المؤمنون والخشوع في الصلاة

الخشوع وحضور القلب والتوجه في الصلاة هو هبة ربانية وتوفيق إلهي يحتاج إلى قلب طاهر ونقي, ويحتاج إلى صفاء في النفس, وهذا لا يحصل إلا بتوفيق وتسديد من الله, لأن أحاديث النفس أثناء الصلاة غالباً ما تصرف الانسان عن التوجه والحضور والخشوع.

 

خلاصة الخطبة

الشيخ دعموش في خطبة الجمعة: سلوك بعض قوى 14 آذار غير وطني ويهدد السيادة والاستقرار في البلد.

لفت سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: الى أن هدف بعض السياسين الموتورين هو تشويه صورة حزب الله من خلال الإفتراءت والأكاذيب, وإيجاد حاضنة للقتلة والمجرمين الذين فجروا في الرويس الأسبوع الماضي والذين أرادوا ضرب الاستقرار في البلد, وإثارة الفتنة بين اللبنانيين.

وقال: ان التعاطي الحكيم والواعي من قبل أهلنا مع الأحداث, عطل كل الأهداف التي كان يريد القتلة الوصول إليها..وإن المزيد من الوعي والصبر والتعاون سيساهم في إفشال هذا المخطط الدموي الذي دبرته أجهزة مخابرات دنيئة في المنطقة استفادت من الحاضنة السياسية التحريضية التي وفرتها بعض قوى 14 آذار لفرض مسارات سياسية معينة في لبنان.

ورأى: ان سلوك بعض قوى 14 آذار الموتور والتحريضي, وتعطيلهم لمسار تأليف حكومة سياسية تجمع كل القوى السياسية بحسب أحجامها البرلمانية, والرهان على مشاريع تأتي من الخارج, هو سلوك غير وطني يهدد السيادة والاستقرار في البلد..

نص الخطبة

قال الله تعالى: [قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم لفروجهم حافظون].

[قد أفلح المؤمنون] كلمة "أفلح" مشتقّة من الفلح والفلاح، وتعني في الأصل الحرث والشقّ، ثم أُطلقت على أي نوع من النصر والوصول إلى الهدف والسعادة بشكل عام، والحقيقة أن المنتصرين يزيلون من طريقهم كل الموانع والحواجز لينالوا الفلاح والسعادة، ويشقّون طريقهم لتحقيق أهدافهم في الحياة.

 ولكلمة الفلاح معنىً واسعاً يضم الفلاح المادي والمعنوي، ويكون الاثنان للمؤمنين.

فالفلاح الدنيوي: أن يحيا الإنسان حراً مرفوع الرأس عزيز النفس غير محتاج، ولا يمكن تحقيق كل ذلك إلا في ظل الإيمان والتمسّك بحبل الله وبرحمته.

 أما فلاح الآخرة: فهو الحياة في نعيم خالدة إلى جانب أصدقاء جديرين طاهرين، حياة العزّة والرفعة.

ويلخّص الراغب الأصفهاني خلال شرحه هذه المفردة: بأن الفلاح الدنيوي في ثلاثة أشياء: البقاء والغنى والعز، وأما الفلاح الأُخروي ففي أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغناء بلا فقر، وعزّ بلا ذلّ، وعلم بلا جهل.

[الذين هم في صلاتهم خاشعون].

أي خاضعون متواضعون متذللون, لا يرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم, ولا يلتفتون يميناً ولا شمالاً.

  روي أن النبي (ص) رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته فقال: أما أنه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه.

 وفي هذا دلالة على أن الخشوع في الصلاة يكون بالقلب وبالجوارح.

فأما بالقلب: فهو أن يُفرّغ قلبه للصلاة والأعراض عما سواها, فلا يكون فيه غير العبادة والمعبود.

وأما بالجوارح: فهو غض البصر, والإقبال عليها, وترك الالتفات والعبث.

روي أن رسول الله (ص) كان يرفع بصره إلى السماء في صلاته, فلما نزلت الآية, طأطأ رأسه ورمى ببصره إلى الأرض.

ومن علامات فلاح المؤمن أن يتمكن من أداء صلاته بخشوع وحضور قلب..

والخشوع وحضور القلب والتوجه في الصلاة هو هبة ربانية وتوفيق إلهي يحتاج إلى قلب طاهر ونقي, ويحتاج إلى صفاء في النفس, وهذا لا يحصل إلا بتوفيق وتسديد من الله, لأن أحاديث النفس أثناء الصلاة غالباً ما تصرف الانسان عن التوجه والحضور والخشوع.

أحاديث النفس هي من العوامل التي تصرف الفكر والعقل والقلب والروح عن التوجه إلى الله.

وهذه آفة من الآفات الشائعة التي تعترض طريق العباد حتى الخواص منهم, حيث لا ينجو من هذه الحالة إلا من رحم الله.

سُئل أحد الأئمة (ع) عن حديث النفس فقال: ومن يطيق ألا يحدث نفسه.

