الإمام الحسن (ع) قمة الحلم والتسامح

أهل البيت (ع) كلهم يتصفون بالحلم، لكن الإمام الحسن (ع) برزت في شخصيته وفي حياته هذه الصفة بشكل واضح, لأنه عاش في ظروف كان يواجه فيها استفزازات كثيرة ودعايات وإشاعات كاذبة ومغرضة من قبل معاوية وأعوانه, الذين كانوا يريدون تشويه سمعة الإمام الحسن (ع) وعزله عن قواعده الشعبية.

 

الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 20-11-2015: الحل السياسي للأزمة السورية بات حاجة لخصوم النظام أكثر مما هو حاجة لحلفائه.

خلاصة الخطبة

أكد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن مسار التسوية السياسية في المنطقة قد بدأ، بالرغم من وجود عقبات ومطبات وعوائق كثيرة. معتبراً: أن وضع الأزمة السورية على سكة الحل بات حاجة وضرورة لكل الأطراف، وأنه حاجة لخصوم النظام أكثر مما هو حاجة لحلفائه, وأنه أصبح أكثر إلحاحاً بسبب التهديدات المستجدة خصوصاً بعد اعتداءات باريس،

ورأى: أن ذلك ينبغي أن يدفع حلفاء النظام للصمود أكثر في المفاوضات وفي ميادين المواجهة من أجل تحقيق المزيد من المكاسب..

نص الخطبة

في السابع من شهر صفر من سنة 50 هجرية كانت شهادة الإمام الحسن المجتبى (ع)، حيث استشهد بالسم على يد زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس وبتوجيه من معاوية بن أبي سفيان بعد أن وعدها بمبلغ من المال ووعدها أن يزوجها بإبنه يزيد لعنه الله، فلما قتلت الإمام الحسن (ع) نكث بوعده كعادته فلم يعطها مالاً ولا زوجها بيزيد, فخسرت الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.

من أبرز صفات الإمام الحسن (ع) التي عرف بها صفة الحلم، حيث اشتهر عنه أنه حليم أهل البيت (ع).

وروى المدائني عن جويرية بن أسماء قال: لما مات الحسن أخرجوا جنازته فحمل مروان بن الحكم سريره فقال له الحسين: تحمل اليوم جنازته وكنت بالأمس تجرعه الغيظ؟ قال مروان: نعم كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.

وأهل البيت (ع) كلهم يتصفون بالحلم، لكن الإمام الحسن (ع) برزت في شخصيته وفي حياته هذه الصفة بشكل واضح, لأنه عاش في ظروف كان يواجه فيها استفزازات كثيرة ودعايات وإشاعات كاذبة ومغرضة من قبل معاوية وأعوانه, الذين كانوا يريدون تشويه سمعة الإمام الحسن (ع) وعزله عن قواعده الشعبية.

كما أن الإمام (ع) بعد توقيع الصلح مع معاوية, الصلح الذي فرضته مصلحة الإسلام والمسلمين آنذاك، واجه العديد من الاستفزازات والكلمات والمواقف المسيئة وغير اللائقة.

 فقد كان يخاطبه البعض ويقول: السلام عليك يا مذل المؤمنين. وبعض أصحابه كان يقول له: يا عار أمير المؤمنين.

ومثل هذه الكلمات والمواقف وغيرها لا شك أنها تثير غضب الإنسان وانفعالاته وتستفز وتؤجج غيظ الإنسان ومشاعره.. لكن الإمام الحسن (ع) كان يواجهها بحلم وصبر وحكمة وهدوء وسعة صدر, واستطاع امتصاص الآثار السلبية التي يمكن أن تنتج عنها.

يجب أن نتعلم من الإمام الحسن (ع) هذه الصفة التي عمل الإمام (ع) على إرسائها في حياته كمنهج للتعامل الاجتماعي وللتسامح الاجتماعي.

المجتمع يجب أن يأخذ بهذه الصفة عندما يتعامل أفراده مع بعضهم البعض, وأن يتأسى ويقتدي بالإمام الحسن(ع) في حلمه وتسامحه .

