الإمام الكاظم(ع) نموذج الحلم والتسامح

كان الإمام الكاظم (ع) يخفي كل آلامه ويكظم غيظه وغضبه في تعامله مع أولئك المسيئين والظالمين.. وهذه هي طريقة تعامل أهل البيت (ع) مع المسيئين وفي مواجهة الخصوم، كانوا يتعاملون بالحلم العفو التسامح, في الوقت الذي أباح لهم الشرع أن يتعاملوا بالشدة والقوة والانتقام

رأى سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن المقاومة لن تسكت عن تواجد التكفيريين الإرهابيين في السلسلة الشرقية, أو أن تتعاطى مع هؤلاء الذين باتوا يهددون كل لبنان والشعب اللبناني باستخفاف وبعدم مسؤولية..

وقال: البعض الذي يتحدث عن مخاوف وتداعيات لمعركة القلمون ماذا فعل لحماية لبنان من هذه الجماعات الإرهابية؟ وماذا فعل لعرسال ولغيرها من البلدات والقرى الحدودية التي استُبيحت جرودها من هذه الجماعات؟ وما هي خطته لمنع تمدد هؤلاء إلى المناطق اللبنانية؟ وما هو بديله عن المواجهة؟

 وتساءل : لماذا يحق لأمريكا والغرب أن يأتي من وراء البحار لمواجهة الإرهاب في العراق وسوريا وهو لا يشكل خطراً مباشراً عليهم ولا يجوز لنا نحن الذين في دائرة الخطر المباشر ذلك؟ فالإرهاب في لبنان والعراق وسوريا واحد, ولبنان مستهدف من قبل الإرهاب التكفيري الذي احتل جزءاً من أرضه في جرود عرسال, وقتل ابناء الجيش اللبناني, وهو يعرض أهلنا في المناطق اللبنانية للكثير من المخاطر .. وليس هناك من بديل سوى مواجهة هؤلاء ووضع حد لخطرهم وتهديداتهم وإرهابهم.

وأكد: أن المقاومة ومن موقع المسؤولية الوطنية والحرص على الأمن والاستقرار في لبنان واجهت الإرهاب التكفيري ولا زالت وستواجه الإرهاب التكفيري في القلمون قَبِلَ من قبِل ورفضَ من رفض.. لأننا نريد أن نحمي وطننا وأهلنا، وسنكمل انتصارات المقاومة ضد التكفيريين الإرهابيين, ولن تكون نتيجة المعركة القادمة في القلمون إلا الانتصار للبنان.

نص الخطبة

[وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين]

في الخامس والعشرين من شهر رجب نلتقي بذكرى شهادة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) التي كانت في سنة 183هـ وهو في الخامسة والخمسين من عمره الشريف. والإمام الكاظم (ع) هو الإمام السابع من أئمة أهل البيت (ع) ولد سنة 128 هـ ونشأ وتربى في ظل أبيه الإمام الصادق (ع) وعاش معه عشرين سنة, حيث كانت وفاة الإمام الصادق (ع) سنة 148هـ، فانتقلت الإمامة والولاية والقيادة إلى الإمام الكاظم (ع) وتحمل مسؤولياتها وأعباءها مدة خمسة وثلاثين سنة.

لقد تحلى الإمام الكاظم (ع) كآبائه(ع) بأخلاق رسالية عالية, وبصفات تكشف عن فضله وكماله وعلو مقامه، كالحلم, والعفو, والتسامح, والكرم, وكظم الغيظ.

ومن أشهر ألقابه التي يُعرف بها هي هذه الصفة: الكاظم، وإنما سُمي بها لكثرة تجاوزه وحلمه وتسامحه وعفوه عمن كان يسيء إليه.

يقول ابن حجر عن الإمام الكاظم (ع) وارث الإمام الصادق (ع): هو وارثه (يعني للإمام الصادق "ع") علماً ومعرفة وكمالاً وفضلاً، سُمي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان أعبد أهل زمانه، أعلمهم وأسخاهم.

ويقول ابن الأثير: إنه عُرف بهذا اللقب لصبره، ودماثة خلقه، ومقابلته الشر بالإحسان.

وكظم الغيظ هي صفة أخلاقية هامة تحدث عنها القرآن وجعلها من جملة صفات المتقين

[وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين]

 

والكظم هو بمعنى: اجتراع الغيظ , يقال: تجرع الغيظ , إذا أمسك عن إبدائه وإظهاره، وكأنه يجمعه في نفسه فلا يُخرجه ولا يُظهره..

والغيظ هو: الغضب والسخط والانفعال.