إذن حديث النفس هو أمر قهري في الصلاة, ولا يضر في الصلاة, إلا أن على الإنسان المؤمن أن يتدرب ليتخلص منه, ويُوفق إلى الخشوع والإقبال على الله، وذلك من خلال الابتعاد عن موانع الخشوع, والعمل بموجبات الخشوع.

فما هي موانع الخشوع؟

إن الأمور التي تمنع الإنسان من الوصول إلى حالة الخشوع والإنقطاع إلى الله عزوجلّ كثيرة, أهمها :

1 ـ المعاصي والذنوب: فالإنسان المذنب والمرتكب للمعاصي يظل في حالة ابتعاد دائم ومستمر عن حالة الخشوع من جانب، وفي إقبال نحو وساوس الشيطان من جانب آخر، وقد يُسلب منه التوفيق للعبادة ويُحرم منها لتورطه في المعاصي والذنوب.

فقد رُوي أن رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) فقال: يا أمير المؤمنين إني قد حُرمت الصلاة بالليل.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنت رجلٌ قد قيدتك ذنوبك.

2 ـ الكسب الحرام: والمقصود منه الابتعاد عن كل أنواع الكسب الحرام, والحرص على حلية ونظافة طرق اكتساب المعيشة, كالوظيفة أو التجارة التي يمارسها الإنسان، أو غيرها من موارد الاكتساب، وذلك لأن للمأكل والملبس والمكان وغيرها من الأمور ـ التي تُعتبر من المقدمات في العبادات ـ أثراً عظيماً في إيجاد الخشوع، وهذه الأمور إنما تتوفر للإنسان بالمال, فإذا لم يكن المال المكتسب حلالاً, فسوف تتأثر أعمال الإنسان بذلك بصورة عامة, وخاصة العبادية منها، وأول هذه التأثيرات تظهر على القلب فتسلب منه النقاء والخشوع وتجعله عُرضة لوساوس الشيطان، ومن ثم لا يقبل الله له عملاً.

فقد رُوي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: إذا اكتسب الرجل مالاً من غير حلّه ثم حجّ فلبّى، نُودي لا لبيك ولا سعديك، وإن كان من حلّه فلبّى نُودي لبيك وسعديك.

أضف إلى ذلك: أن الجسم يستمد قوته في العبادة من الطعام والشراب، فإذا كان طعام الإنسان وشرابه حراماً ومكتسباً من غير الحلال ظهر تأثيرهما على العبادة فوراً، بل إن التأثير المعنوي للطعام والشراب يبقى في جسم الإنسان وروحه فترة طويلة.

فقد رُوي عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: من شرب مُسكراً انحبست صلاته أربعين يوماً، وإن مات في الأربعين مات ميتة جاهلية، فإن تاب تاب الله عز وجل عليه.

وعن الحسين بن خالد قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إنا رُوينا عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من شرب الخمر لم تُحتسب له صلاته أربعين يوماً.

قال: فقال: صدقوا.

قلتُ: وكيف لا تُحتسب صلاته أربعين صباحاً لا أقل من ذلك ولا أكثر؟

فقال: إن الله عز وجل قدّر خلق الإنسان فصيّره نُطفة أربعين يوماً، ثم نقلها فصيرها علقة أربعين يوماً، ثم نقلها فصيّرها مُضغة أربعين يوماً، فهو إذا شرب الخمر بقيت في مُشاشهِ أربعين يوماً على قدر انتقال خلقته.

قال: ثم قال (عليه السلام): وكذلك جميع غذائه، أكله وشربه يبقى في مُشاشهِ أربعين يوماً.

وعموماً فإن للطعام والشراب أثراً قوياً في تهيئة الظروف الروحية والنفسية للعبادة من حيث السلب والإيجاب.

فقد رُوي عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال لكميل بن زياد في بعض مواعظ له: " يا كميل: ليس الشأن أن تصلي وتصوم وتتصدق، الشأن أن تكون الصلاة بقلبٍ نقي، وعمل عند الله مرضي، وخشوع سوي، وانظر فيما تصلي، وعلى ما تصلي، إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول.

يا كميل: اللسان يَنزحُ القلب، والقلب يقوم بالغذاء، فانظر فيما تغذّي قلبك وجسمك، فإن لم يكن حلالاً لم يقبل الله تسبيحك ولا شكرك.

ولا بد أن نعرف أيضاً بأن للوسواس درجات كما أن للخشوع درجات، فمن زاد تورّعه عن الحرام والشبُهات ازداد خشوعاً، ومن تساهل في شيء منها قلّ خشوعه وضعف توجهه إلى الله عز وجلّ بنفس النسبة.

3 ـ امتلاء البطن: فقد روى أبو بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال لي: يا أبا محمد إن البطن ليطغى من أكله، وأقرب ما يكون العبد من الله جل وعز إذا خف بطنه, وأبغض ما يكون العبد إلى الله عز وجل إذا امتلأ بطنُهُ.

4 ـ وهناك عوامل أخرى تُسبب شرود الذهن في الصلاة مثل: التعب, والنعاس, والفرح, والحزن, والمرض, والمكان غير المناسب، وغيرها.

