عام الحزن ووفاة أبي طالب وخديجة

 

إن هذه المواقف والتضحيات الكبيرة من أبي طالب، لم تكن بدافعٍ عاطفيٍ أو بدافع من حبه الطبيعي لرسول الله(ص)، ولم تكن نابعة من كونه يرتبط بالنبي بعلاقة نسبية أو قبلية أو عائلية، وإنما كانت بدافع من إيمان أبي طالب بالنبي(ص) وحرصه على دعوته ورسالته، كانت بدافع عقيدي وإيماني واضح يدفع الإنسان للبذل والعطاء والتضحية بكل ما يملك في سبيل الدين والعقيدة.

 

خلاصة الخطبة

الشيخ دعموش:الأزمة الرئيسية في البلد هي الإنقسام بين اللبنانيين حول الخيارات السياسية الوطنية الكبرى.

شدد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: على أن الأزمة الرئيسية في البلد هي الإنقسام الحاد الموجود بين اللبنانيين حول الخيارات السياسية الوطنية الكبرى, وفي مقدمها الموقف من الكيان الصهيوني وكيفية التعاطي معه.معتبراًُ: أن هذا الانقسام يعكس بدوره الصراع بين مشروعين كبيرين في المنطقة:

الأول: قاعدته المركزية الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والأنظمة التابعة لهما وفي مقدمها دول الخليج.

الثاني: مشروع المقاومة والممانعة وقاعدته المركزية الجمهورية الإسلامية وحلفائها من دول وحركات مقاومة.

وقال: الحروب التي شنتها أمريكا وإسرائيل في المنطقة ولا سيما على لبنان في عدوان تموز في مثل هذه الأيام من العام 2006 والمستمرة إلى الآن في سوريا كانت تستهدف بالدرجة الأولى وعلى نحو استراتيجي احتواء مشروع المقاومة ومحاصرة المقاومة وضرب بنيتها ومرتكزات القوة لديها تمهيداًُ لتصفيتها والقضاء عليها لمصلحة المشروع الأمريكي, إلا أن الذي جرى هو عكس اتجاه النتائج الذي كان يريدها الأمريكي والإسرائيلي، حيث تمكن محور المقاومة من احتواء هذه الاعتداءات لا سيما عدوان تموز وإفشاله بالكامل من خلال إفشال أهدافه العسكرية والسياسية.

وأضاف: لقد استطاعت المقاومة إعاقة مشروع الشرق الأوسط الجديد.. واليوم يحاولون من خلال حربهم الجديدة في سوريا وعلى سوريا قلب موازين الصراع واسترجاع زمام المبادرة وإيقاف مسلسل هزائمهم في المنطقة والدفع باتجاه إلحاق هزيمة بمشروع المقاومة.

ورأى: أننا اليوم أمام خطة تستهدف حصار وعزل وإشغال وإرباك المقاومة ومحاصرتها على كامل المشهد اللبناني السوري..إلا أن وعي أهلنا وصبرهم وثباتهم وصمودهم واستعدادهم للمواجهة والعطاء وتقديم التضحيات إلى جانب المقاومة سيساهم في إفشال هذا المخطط كما أفشلوا العدوان الإسرائيلي في العام 2006..

نص الخطبة

كان العام الذي خرج فيه النبي(ص) من شِعبِ أبي طالب بعد حصار استمر ثلاث سنين من أشد الأعوام التي مرّت على رسول الله(ص) منذ أن بعثه الله نبياً، فقد كان هذا العام عام الحزن, لأن النبي(ص) فَقََدَ فيه عمه أبا طالب وزوجته خديجة, وهما اللذان وقفا إلى جانبه بكل قوة يناصرانه في دعوته وفي مواجهة التحديات والمتاعب.

ـ لقد كان أبو طالب هو الرجل الذي دافع عن النبي(ص) وقام برعايته وكفالته منذ طفولته، فقد كان يقدمه على أولاده في الرعاية والحضانة عندما كان النبي(ص) لا يزال صغيراً، وكان يصطحبه معه أينما ذهب خوفاً عليه.

وقد سمعنا كيف أنه قطع سفره إلى الشام وأرجع النبي(ص) بنفسه من بُصرى إلى مكة عندما حذّره بحيرا الراهب من اغتيال اليهود له (صلى الله عليه وآله) لأن علامات النبوة كانت بادية عليه.

