الإمام العسكري (ع) والألقاب الخالدة

تسلم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مهام الإمامة وهو في مطلع شبابه، وعاش محناً قاسية وظروفاً صعبة وتعرض للمضايقات والرقابة المشددة والحصار والسجن من قبل الحكام الظالمين حتى كانت شهادته مسموماً على يد الخليفة العباسي "المعتمد".اشتهر الإمام الحسن (عليه السلام) بلقب العسكري نسبةً إلى المحلة التي ولد وترعرع فيها في سامراء , حيث كانت تسمى "عسكر" ربما لأنها كانت مكاناً لتجمع عسكر السلطة.

خلاصة الخطبة

الشيخ دعموش في خطبة الجمعة: محور المقاومة يراكم نقاط القوة ويسير بخطى ثابتة نحو تحقيق المزيد من الإنجازات.

أجرى سماحة الشيخ علي دعموش خلال خطبة الجمعة: جردة حساب سياسية للعام الماضي, مستعرضاً بعض نتائج المواجهة القائمة بين المحور الأمريكي الاسرائيلي وبين محور المقاومة, حيث لفت الى أن هناك العديد من الإنجازات التي حصلت حتى الآن في كل من سوريا والعراق وإيران ولبنان وصولاً الى اليمن.

 وقال:في سوريا, لم يستطع الأمريكي ومعه كل حلفائه من إسقاط النظام بالرغم من كل أشكال الدعم الذي قُدم للمجموعات المسلحة , بل هناك تقدم لمصلحة النظام على المستويين الميداني والسياسي: ففي الميدان يحسم الجيش السوري في بعض المناطق ويستعيد نقاط أساسية , وفي السياسة هناك مؤشرات عديدة على تبدل المزاج تجاه سوريا، كما هناك مبادرات سياسية عديدة لحل الأزمة كمبادرة ديمستورا والمبادرة المصرية الإماراتية التي تتجاوز مسألة مصير الرئيس الأسد.

وأشار: الى أن بعض الغرب اليوم بات على قناعة بأن الرئيس بشار الأسد أفضل من البدائل المطروحة في سوريا, لكن هذا البعض قلق فقط لجهة أن الأسد كيف سيتصرف في حال بقاءه في السلطة.

واعتبر:أن إيران تجاوزت كل التهديدات العسكرية التي كانت تطلقها إسرائيل وأمريكا بحيث سقطت بشكل نهائي فكرة العدوان العسكري على إيران, وباتت هذه الفكرة ضرباً من الحماقة والجنون.

مشيراً: الى أن إيران تحولت على الصعيد السياسي إلى دولة إقليمية كبرى ونافذة في المنطقة باعتراف الولايات المتحدة الامريكية, ونفوذها بات يمتد من العراق حتى اليمن.

 وأكد الشيخ دعموش: على أن المقاومة في لبنان استطاعت خلال السنة الماضية في مواجهة العدو الإسرائيلي، من تثبيت معادلة الردع مع هذا العدو بشكل حاسم,خصوصاً بعد عملية مزارع شبعا الأخيرة , وفي مواجهة العدو التكفيري استطاعت أن تحمي لبنان من الجماعات التكفيرية, وأن توجه ضربة كبيرة لرؤوس إرهابية أساسية, وتمنع من استباحة لبنان من قبل هذه الجماعات.

وختم: بأن محور المقاومة في المنطقة يراكم نقاط القوة ويسير بخطى ثابتة نحو تحقيق المزيد من الإنجازات إلا أن الأمر يحتاج إلى المزيد من الصبر والثبات والصمود في كل ما يعني مفردات الصراع في هذه المنطقة.

 

نص الخطبة

قبل أيام مرت علينا ذكرى شهادة الامام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (ع) وهو الامام الحسن العسكري(ع) الذي ولد في الثامن من شهر ربيع الثاني سنة232هـ  واستشهد في الثامن من ربيع الثاني عام 260هـ ودفن إلى جانب أبيه الامام الهادي(ع) في سامراء, ومقامهما اليوم في سامراء شامخاً تهوي اليه القلوب ويقصده الزوار من كل حدب وصوب, بعدما كان تعرض قبل سنوات لتفجير آثم من قبل التكفيريين,وقد شاهدنا قبل أيام تدفق عشرات الآلاف من الزوار بمناسبة شهادة الامام العسكري(ع) الى هذا المقام الشريف بالرغم من الحصار والمخاطر والتهديد والوعيد الذي يطلقه التكفيريون الارهابيون ضد الزوار.

لقد تسلم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مهام الإمامة وهو في مطلع شبابه، وعاش محناً قاسية وظروفاً صعبة وتعرض للمضايقات والرقابة المشددة والحصار والسجن من قبل الحكام الظالمين حتى كانت شهادته مسموماً على يد الخليفة العباسي "المعتمد".