أما موجبات الخشوع:والتوجه والانقطاع إلى الله عز وجل في العبادة عموماً وفي الصلاة بوجه خاص فهي:

1 ـ الإيمان واليقين: فهما الأساس لتحصيل حالة الخشوع والانقطاع إلى الله عز وجل, لأن الإيمان هو الذي يجعل الأرضية خصبة لنمو روح الخشوع والتوجه التام إلى الله، ولولا الإيمان لم يكن للخشوع من معنى كما هو واضح، وكلما ازداد الإنسان إيماناً ازداد خشوعاً.

وواضحٌ أيضاً بأن الإيمان إنما يزداد عن طريق زيادة معرفة الإنسان بالله سبحانه وتعالى.

2 ـ التخلص من كل ما يُشتّت الفكر ويُشغل الذهن:لأن عدم التركيز حين الصلاة وعدم حضور القلب لدى المصلي ينشىء من انشغال فكره بالمشاكل التي تقلق باله، أو تعلّق قلبه بأمور الدنيا، فما أن يدخل في صلاته إلا وتتوارد عليه الأفكار والمشاكل المختلفة وتتجاذبه المغريات الكثيرة التي تُحيط به، فكم من مؤمن حريص على أداء صلاته بحضور القلب منعته أفكاره من الوصول إلى هدفه السامي، وما أن يُتمّ صلاته حتى يكتشف بأن روحه لم تكن في الصلاة بل كانت خلال فترة الصلاة سارحة في وديان الخيال والآمال والتصورات، أو يجد أنه كان يتابع مسلسلاً تلفزيونياً، أو مباريات لكرة القدم، أو كان يعقد صفقة تجارية مربحة، إلى غير ذلك.

ولذلك لكي يتخلّص المصلي من أمثال هذه الأفكار ويتمكّن من الإقبال بقلبه كله على الله ـ حسب ما ورد في الحديث ـ لا بدّ له من قطع الصلة بينه وبين كل ما يدور حوله حال كونه في الصلاة، وهذا الأمر لا يتسنى له حتى يُعطي الصلاة حقها.

فقد روى ثابت بن دينار عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) أنه قال: " وحق الصلاة أن تعلم أنها وفادة إلى الله عز وجل وأنت فيها قائم بين يدي الله عز وجل، فإذا علمت ذلك قمت مقام العبد الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرّع المعظّم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها...

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إن آدم شكا إلى الله ما يلقى من حديث النفس والحزن، فنزل عليه جبرائيل ((عليه السلام)، فقال له: يا آدم، قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالها, فذهب عنه الوسوسة والحزن.

وهناك عوامل أخرى تؤثر في إيجاد حالة التوجه والخشوع وحصول التركيز لدى المصلي منها:

1 ـ الاهتمام بأوقات الصلوات.

2 ـ اختيار المكان المناسب للصلاة من حيث الهدوء وعدم وجود ما يُصرف انتباه المصلّي أمثال الأصوات والصور وحضور الآخرين والنافذة أو الباب المفتوح أمام المصلي وغيرها من الأمور.

3 ـ تركيز النظر إلى محل السجدة في حال القيام والقراءة والتشهد والسلام.

4 ـ التدبّر في معاني الكلمات والأذكار التي تُقال في الصلاة.

5 ـ تعويد النفس على الرجوع إلى حالة الخشوع كلما عرض للإنسان شيء من العوامل الصارفة.

6 ـ المواظبة على النوافل.

7 ـ المواظبة على الأدعية والأذكار والتعقيبات الخاصة بكل صلاة.

والحقيقة أيضاً أن الإعراض عما يقوله بعض السياسيين الموتورين في حق المقاومة وحزب الله هو من نوع الإعراض عن اللغو والتافهين.

هدف هؤلاء الموتورين هو تشويه الصورة من خلال الإفتراءت والأكاذيب, وإيجاد حاضنة للقتلة والمجرمين الذين حاولوا من خلال تفجير الرويس الأسبوع الماضي ضرب الاستقرار في البلد, وإثارة الفتنة بين اللبنانيين.

إن حكمة تعاطي أهلنا مع هذا النوع من الأحداث المؤلمة, التعاطي الحكيم والواعي الذي يكشف عن يقظة أهلنا ووعيهم, عطل كل الأهداف التي كان يريد القتلة الوصول إليها..

وإن المزيد من الوعي والصبر والتعاون سيساهم في إفشال هذا المخطط الدموي الذي دبرته أجهزة مخابرات دنيئة في المنطقة استفادت من الحاضنة السياسية التحريضية التي وفرتها بعض قوى 14 آذار لفرض مسارات سياسية معينة في لبنان.

إن سلوك بعض قوى 14 آذار الموتور والتحريضي, وتعطيلهم لمسار تأليف حكومة سياسية تجمع كل القوى السياسية بحسب أحجامها البرلمانية, والرهان على مشاريع تأتي من الخارج, هو سلوك غير وطني يهدد السيادة والاستقرار في البلد..

 

والحمد لله رب العالمين