فعندما يواجه الإنسان إساءة تزعجه، أو تصرفاً يؤذيه ويستفزه, سواء في بيته من زوجته أو من أولاده أو الزوجة من زوجها، أو من جيرانه, أو في عمله من زبائنه أو زملائه في العمل.. فإنه ينفعل نفسياً, ويمتلأ قلبه غضباً وغيظاً، ولكن بدل أن يستجيب لانفعالاته وغضبه يسيطر عليهما ويضغط على مشاعره وأحاسيسه، فلا يصدر منه أي رد فعل انتقامي، ولا يُظهر غضبه وغيظه، ولا ينعكس غضبه على تصرفاته ولسانه وألفاظه، فإن هذا المستوى من الإرادة والتحكم وضبط الأعصاب والانفعالات, نسميه كظم الغيظ.. فكظم الغيظ هو أن تتحكم بانفعالاتك وتضبط أعصابك ولا تبدي ما في داخل نفسك من غضب عندما تواجه الإساءة, وهذا قمة الأخلاق.

ولا يمكن أن يصل الإنسان إلى هذه القمة الأخلاقية إلا بالوعي والنضج وتهذيب النفس وتدريب النفس على الترفع عن الإساءات التي يواجهها من الجاهلين والحاقدين والخصوم, لأن طبيعة الإنسان عندما يتعرض له أحد بإساءة, أو يثيره بتصرف, أو يستفزه بكلمة أو بتصريح أو بموقف.. طبيعة الإنسان الأولية أنها تستجيب وتتفاعل مع الاستفزازات التي تحصل، فيندفع الإنسان تلقائياً للانتقام ولرد فعل، ويقع بسرعة تحت تأثير غضبه وانفعاله..

لكن إذا كان الإنسان قد ربى نفسه على الإيمان والتقوى, وكان يملك الوعي, فإنه يتحكم بأعصابه ويملك إرادته ولا ينساق مع غضبه وانفعالاته.

ولذلك فقد جعل الله كظم الغيظ من علامات وصفات المتقين, واستحق الكاظم لغيظه من الله سبحانه وتعالى عظيم الثواب والأجر, لأنه تصرف على خلاف ما تمليه عليه طبيعته وغريزته وانفعالاته.

ففي الحديث عن رسول الله (ص): من كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاءاً يوم القيامة. يعني يُقبل على الله يوم القيامة وهو يرجو مغفرته ورحمته.

وعنه (ص) في حديث آخر: ما من جرعة أعظم أجراً عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله.

وكظم الغيظ يدل على قوة الإرادة، والقدرة على السيطرة والتحكم بالمشاعر والانفعالات والأعصاب، وهذه القدرة هي أهم من قوة العضلات وقوة الجسد.

البعض يعتقد بأن القوة هي أن يملك الانسان بنية جسدية قوية, أو عضلات مفتولة يستطيع من خلالها مواجهة الآخرين والتغلب عليهم, لكن رسول الله(ص) يعتبر القوة في شيء آخر, يعتبرها في قوة الإرادة’ والقدرة على السيطرة على الغضب, والتحكم بالانفعالات النفسية.

وهذا ما يؤكده الحديث الوارد عن أنس بن مالك: قال: إن النبي (ص) مرَّ بقوم يصطرعون، فقال: ما هذا؟ قالوا: فلان ما صارع أحداً إلا صرعه، فقال (ص): ألا أدلكم على من هو أشد منه ؟ رجل كلمه رجل فكظم غيظه، فغلبه وغلب شيطانه, وغلب شيطان صاحبه.

وكظم الغيظ الذي يستحق الإنسان عليه كل هذا الثواب والتقدير هو الذي يصدر من الإنسان القوي القادر على القيام بالرد والذي يملك شجاعة المواجهة، لا الذي يصدر من الإنسان الضعيف أو الجبان, فمن يُساء إليه ويعتدى عليه وعلى كرامته، أو يسلب شيء من حقوقه فينزعج ويغضب ويستفز وهو يملك القدرة على الرد والمواجهة, ولكنه لا يفعل ويقرر لجم غيظه لهدف أسمى ومصلحة أكبر وأهم, فهو الذي يتصف بصفة كظم الغيظ, وهوا لذي يستحق ذلك الثواب العظيم من الله, وهو الجدير بالاحترام والتقدير والإكبار.

لقد جسد الإمام الكاظم (ع) هذا الخلق الرفيع في سيرته وحياته حتى أصبحت هذه الصفة لقباً ملازماً لإسمه, فقلما يقال للإمام (ع): موسى بن جعفر, بل يطلق عليه غالباً لقب: الإمام الكاظم,لأن صفة كظم الغيظ كأنها أصبحت جزءاً من شخصيته.

ويذكر المؤرخون العديد من الشواهد والمواقف التي ضرب الإمام (ع) فيها أروع الأمثلة على كظم الغيظ في تعامله الشخصي مع الآخرين، وكانت نتيجة هذا التعامل وهذه الأخلاق التأثير في أولئك المسيئين والمبغضين وتحويلهم إلى أشخاص محبين ومتعاطفي ومؤيدين.