اشتهر الإمام الحسن (عليه السلام) بلقب العسكري نسبةً إلى المحلة التي ولد وترعرع فيها في سامراء , حيث كانت تسمى "عسكر" ربما لأنها كانت مكاناً لتجمع عسكر السلطة، لكن للإمام (عليه السلام) ألقاباً عديدة كان يعرف بها، منها:

الزكي: وقد لُقّّب به لما عرفه الناس من عبادته وتقواه وورعه وزهده, قال أحد المقربين منه: كان(ع) يجلس في المحراب ويسجد، فأنام وانتبه، ثم أنام، وهو ساجد, وقال عبيد الله بن خاقان (وزير الخليفة المعتمد) لإبنه حينما تعجب من تعظيم الأب للإمام: "لو زالت الخلافة من خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا (أي الإمام العسكري (ع) )؛ فإن هذا يستحقها لفضله، وعفافه، وهديه، وصيانة نفسه، وزهده، وعبادته، وجميل أخلاقه وصلاحه". وعن أخلاق الإمام العسكري (عليه السلام) يقول القطب الرازي: "كانت أخلاقه كأخلاق رسول الله (ص)".

إن كل هذه الصفات التي امتلكها الامام (ع) في شخصيته جعلته مؤهلاً لمنصب الإمامة ولائقاً وكفوءاً لمهام القيادة, ولذلك كان يعترف حتى أعدائه وخصومه بانه أحق بهذا المنصب من الآخرين.

ومن القابه أيضاً الهادي: فقد كان الإمام هادياً للناس منذ طفولته، وهذا ما تشير إليه قصة ذلك الرجل الذي مرّ بالإمام (عليه السلام) وهو طفل صغير يبكي بين أترابه، فقال الرجل له: أشتري لك ما تلعب به؟ فأجابه الإمام: ما للّعب خلقنا، فسأله الرجل: لماذا خلقنا؟ فأجابه (عليه السلام): للعلم والعبادة، فسأله الرجل متعجباً من أين لك هذا؟ فأجابه (عليه السلام): من قوله تعالى [أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً وانكم إلينا لا تُرجعون].

قال الرجل ما نزل بك وأنت صغير لا ذنب لك؟ فإذا بالإمام (عليه السلام) يجيبه: "إليك عني، إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا تتقد إلا بالصغار، وإني أخشى أن أكون من صغار حطب جهنم".

والامام (ع) باعتباره معصوماً من الذنوب لا يمكن أن يكون من حطب جهنم , ولكنه بهذه الكلمات يريدنا أن نتعلم وأن يتعلم الشباب كيف ينبغي لهم ان يتحملوا مسؤولياتهم ويقوموا بواجباتهم ويراعوا احكام الله والحلال والحرام , وأن عليهم ان يخافوا الله وجهنم, وان لا يضيعوا أوقاتهم وأعمارهم في اللهو واللعب , بل عليهم ان يستثمروا كل لحظة في حياتهم فيما ينفعهم وينفع مجتمعهم في الدنيا والآخرة.

ومن ألقابه(ع) ,الخاص: سمي به لما خصّه الله تعالى من الفضائل والكرامات, فقد روى علي بن شابور : ان المطر احتبس في سامراء في زمن الامام الحسن بن علي العسكري(عليه السلام)حتى اصيب الناس بالقحط، فأمر المتوكّل بالاستسقاء، فخرج المسلمون ثلاثة أيّام يستسقون ويدعون فما سقوا، وفي اليوم الرابع خرج الجاثليق(وهو كبير الاساقفة) مع جمع من النصارى والرهبان، وكان فيهم راهب، فلمّا مدّ يده هطلت السماء بالمطر، ثم خرجوا في اليوم الثاني فمطرت السماء أيضاً، فشكّ أكثر الناس بدينهم وتعجّبوا، وصبوا إلى دين النصرانية، فأرسل المتوكّل إلى الحسن العسكري(عليه السلام)، وكان محبوساً فأخرجه من الحبس، وقال : إلحق أُمّة جدّك(صلى الله عليه وآله) فقد هلكت.

فقال(عليه السلام): «إنّي خارج ومزيل الشكّ إن شاء الله تعالى»، قال: فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه، وخرج الحسن(عليه السلام) في نفر من أصحابه، فلمّا بصر بالراهب قد مدّ يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين أصبعه ففعل، وأخذ منه عظماً أسوداً، فأخذه الحسن(عليه السلام) وقال له: «استسق الآن» فاستسقى، وكان في السماء غيماً فتقشع الغيم وطلعت الشمس بيضاء، فقال المتوكّل: ما هذا العظم يا أبا محمّد؟ فقال(عليه السلام): «إنّ هذا الرجل مرّ بقبر من قبور الأنبياء فوقع في يده هذا العظم، وما كشف عن عظم نبي إلّا هطلت السماء بالمطر».

وهكذا استطاع الامام أن يبين للناس ان نزول المطر لم يكن بفعل دعاء الرهبان وإنما كان ببركة عظم نبي كان يحمله الراهب بين اصابعه , وبذلك أزال الامام(ع) الشك من قلوب المسلمين.

