سوء الظن وأثره في إفساد العلاقات الاجتماعية

 إن سيء الظن يرصد كل حركة وكل همسة وكل نظرة وكل عمل وكل قول يصدر من الآخرين ويحسبه عليه ويحمله على الوجه السيء ويفسره تفسيراً سلبياً, بينما الانسان الذي يحسن الظن بالآخرين يُغلِّب الجانب الايجابي والحسن ويفسر به, ويحمل ما يصدر من الآخرين عليه.

خلاصة الخطبة

رأى سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن الحوار والتفاهم والتعاون بين القوى السياسية في لبنان وكذلك بين الدول الإقليمية, لا سيما بين لبنان وسوريا, هو الأساس لمواجهة التحديات والأخطار التي يفرضها الإرهاب, وهو أمر ضروري ولازم ولمصلحة الجميع في هذه المرحلة.

وقال: نحن ننظر بتفاؤل إلى الحوار الجاري بين حزب الله وتيار المستقبل, وبعيداً عن كل المواقف التي صوبت على الحوار من قبل بعض المتضررين, فإن هذا الحوار مستمر وجدي, وقد ترك انعكاسات إيجابية حتى الآن في البلد, وهو لا شك يكتسب أهمية خاصة لا سيما في هذه الظروف التي يواجه فيها لبنان والمنطقة خطر التيارات التكفيرية التي تحاول استباحة بلدان المنطقة واستباحة لبنان.

 

واعتبر: أن الحوار يخدم الاستقرار الداخلي ويخفف من حدة الانقسامات الموجودة في البلد, ومن حالة الاحتقان والتحريض المذهبي، والأهم أنه يساهم في تحصين لبنان من الإرهاب الذي يضرب المنطقة, لأنه يدفع اللبنانيين إلى التعاون فيما بينهم لمواجهة الخطر التي تشكله داعش وجبهة النصرة على لبنان.

ولفت: الى انه لا فرق بين داعش والنصرة في الخطر والتهديد الذي يشكلانه على لبنان، والمستفيد الوحيد من وجود داعش والنصرة في المنطقة هي إسرائيل.. التي باتت تستخدم هؤلاء كما استخدمت جيش لحد في السابق لتحقيق أهدافها ومصالحها.

نص الخطبة:

[يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم].

الظن هو اعتقاد ضعيف غير جازم, بل هو احتمال نسبته تصل إلى حوالى سبعين بالمئة، ليس فيه يقين, ولا يستند إلى دليل قاطع وجازم.

والأغلب في الظن انه يخالف الواقع والحقيقة ولا يطابقها، فيكون غالباً مخطئاً وسراباً ووهماً.

والظن على نوعين: ظن السوء, وظن الخير,لأنه عندما يصدر من شخص قول أو فعل معين يحتمل وجهين, وجه سيء ووجه حسن, ونحمله على الوجه السيء أو نفسره بالتفسير السيء, فذلك هو سوء الظن او ظن السوء, بينما لو حملنا ذلك القول او الفعل على المحمل الحسن وفسرناه بالتفسير الحسن والخيّر, فهذا من حسن الظن أوالظن الحسن.

والآية تأمر بالاجتناب والابتعاد عن ظن السوء، لأن ظن الخير والظن الحسن أمر راجح ومطلوب، فمن أحسن الظن بأخيه المؤمن فلا بأس عليه وإن أخطأ في ظنه.

ولذلك يقول أمير المؤمنين (ع): ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً.

والمقصود بالاجتناب عن ظن السوء, يعني الاجتناب عن ترتيب الأثر عليه, كأن يظن المؤمن بأخيه سوءاً فيرميه به ثم يذكره لغيره ويشيعه بين الناس ويرتب عليه بقية نتائجه وآثاره كأن يقاطعه ولا يتعامل معه وهكذا..

هذا هو المنهي عنه والمحرم, لا أصل ظن السوء، لأن ظن السوء قد يكون في كثير من الأحيان خارج اختيار الإنسان، حيث لا حرية للإنسان في ظنونه وتصوراته وتخيلاته، فالظن بما هو نوع من الإدراك النفساني هو أمر يفاجئ النفس الانسانية ولا يكون باختيارها.. فلا يمكن أن يكون حراماً بحد ذاته، بل الحرام هو ترتيب الأثر عليه كما قلنا.