 المؤمنون عادة يحيون ذكرى أهل البيت (ع) بالمجالس وإظهار الحزن والبكاء على مصابهم وهذا أمر مطلوب.. ولكن من أهم صور إحياء أمرهم التأسي بهم، والاقتداء بسلوكهم وأخلاقهم, ففي مناسبة أي معصوم ينبغي أن ينظر الإنسان إلى الصفة التي يشتهر بها ذاك الإمام ويحاول أن يتصف بها.

فاذا كان الإمام الحسن(ع) يتميز بحلمه وسعه صدره وهدوئه عند الغضب فينبغي أن نتصف بهذه الصفة وهذا هو التولي الحقيقي لأئمة أهل البيت(ع), لان الولاية ليست      إنشاد الشعر والبكاء وإظهار الحزن فقط, الأمر الأهم هو أن يتصف الإنسان بصفاتهم وأن يتحلى بأخلاقهم ويقتدي بسلوكهم.

والحلم: هو أن يضبط الإنسان نفسه وأعصابه وانفعالاته عندما تثور قوة الغضب في داخله.

فقد قيل للإمام الحسن (ع): ما الحلم؟ قال: كظم الغيظ وملك النفس.

 وملك النفس يعني: أن يسيطر الإنسان على نفسه حينما يواجهه الآخر بتصرف مستفز أو بكلمة مستفزة أو بموقف كذلك.

والإنسان الحليم هو الذي يتحكم بغريزة الغضب وقوة الغضب التي عنده فلا يستخدمها إلا في الظرف المناسب، لأن ترك المجال لهذه الغريزة أن تنطلق وتنفجر عند كل استفزاز على شكل تصرف غاضب أو كلام غاضب أو موقف غاضب قد يضر بالإنسان بدلاً من أن يفيده.

ولذلك نجد في بعض الأحيان أن الإنسان يكون مظلوماً ومعتدىً عليه وله حق معين ولكنه يتصرف تصرفاً طائشاً نتيجة غضبه وانفعالاته فيتحول بسبب ذلك من مظلوم إلى ظالم ومن معتدىً عليه الى معتدٍ ويصبح مداناً ويعطي الفرصة لخصمه لينال منه.

يقول علي (ع): الغضب شر إن أطلقته دمر.

بل أكثر من ذلك الإنسان الحليم هو الذي يتحكم بقوة الغضب لديه في داخله وباطنه بحيث عندما يواجه ما يغضبه وما يستفزه لا يغلي من الداخلي ولا يثور باطنياً، فإن كان يغلي في باطنه ولكنه يسكت حياءً وخوفاً من السقوط في أعين الناس، لأنه إذا غضب قد يتكلم بكلام غير مناسب فيسقط من أعين الناس، وإذا كان تاجراً يقاطع وإذا كان عالماً لا يُصلى خلفه مثلاً.. هذا ليس بحليم, لأنه وإن كان حليماً في الظاهر, وضبط أعصابه في الظاهر, إلا أنه لم يتحقق الحلم الباطني عنده.. كان يغلي من الداخلي ولكنه لم يستطع أن يثور أمام الناس حتى لا يسقط في أعينهم، هذا ليس بحليم.. لأنه هناك فرق بين إنسان يسكت على مضض لكنه يغلي من الداخل، وبين إنسان باطنه هادئ لا يغلي, إنسان إذا خاطبه الجاهل قال سلاما..

الحليم هو الذي يتعالى عن صغائر الأمور والأمور التافهة..

الإمام الحسن (ع) بهذا المعنى كان حليماً واسع الصدر يترفع عن استفزازات الآخرين وجهلهم وشتائمهم وكلماتهم المؤذية.

المؤمن لا يمكن أن يستدرج إلى حالات الغضب والانفعال والنزول إلى مستوى الجاهلين واستفزازاتهم.. لأن المؤمن:

أولاً: مشغول عن هؤلاء بما هو أهم وأعظم، المؤمن يحمل همّ نفسه وهم آخرته وهمّ أمته وليس لديه وقت للنزول إلى مستوى الجاهلين.

وثانياً: المؤمنون عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم, فالإنسان إذا عظم الخالق في نفسه صغر ما دونه في عينه فلا يرى وزناً لمن تكلم عنه ولا وزناً لكلامه.

أحد العلماء المراجع قيل له: إن الناس يتكلمون عليك فقال: كلام هؤلاء هواء، والهواء لا يؤذيني.

