما يتحقق بالورع عن المحرمات واجتناب المعاصي والذنوب, بأن يمتنع الانسان, بالاضافة الى امتناعه عن الطعام والشراب, عن الغيبة, والنميمة, والكذب, وسماع الحرام, والنظر الحرام, وايذاء الاخرين, وكل الأعمال المحرمة التي توجب غضب الله وسخطه .

فعن النبي(ص) أنه قال: إن الصيام ليس من الأكل والشرب فقط، إنما الصيام من اللغو والرّفث، فإن سابّك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم.

إذا حاول أحد أن يسبك أو يستفزك أو يثير أعصابك وغضبك وانفعالاتك فلا تستفز واضبط إنفعالاتك وقل له: إني صائم.

وعن الإمام الصادق(ع) في وصية له قال: واعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله عزّ وجل، والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم.

وعن السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله(ع): ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يَصُن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه.

والورع ينبغي أن يكون منهجاً في الحياة، وقد أراد النبي(ص) وأئمتنا(ع) أن يكون الورع جزءاً من شخصيتنا, وجزءاً من سلوكنا أمام الله وبين الناس.

فعن الإمام الصادق(ع):ليس منّا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه.

 

 وعن النبي(ص): من لم  يكن له ورعٌ يرده عن معصية الله تعالى إذا خلا بها، لم يعبأ الله بسائر عمله، فذلك مخافة الله في السرّ والعلانية.

هذا النوع من الورع نحن بحاجة اليه لمواجهة الشهوات والإغراءات والطغوط والتحديات.

هذا النوع من الورع بحاجة إليه لمواجهة كل الإرتكابات و الجرائم والمجازر والقتل الذي يحصل في المنطقة.

 الورع عن سفك الدماء, والورع عن القتل والتدمير الجاري في المنطقة من اليمن إلى سوريا الى فلسطين.

العملية البطولية التي حصلت في تل أبيب قبل يومين ضد الصهاينة كشفت عن أن الشعب الفلسطيني لا يزال حاضراً بقوة في مواجهة الإحتلال, وأن الأجيال لن تتخلّى عن القضية ولا عن حقها في أرضها و في مقاومة الإحتلال..

هذه العملية تأتي للرد على الإرهاب الإسرائيلي المتمادي بحق الشعب الفلسطيني وعلى الإنتهاكات الصهيونية للمسجد الأقصى.

وعلى العالم الإسلامي أن يبادر إلى إتخاذ موقف جامع ضد الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين, وضد الإرهاب التكفيري في المنطقة الذي بات يتمدد في العالم ويهدد الجميع حتى داعميه و مموّليه ومن كان سبباً في وحوده.

الإرهاب الذي تمارسه كل من إسرائيل في فلسطين والتكفيريين في المنطقة والسعودية في اليمن وسوريا, أساسه ومصدره واحد, هو الولايات المتحدة الأميركية, فهي الراعي الأساسي لهذا الإرهاب بكلّ أشكاله وفصائله وأدواته، وهي مصدر كل الازمات والمشاكل في المنطقة وفي العالم، هي مصدر الأزمة في العراق و سوريا, وهي أساس المشكلة في فلسطين حيث زرعت هذا الكيان ودعمته, وهي التي تغطي العدوان البربري الوحشي الذي تقوم به السعودية على الشعب اليمني، وهي التي مارست ضغوطاً قبل أيام إلى جانب التحالف السعودي على الأمم المتحدة وعلى أمينها العام لحذف إسم السعودية من اللائحة السوداء. مما كشف عن إنصياع كامل من الأمم المتحدة للإدارة الأميركية وللسعودية التي باتت تستخدم أموالها لشراء مواقف من هذا النوع.

 هذا الإنصياع غير المبرر يذكّرنا بما كانت تمليه أمريكا وإسرائيل على الأمم المتحدة خصوصاً إذا كان الموضوع يدين إسرائيل وإعتداءاتها.

وهذا كلّه يكشف ويؤكد أنّ الأمم المتحدة لا مصداقية لها وهي ليست حيادية خصوصاً عندما يتعلق الموضوع بإسرائيل والسعودية.

أما موضوع إنصياع المصارف بما فيها المصرف المركزي للقانون الاميريكي بفرض عقوبات مالية على حزب الله وإقفال حسابات بنكية لمؤيدي المقاومة فهو عمل مشبوه يضر بلبنان و سيادته, ولن ينال من المقاومة ومؤسساتها, ولن ينفع المحرضين.

                                                              والحمد لله رب العالمين