ومن ألقابه (ع) السراج: فقد كان الإمام (عليه السلام) سراجاً معنوياً لقربه من الله سبحانه , ونوراً يضيء لأهل السماوات والارض, قد شاهد نوره بعض خواص أصحابه كخادم الإمام الذي كان يقول: "إذا نام سيدي أبو محمد العسكري رأيت النور ساطعاً من رأسه إلى السماء" كما كان سراجاً للناس يُفيض عليهم علماً ومعرفة وأخلاقاً ,وقد اعترف بعلمه وفضله حتى غير المسلمين, فقال عنه طبيب نصراني في عصره: "هو أعلم في يومنا هذا ممن هو تحت السماء".

ومن نور هذا السراج المبارك وصيته (ع) لشيعته وأتباعه التي يقول فيها:

"أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر، وطول السجود, وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (صلى الله عليه وآله) صلوا في عشائرهم , واشهدوا جنائزهم, وعودوا مرضاهم, وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا شيعي، فيسرّني ذلك. اتقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، جروا إلينا كل مودة وادفعوا عنا كل قبيح.

فالامام في هذه التوجيه يوصي شيعته وأتباعه بالالتزام بالقيم الروحية والأخلاقية, والانخراط في المجتمع الإسلامي, وتقديم صورة مشرقة عن ديننا ومذهبنا بالسلوك والعمل والممارسة الصحيحة لتعاليم الدين.

وهذا ما يجب ان نلتزم به  خصوصاً وأننا في بداية سنة جديدة يمكننا فيها ان نفتح صفحة جديدة في حياتنا وفي واقعنا.

اننا في بداية السنة الجديدة لا بد ان نقوم بجردة حساب سياسية للعام الماضي , فمع بداية هذه السنة يكون قد مرّ أربع سنوات على بدء العدوان على محور المقاومة في المنطقة, فما هي الحصيلة؟ وكيف هو المشهد الآن؟

عندما نقوم بجردة حساب لنتائج المواجهة القائمة بين المحور الأمريكي الاسرائيلي ومحور المقاومة سنجد أن هناك إنجازات عديدة حصلت حتى الآن في كل من سوريا والعراق وإيران ولبنان وصولاً الى اليمن.

 ففي سوريا, لم يستطع الأمريكي ومعه كل حلفائه إسقاط النظام بالرغم من كل أشكال الدعم الذي قُدم للمجموعات المسلحة.

بل هناك تقدم لمصلحة النظام على المستويين الميداني والسياسي: ففي الميدان يحسم الجيش السوري في بعض المناطق ويستعيد نقاط أساسية.

نعم هناك تهديدات قائمة في الجنوب السوري لجهة درعا ومنطقة الجولان والقنيطرة, يعمل الجيش السوري على معالجتها, حيث يحرص الإسرائيلي على إحداث شريط حدودي شبيه بالشريط الحدودي اللحدي الذي كان قائماً في جنوب لبنان, لإبعاد أي تهديد عنه ولحجز دور له في الأزمة السورية.

أما في السياسة فهناك مؤشرات عديدة على تبدل المزاج تجاه سوريا، كما هناك مبادرات سياسية عديدة لحل الأزمة كمبادرة ديمستورا والمبادرة المصرية الإماراتية التي تتجاوز مسألة مصير الرئيس الأسد.

بل إن بعض الغرب اليوم بات على قناعة بأن الرئيس بشار الأسد أفضل من البدائل المطروحة في سوريا, لكن هذا البعض قلق فقط لجهة أن الأسد كيف سيتصرف في حال بقاءه في السلطة.

وأماعلى مستوى إيران, فإيران تجاوزت كل التهديدات العسكرية التي كانت تطلقها إسرائيل وأمريكا بحيث سقطت بشكل نهائي فكرة العدوان العسكري على إيران, وباتت هذه الفكرة ضرباً من الحماقة والجنون.

أما على الصعيد السياسي فإن إيران تحولت إلى دولة إقليمية كبرى ونافذة في المنطقة باعتراف الولايات المتحدة الامريكية, ونفوذها بات يمتد من العراق حتى اليمن.

 أما لبنان وعلى صعيد المقاومة، فقد استطاعت المقاومة خلال السنة الماضية في مواجهة العدو الإسرائيلي، من تثبيت معادلة الردع مع هذا العدو بشكل حاسم,خصوصاً بعد عملية مزارع شبعا الأخيرة , وفي مواجهة العدو التكفيري استطاعت المقاومة ومعادلة الجيش والشعب والمقاومة أن تحمي لبنان من الجماعات التكفيرية, وأن توجه ضربة كبيرة لرؤوس إرهابية أساسية, وتمنع من استباحة لبنان من قبل هذه الجماعات.

ان كل هذه الامور تجعلنا نعتقد بأن محور المقاومة في المنطقة يراكم نقاط القوة ويسير بخطى ثابتة نحو تحقيق المزيد من الإنجازات إلا أن الأمر يحتاج إلى المزيد من الصبر والثبات والصمود في كل ما يعني مفردات الصراع في هذه المنطقة.

                                                        و الحمد لله رب العالمين