فقد روي أن شخصاً كان يسيء للإمام ويسبه ويشتمه ويشتم جده أمير المؤمنين(ع) فأراد اتباع الإمام (ع)  الإنتقام من ذلك الرجل، فنهاهم الإمام عن ذلك, وكان يتحمل الإساءات المتكررة من ذلك الرجل، وذات يوم سأل الإمام (ع) عن مكان إقامته، فقيل: إنه يزرع في بعض نواحي المدينة، فركب الإمام (ع) بغلته وذهب إليه، فوجده في مزرعته فأقبل نحوه فصاح الرجل: لا تطأ زرعنا, فتقدم الإمام إليه وجلس إلى جانبه وأخذ يلاطفه ويحدثه ثم قال له: كم غرمت في زرعك هذا؟

قال الرجل مئة دينار، فسأله الإمام: كم ترجو أن تصيب منه، قال الرجل: أنا لا أعلم الغيب، فقال الإمام: إنما قلت لك كم ترجو أن يجيئك منه؟ قال الرجل: أرجو أن يجئني منه مائتا دينار.

فأعطاه الإمام ثلاثمائة دينار وقال: هذه لك وزرعك على حاله.

وبعد هذه الحادثة تغير موقف الرجل من الإمام وزال حقده وصار يبدي الاحترام والتقدير له ولأهل البيت (ع).

ومن المعلوم أيضاً أن الإمام سجن لسنوات طويلة في سجون هارون الرشيد، ولم يمكث في سجن واحد, وإنما كان يتم نقله بين سجون عديدة في البصرة وبغداد, والسبب في ذلك أنهم كانوا كلما وضعوه في سجن يصبح آمر السجن بعد فترة متعاطفاً مع الإمام(ع) ومحباً له، لأنه كان يرى من الإمام ما لا يراه من غيره من التقوى والعبادة والأخلاق الرفيعة والحلم والتسامح وكظم الغيظ والعفو عن المسيئين.

كانوا يرون كيف يتحمل إساءاتهم وإيذائهم وتنكليهم به دون أن يقابلهم بلفظة نابية أو بطريقة قاسية, لأنه كان يعلم بأنهم مأمورون بالتعامل معه بذلك الإسلوب المسيء.

كان الإمام (ع) يخفي كل آلامه ويكظم غيظه وغضبه في تعامله مع أولئك المسيئين والظالمين.. وهذه هي طريقة تعامل أهل البيت (ع) مع المسيئين وفي مواجهة الخصوم، كانوا يتعاملون بالحلم العفو التسامح, في الوقت الذي أباح لهم الشرع أن يتعاملوا بالشدة والقوة والانتقام,  وكانوا يمتلكون القدرة على أن يتعاملوا مع المسيئين بذلك الأسلوب, لكنهم فضلوا التعامل بالتسامح كمنهج , وهذا المنهج هو منهج رسالي وقرآني..

طبعاً هذا لا يعني أن أئمتنا (ع) لم يغضبوا أمام حالات الانحراف ولم ينتقموا من أعداء الدين والأمة.. بل كانوا أشداء في مواجهة الضالين، والمعتدين, والظالمين, والطغاة, والمستكبرين الذين كانوا يهددون مصالح الأمة والدين.. أميرالمؤمنين (ع) واجههم في أكثر من موقع, وكذلك فعل الإمام الحسن(ع) والإمام الحسين (ع) في كربلاء.

ونحن اليوم لن نسكت عن تواجد التكفيريين الإرهابيين في السلسلة الشرقية الذين يهددون لبنان كل لبنان ويهددون الشعب اللبناني, ولن نتعاطى مع هذا الموضوع باستخفاف وبعدم مسؤولية..

البعض الذي يتحدث عن مخاوف وتداعيات لمعركة القلمون ماذا فعل لحماية لبنان من هذه الجماعات الإرهابية؟ وماذا فعل لعرسال ولغيرها من البلدات والقرى الحدودية التي استُبيحت جرودها من هذه الجماعات؟ وما هي خطته لمنع تمدد هؤلاء إلى المناطق اللبنانية؟ وما هو بديله عن المواجهة؟

لماذا يحق لأمريكا والغرب أن يأتيا من وراء البحار لمواجهة الإرهاب في العراق وسوريا وهو لا يشكل خطراً مباشراً عليهم ولا يجوز لنا نحن الذين في دائرة الخطر المباشر ذلك؟ فالإرهاب في لبنان والعراق وسوريا واحد, ولبنان مستهدف من قبل الإرهاب التكفيري الذي احتل جزءاً من أرضه في جرود عرسال, وقتل ابناء الجيش اللبناني, وهو يعرض أهلنا في المناطق اللبنانية للكثير من المخاطر .. وليس هناك من بديل سوى مواجهة هؤلاء ووضع حد لخطرهم وتهديداتهم وإرهابهم.

 المقاومة ومن موقع المسؤولية الوطنية والحرص على الأمن والاستقرار في لبنان واجهت الإرهاب التكفيري ولا زالت وستواجه الإرهاب التكفيري في القلمون قَبِلَ من قبِل ورفضَ من رفض.. لأننا نريد أن نحمي وطننا وأهلنا، وسنكمل انتصارات المقاومة ضد التكفيريين الإرهابيين, ولن تكون نتيجة المعركة القادمة في القلمون إلا الانتصار للبنان.

والحمد لله رب العالمين