فلا ينبغي للإنسان عندما يسيء الظن بأخيه المؤمن أن يرتب أثراً على ذلك, فيذيع عنه السوء والعيب الذي ظنه, ويقاطعه لمجرد ذلك ولا يتعامل معه، بل عليه أن لا يعتني بظنه , وهذا هو معنى عدم ترتيب الأثر عليه، أي أن لا يعتني به عملياً، ولا يغير أسلوبه وتعامله وعلاقته مع أخيه المؤمن، بل تبقى علاقته به طبيعية ولا يعتني بسوء ظنه به.

والمقصود من [كثيراً من الظن] في الآية، الظنون السيئة التي تغلب على الظنون الحسنة بين الناس, فان الظنون التي تصدر من الناس غالباً هي ظنون سيئة لا حسنة.

والمقصود بكلمة [إن بعض الظن إثم] هي الظنون السيئة الخاطئة وغير المطابقة للواقع  فهي إثم وحرام, وهذا يعني أن على الانسان أن يجتنب كل الظنون السيئة سواء ما كان صحيحاً منها أو خاطئاً حتى لا يقع في الحرام والأثم.

والله سبحانه وتعالى من خلال تحريم سوء الظن بالآخرين, أرادنا أن نتوجه إلى حسن الظن بهم, بأن ننظر إلى الجانب الإيجابي والحسن بدل الجانب السلبي والسيء, فقد يبدو للإنسان شيء فيحمله على وجه سيء، ويكون الحق في الوجه الآخر، وهذا ينطبق على الأقوال والأفعال والمواقف والعلاقات وغير ذلك.

 إن سيء الظن يرصد كل حركة وكل همسة وكل نظرة وكل عمل وكل قول يصدر من الآخرين ويحسبه عليه ويحمله على الوجه السيء ويفسره تفسيراً سلبياً, بينما الانسان الذي يحسن الظن بالآخرين يُغلِّب الجانب الايجابي والحسن ويفسر به, ويحمل ما يصدر من الآخرين عليه.

لذلك يجب على الإنسان أن يقدم حسن الظن, ولا يقدم سوء الظن مهما بلغت به الشكوك، ولا ينبغي ان يحكم على شيء إلا إذا تأكد منه مئة بالمئة, أي يكون يقيناً تاماً.

فلو كان هناك احتمال واحد بالمائة مقابل تسعة وتسعين في المئة لا بد أن يتوقف المؤمن عن الحكم، لأنه قد يكون الحق في الواحد بالمائة، فهنا يقدم الاحتمال الضعيف 1% على الاحتمال القوي 99%.

والتسرع في الحكم سلباً على الإنسان بناءً على ظنون سيئة يؤدي إلى إفساد العلاقات والروابط الاجتماعية بين الناس, فكم من الزيجات والأُسر تفككت بسبب الظنون السيئة التي تصدر من الزوج تجاه زوجته أو من الزوجة تجاه زوجها؟! وكم من علاقات الصداقة أو العلاقات الاجتماعية بين الناس فسدت بسبب الظنون السيئة؟!

التسرع بالحكم على الآخرين نتيجة ظن السوء, يؤدي إلى خراب البيوت وتشويه السمعة والمس بالشرف والعرض ويفسد  الصداقات والعلاقات الاجتماعية وعلاقات العمل ..

فعن علي (ع): من غلب عليه سوء الظن لم يترك بينه وبين خليله صلحاً.

الإنسان إذا اتخذ إجراءاً سلبياً تجاه الآخر فقاطعه أو تكلم عليه وكان الآخر يستحق ذلك فذلك لا يؤسف عليه، لكن المشكلة إذا كان بريئاً, هنا تقع المصيبة لأنه ليس من السهل أن يتهم الإنسان بما ليس فيه.

يقول علي (ع) أيضاً: سوء الظن يفسد الأمور ويبعث على الشرور.

ولذلك لا بد من معالجة هذه الآفة الاجتماعية المتفشية بين الناس والتي تترك آثاراً سلبية على العلاقات والصداقات وفي المجتمعات ..

 وأول خطوة على طريق علاج هذه الآفة: تقديم حسن الظن على سوء الظن, بأن يُغلِّب الانسان الجانب الايجابي والوجه الحسن لما يصدر عن الآخرين, وإذا كان يبدو ويغلب الجانب السلبي والوجه السيء من أقوال أو أفعال أو سلوك أو تصرفات الآخرين, فإن على المؤمن في هذه الحالة التفتيش عن أعذار ومبررات تحفظ للآخرين كرامتهم وسمعتهم وحرمتهم, فقد يكون البعض مكرهاً على ما صدر منه ,أو قد تكون لديه ظروف وأوضاع خاصة دفعته لذلك القول او الفعل, فان الانسان لا يحيط بكل ظروف الآخرين وأوضاعهم, هناك أمور لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى, فلا بد للانسان عندما يصدر من أخيه المؤمن فعل او تصرف ويظهر عليه انه فعل سيء او قبيح ان يفتش له عن عذر, وإن لم يجد له عذراً, فإن عليه أن يلتمس ويطلب له عذراً .