لقد كان وجود أبي طالب عم النبي وكافله والمدافع عنه يخفف عنه من آلامه, لأنه كان يعزيه ويسليه ويشدّ من عزيمته ويؤثره حتى على نفسه وأولاده.

ـ كان يحرس النبي(ص) بنفسه أثناء الحصار في شعب أبي طالب, كان ينقله من مكان إلى آخر ويجعل ولده علياً في مكانه حرصاً على سلامته وحياته.

ـ كان أبو طالب ذلك الرجل الذي رضي بعداء قريش له، وبمعاناة الفقر والجوع والحصار والمقاطعة الاجتماعية في سبيل الدفاع عن رسول الله(ص) وعن رسالته وإعطاء هذه الرسالة الفرصة من أجل أن تنتشر.

أبو طالب هو الذي وقف ذلك الموقف الكبير في وجه طغاة قريش عندما ألقى بعضهم على النبي(ص) أوساخ ناقة حيث أخذ رضوان الله عليه، السيف وتوجّه نحوهم وأمر حمزة أن يأخذ الأوساخ ويلطِّخ بها من اعتدى على النبي واحداً واحداً.

بل جاء في بعض النصوص: أن أبا طالب نادى قومه وأمرهم أن يأخذوا سلاحهم.

لقد تخلى أبو طالب عن مكانته في قومه، وضحى بعلاقاته وواجه المصاعب الكبيرة, وتحمّل المشاق العظيمة في سبيل الدفاع عن رسول الله(ص) وحمايته وحماية رسالته.

إن هذه المواقف والتضحيات الكبيرة من أبي طالب، لم تكن بدافعٍ عاطفيٍ أو بدافع من حبه الطبيعي لرسول الله(ص)، ولم تكن نابعة من كونه يرتبط بالنبي بعلاقة نسبية أو قبلية أو عائلية، وإنما كانت بدافع من إيمان أبي طالب بالنبي(ص) وحرصه على دعوته ورسالته، كانت بدافع عقيدي وإيماني واضح يدفع الإنسان للبذل والعطاء والتضحية بكل ما يملك في سبيل الدين والعقيدة.

وقد ورد عن الإمام الباقر (ع): لو وضع إيمان أبي طالب في كفة وإيمان الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه.

 وقد بقي إيمانه طيّ الكتمان والسريّة إلى مرحلة الحصار في شِعب أبي طالب، حيث أصبح أثناء الحصار وبعده لا يخشى من إظهار إيمانه وإسلامه.

وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: إن مَثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الشِرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين.

وعن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: كان والله أبو طالب مؤمناً مسلماً يكتم إيمانه، مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش.

ونستطيع أن نقول إن سريّة أبي طالب في تلك المرحلة الصعبة من تاريخ الإسلام كانت أمراً ضرورياً لا بدّ منه، لأن الدعوة كانت بحاجة إلى شخصية اجتماعية قوية تدعمها وتقف إلى جانبها وتحافظ على قائدها, وفي الوقت نفسه تظهر الحياد ولا تكون طرفاً في النزاع حتى تستطيع أن تتكلم من موقع القوة وحتى تتمكن من مساندة الدعوة ومن التخفيف من الضغوط الكبيرة عليها, فكان أبو طالب يمثل هذا الدور، ولو أنه أظهر إسلامه وإيمانه لما كان بإمكانه أن يقوم بكل ذلك.

وأما خديجة فقد كانت الزوجة الوفية لرسول الله(ص) الصادقة في إيمانها ووفائها, كانت تستقبل النبي(ص) بقلبها وبشاشة وجهها لتهوّن عليه الشدائد وتخفف عنه الآلام والمصائب التي كان يواجهها في طريق الدعوة إلى الله.

وكانت خديجة الزوجة الثريّة التي بذلت وأنفقت كل ثراءها الواسع وكل ما تملكه من مال وجاه لإنجاح دعوة النبي(ص).

ولذلك كان النبي (ص) وفياً لها لإحسانها وفضلها وعظيم شأنها, كان إذا سمع باسمها لم يتمالك نفسه من البكاء ويقول: خديجة وأين مثل خديجة؟ صدقتني حين كذبني الناس, وآزرتني على دين الله وأعانتني بمالها...