الذي يقود الناس ويتصدى للشأن العام يتعرض لابتلاءات كثيرة لكنه يتجاوزها, لأنه عظم الخالق في نفسه فصغر ما دونه في عينه.

روى أن عبد الله بن مسعود جاء إلى النبي (ص) وقال له: يا رسول الله فلان يسبك! فقال (ص): رحم الله موسى ابتلي بأكثر من هذا فصبر.

 موسى(ع) كلم الله فقال: يا رب أسألك أن تكف ألسنة الناس عني! قال: يا موسى ما اتخذت ذلك لنفسي، إني خلقتهم ورزقتهم ويسبونني ويشتمونني.

فرب العالمين لم يسلم من كلام الناس فكيف يمنع الكلام عن الانبياء (ص).

ولكي يتحكم الإنسان بقوة الغضب لديه ويكون حليماً عليه أن يذكر الله سبحانه ويفكر بقدرته وجبروته, وان الله سبحانه مع عظيم قدرته وقوته وبطشه يعفو عن عباده وحليم بعباده يرحمهم ويرأف بهم.

ففي وصية النبي (ص) لعلي (ع): يا علي لا تغضب, فإذا غضبت فاقعد وتفكر في قدرة الرب على العباد وحلمه عنهم, وإذا قيل لك اتق الله فانبذ غضبك وراجع حلمك.

كما تنصح بعض الروايات لمعالجة الغضب الانتقال من حالة إلى حالة أخرى عند الغضب,فاذا كان الغضب في غرفة مثلاً فليخرج منها الى غرفة اخرى واذا كان واقفاً فليجلس وهكذا..

فعن ابي ذر أن رسول الله (ص) قال: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع.

والمقصود هو التنفيس عن الغضب بحركة لا ضرر فيها.

 وإذا استطاع الإنسان أن يضبط انفعالاته وغضبه فإنه يحصل على خير الدنيا والآخرة.

فالحلم يكسب المحبة في قلوب الناس والتأثير في الآخرين (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك).

الإنسان يكسب الآخرين بأخلاقه وأسلوب تعامله معهم, بعض الأزواج يحاول أن يكسب عائلته وزوجته بماله, فيصرف المال عليهم من أجل أن يكسب قلب زوجته او محبة اولاده.. ولكنه لا يستطيع التأثير بسبب سوء أخلاقه .

البعض يتوهم أنه يستطيع أن يشتري محبة الناس وقلوب الناس بأمواله, يستطيع أن يستقطب الناس اليه أو الى خطه بالمال, وهذا غير صحيح, محبة الناس يكتسبها الإنسان بأخلاقه وحسن تعامله مع الناس.

رسول الله (ص) يقول: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن سعوهم بأخلاقكم.

في نص آخر: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن القوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر.

الحلم أيضاً ساتر للعيوب.. فالإنسان في داخله وباطنه بذاءة فإذا غضب وانساق مع غضبه ظهرت منه تلك البذاءة فيتكلم بكلام فاحش بذيء, ولكن إذا لم يغضب هذه البذاءة الباطنية لا تظهر فيبقى عيباً مستوراً.

لذلك كله الحلم يجب أن يكون هو السلوك والمنهج المتبع في مواجهة كل الإستفزازات التي يتعرض لها الإنسان سواء عل المستوى الشخصي او الإجتماعي او السياسي او غير ذلك.

ومن هذا الجو ندخل الى الواقع السياسي لنقول: إن مسار التسوية السياسية في المنطقة قد بدأ، بالرغم من وجود عقبات ومطبات وعوائق كثيرة، وهو مسار قد يتجاوز المهل الزمنية المحددة، لكنه محكوم بإرادة جادة بالاستمرار، لأن وضع الأزمة السورية على سكة الحل بات حاجة وضرورة لكل الأطراف، وهو حاجة لخصوم النظام أكثر مما هو حاجة لحلفائه والحل السياسي للأزمة اصبح أكثر إلحاحاً بسبب التهديدات المستجدة خصوصاً بعد اعتداءات باريس، وبناءً عليه فإن ذلك ينبغي أن يدفع حلفاء النظام للصمود أكثر في المفاوضات وفي ميادين المواجهة من أجل تحقيق المزيد من المكاسب..

 

والحمد لله رب العالمين