 فعن رسول الله(ص): (أطلب لأخيك عذراً, فإن لم تجد له عذراً فالتمس له عذراً).

وثانياً: أن لا تحكم على الأشياء التي تبدو لك إلا بعد أن تتيقن تماماً.

فعن علي (ع):(من ساءت ظنونه اعتقد الخيانة بمن لا يخونه).

وثالثاً: الابتعاد عن الشبهات ومواضع التهمة، فصحيح أن من حق الإنسان على أخيه أن يحسن به الظن, لكن على الإنسان أن يبتعد عن مواضع الشبهة والتهمة، فإن من وضع نفسه في مواضع التهمة فلا يلومن من أساء به الظن.

وعلى الإنسان عندما يعرض نفسه للشبهة أن يبادر فوراً إلى التوضيح وبيان حقيقة الأمر كي يدافع عن نفسه وسمعته وكرامته.

ولا ينبغي للإنسان أن لا يبالي ويقول كما يقول بعض الناس: لا يهمني قول الناس! ولا أُبالي بما يتصوره الناس عني! أو بما يفكر به الناس! فإن من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله, ومن لا يراعي ولا يبالي بما يقوله الناس قد لا يراعي ولا يبالي بما أمر الله به.

فقد روي أنه جاءت صفية بنت حيي إلى رسول الله (ص) وهو معتكف في المسجد (وكان(ص) قد تزوج بها) , فقام إليها وأوصلها إلى بيتها، فمر بهما رجلان فأسرعا.. فقال (ص) لهما: على رسلكما، إنما هي صفية (أي زوجتي) فقالا: سبحان الله يا رسول الله! وكبر عليهما ذلك.

فقال النبي (ص): إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم, وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً.

فالنبي (ص) نفسه يبيّن كيف أن على المؤمن أن يدفع عن نفسه الشبهة والتهمة. فالابتعاد عن الشبهة يحقق فائدتين: سلامة الإنسان من الذم والتهمة، وعدم تحميل الناس مشقة التفتيش عن أعذار أو الوقوع في سوء الظن.

هذا هو السلوك الذي ربانا عليه الاسلام من أجل حفظ الكرامات والسمعة والعلاقات الاجتماعية.

وعلينا أن ننظر الى الأمور من حولنا بتفاؤل وحسن ظن حتى لا تفسد العلاقات بين الناس.

اليوم نحن ننظر بتفاؤل إلى الحوار الجاري بين حزب الله وتيار المستقبل, وبعيداً عن كل المواقف التي صوبت على الحوار من قبل بعض المتضررين, فإن هذا الحوار مستمر وجدي, وقد ترك انعكاسات إيجابية حتى الآن في البلد, وهو لا شك يكتسب أهمية خاصة لا سيما في هذه الظروف التي يواجه فيها لبنان والمنطقة خطر التيارات التكفيرية التي تحاول استباحة بلدان المنطقة واستباحة لبنان.

الحواراليوم يخدم الاستقرار الداخلي, ويخفف من حدة الانقسامات الموجودة في البلد, ومن حالة الاحتقان والتحريض المذهبي، والأهم أنه يساهم في تحصين لبنان من الإرهاب الذي يضرب المنطقة, لأنه يدفع اللبنانيين إلى التعاون فيما بينهم لمواجهة الخطر الذي تشكله داعش وجبهة النصرة على لبنان.

نحن لا نفرق بين داعش والنصرة في الخطر والتهديد الذي يشكلانه على لبنان، ونعتبر ان المستفيد الوحيد من وجود داعش والنصرة في المنطقة هي إسرائيل.. التي باتت تستخدم هؤلاء كما استخدمت جيش لحد في السابق لتحقيق أهدافها ومصالحها.

اليوم لغة الحوار والتفاهم والتعاون بين القوى السياسية في لبنان وكذلك بين الدول الإقليمية, لا سيما بين لبنان وسوريا, هي الأساس لمواجهة التحديات والأخطار التي يفرضها الإرهاب, وهي أمر ضروري ولازم ولمصلحة الجميع في هذه المرحلة.

والحمد لله رب العالمين