وفي السنة العاشرة من البعثة النبوية، كانت وفاة الرجل العظيم أبي طالب، وبعده بمدة قصيرة قيل: بثلاثة أيام, وقيل: بعده بحوالي شهر كانت وفاة خديجة رضوان الله عليها، أفضل أزواج النبي وأحسنهن سيرة وأخلاقاً ووعياً وتضحية وعطاءاً، فسمّى النبي(ص) ذلك العام بعام الحُزن, لأنه فقد فيه أعزّ وأحب الناس إليه، فقدَ فيه الناصر والعزيز والوفيّ والحامي والمدافع عنه وعن الرسالة.

ونستطيع أن نعرف حجم التضحيات وحجم الخدمات التي قدّمها أبو طالب وخديجة في سبيل هذا الدين من تسمية النبي (ص) لعام وفاتهما بعام الحزن.

ومن الواضح أن النبي لم ينطلق في حبه لهما وحُزنه عليهما من مصلحته الشخصية أو من عاطفته، وإنما هو يحبُّ في الله، ويقدّر أي إنسان ويحنو لفقده ويرتبط به روحياً وعاطفياً بمقدار ارتباط ذلك الإنسان بالله، وبمقدار قربه من الله وإخلاصه وتفانيه في سبيله وفي سبيل دينه ورسالته.

فالنبي (ص) لم يتأثر على أبي طالب ولا على خديجة، لأن هذه زوجته وذاك عمه، وإلا فقد كان أبو لهب عمه أيضاً، وإنما تأثر عليهما وبكى لأجلهما لما لمسه فيهما من قوة إيمان وصلابة وتضحيات وتفانٍ في سبيل الله والعقيدة وفي سبيل المستضعفين في الأرض، ولما خسرته الأمة فيهما من جهادٍ وإخلاصٍ قلّ مثلُه في تلك الظروف الصعبة من تاريخ الإسلام.

أما في الموضوع السياسي: فاليوم هناك تنوع وتعدد في عناوين الاشتباك السياسي في البلد, لكن ذلك لا يعني أننا أمام مظاهر متعددة لأزمات متنوعة, نحن أمام أزمة رئيسية تجد تعبيراتها المتنوعة والمتعددة.

الأزمة الرئيسية في البلد هي الإنقسام الحاد الموجود في لبنان حول الخيارات السياسية الوطنية الكبرى, وفي مقدمها الموقف من الكيان الصهيوني وكيفية التعاطي معه.

هذا الانقسام يعكس بدوره الصراع بين مشروعين كبيرين في المنطقة:

الأول: قاعدته المركزية الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والأنظمة التابعة لهما وفي مقدمها دول الخليج.

الثاني: مشروع المقاومة والممانعة وقاعدته المركزية الجمهورية الإسلامية وحلفائها من دول وحركات مقاومة.

الحروب التي شنتها أمريكا وإسرائيل في المنطقة ولا سيما على لبنان في عدوان تموز في مثل هذه الأيام من العام 2006 هذه الحروب المستمرة إلى الآن في سوريا كانت تستهدف بالدرجة الأولى وعلى نحو استراتيجي احتواء مشروع المقاومة ومحاصرة المقاومة وضرب بنيتها ومرتكزات القوة لديها تمهيداًُ لتصفيتها والقضاء عليها لمصلحة المشروع الأمريكي الأول, إلا أن الذي جرى هو عكس اتجاه النتائج الذي كان يريدها الأمريكي والإسرائيلي، حيث تمكن محور المقاومة من احتواء هذه الاعتداءات لا سيما عدوان تموز وإفشاله بالكامل من خلال إفشال أهدافه العسكرية والسياسية.

واستطاع محور المقاومة أن يُجير هذا الانتصار الذي تحقق في آب 2006 لمصلحة المقاومة ومحور المقاومة على حساب إفشال أهداف المشروع الأمريكي.

لقد استطاعت المقاومة إعاقة مشروع الشرق الأوسط الجديد.. واليوم يحاولون من خلال حربهم الجديدة في سوريا وعلى سوريا قلب موازين الصراع واسترجاع زمام المبادرة وإيقاف مسلسل هزائمهم في المنطقة والدفع باتجاه إلحاق هزيمة بمشروع المقاومة.

اليوم نحن أمام خطة تستهدف حصار وعزل وإشغال وإرباك المقاومة ومحاصرتها على كامل المشهد اللبناني السوري..

إلا أن وعي أهلنا وصبرهم وثباتهم وصمودهم واستعدادهم للمواجهة والعطاء وتقديم التضحيات إلى جانب المقاومة سيساهم في إفشال هذا المخطط كما أفشلوا العدوان الإسرائيلي في مثل هذه الأيام في العام 2006..

 

والحمد لله رب العالمين