معركة بدر أحداث وعبر

معركة بدر كانت معركة مصيرية يتقرر على أساس نتائجها مصير الإسلام والشرك في المنطقة في المستقبل المنظور على الأقل، فقد استشار النبي(ص) أصحابه في أمر هذه الحرب

خلاصة الخطبة

الشيخ دعموش في خطبة الجمعة: لن يكون لقرار الاتحاد الأوروبي بوضع حزب الله على لائحة الإرهاب أية مفاعيل عملية لا داخلياً ولا خارجياً.

 

رأى سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن المقاومة الاسلامية في لبنان  كانت ولا تزال في دائرة الاستهداف، وأن آخر الاستهدافات هو القرار الذي صدر عن الاتحاد الأوروبي الذي أدرج فيه الجناح العسكري لحزب الله على ما يسمى بلائحة الإرهاب.

ولفت: الى أن القرار لم يكن مفاجئاً لحزب الله، فمنذ سنوات طويلة وهذا الموضوع مطروح للنقاش, معتبراً: أنه قرار إسرائيلي بالدرجة الأولى, وجاء نتيجة ضغط إسرائيلي أمريكي بريطاني.

وأشار: الى أن القرار يراد له أن يشكل عنصر ضغط على المقاومة, سواء في سياق المواجهة المستمرة مع الصهاينة, أو في سياق الاشتباك والصراع الدائر في سوريا.

وأكد: أنه لن تكون لهذا القرار أية مفاعيل عملية لا داخلياً ولا خارجياً ولا حتى على المغتربين اللبنانيين في أوروبا, وأنه لن ينال من معنويات حزب الله, ولن يغير من سياساته تجاه اسرائيل وسوريا والداخل اللبناني, ولن يزيد حزب الله إلا تصميماً وإصراراً على مواصلة طريق المقاومة .

نص الخطبة

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: [ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون].

كانت معركة بدر أول معركة مسلحة كبرى خاضها النبي والمسلمون في مواجهة المشركين من قريش، وقد حدثت تلك المعركة يوم الجمعة في السابع عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثانية بعد الهجرة.

هذه الحرب لم تكن حرباً هجومية ابتدائية وإنما كانت حرباً دفاعية جاءت بعد سلسلة من اعتداءات قريش على المسلمين, وإخراجهم من ديارهم, ومصادرة ممتلكاتهم في مكة.

ولما علم رسول الله(ص) بخروج المشركين من مكة, وتصميمهم على قتاله ، جمع المسلمين في المدينة واستشار أصحابه المهاجرين والأنصار في أمر القتال.

 وكانت سيرة رسول الله(ص) في جميع مراحل حياته أنه كان يستشير أصحابه, لا سيما في القضايا المصيرية والكبرى, وكان يستمع باهتمام إلى آرائهم في المسائل العسكرية وغيرها، وليس ذلك لأن النبي كان بحاجة إلى مشورتهم فهو مؤيد ومسدد من الله عز وجل وليس بحاجة إلى رأيهم، وإنما كان يستشيرهم لأنهم هم الذين سوف يتحملون أعباء الحرب ويعانون من نتائجها من جهة، ومن جهة أخرى لأن رسول الله(ص) كان يريد من خلال مشورتهم استكشاف ما في دخائل نفوسهم, واستكشاف مدى عزمهم وإرادتهم على الوقوف إلى جانبه في قتال العدو, فيعرف من خلال ذلك القوي من الضعيف، والجبان من الشجاع، ويعرف الذي يفكر في مصلحة نفسه من الذي يفكر من منطلق التكليف الشرعي إلى غير ذلك من الأمور.

إن سيرة رسول الله في استشارة أصحابه والاستماع إلى آرائهم وهو الرسول المسدد في كل آرائه وخطواته من الله عز وجل، توحي إلينا وإلى كل قيادة إسلامية أن لا تستبد برأيها، حتى لو كانت تملك الرأي السديد, بل إن عليها أن تستشير لا سيما في القضايا المصيرية والحيوية.

ولأن معركة بدر كانت معركة مصيرية يتقرر على أساس نتائجها مصير الإسلام والشرك في المنطقة في المستقبل المنظور على الأقل، فقد استشار النبي(ص) أصحابه في أمر هذه الحرب، وبرز في المسلمين آنذاك موقفان:

الموقف الأول: موقف الذين كانوا يهابون قوة قريش وإمكاناتها البشرية والعسكرية الواسعة, وهؤلاء كأنهم أرادوا أن ينهوا النبي(ص) عن مواجهة المشركين بأسلوب المثبطين للعزائم والإرادات، فقد قال بعضهم في التعبير عن هذا الموقف: يا رسول الله، إنها قريش وغدرها، والله ما ذلت منذ عزّت، ولا آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزّها أبداً ولتقاتلنك, فأتهب لذلك أهبته وأعد لذلك عدته.

هذا الموقف يذكرنا بموقف أولئك الذين كانوا وما زالوا في واقعنا يعيشون الاستسلام أمام العدو الإسرائيلي وإمكاناته, ويقولون للمجاهدين والمقاومين بلغة التثبيط : لا جدوى من المقاومة, لا جدوى من قتال إسرائيل, فإسرائيل قوة لا تُقهر وإن العين لا تقاوم المخرز وما شاكل ذلك.

ولكن في مقابل هذا الموقف كان هنالك موقف آخر: موقف أولئك المجاهدين الذين لا يخافون في الله لومة لائم, موقف الأقوياء والشجعان الذين يُدركون أنهم على حق وأن الله معهم ولن يتخلى عنهم, موقف الذين لا يبالون بقوة العدو وقدراته وإمكاناته الواسعة برغم قلة عددهم وضعف إمكاناتهم وبساطة عتادهم وسلاحهم, فقد وقف بعضهم في بدر كما يقف المجاهدون والمقاومون اليوم وقالوا: يا رسول الله إمضِ لأمر الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والذي بعثك بالحق يا رسول الله لو سِرت بنا إلى برَكِ الغِماد ـ وهي منطقة بالقرب من اليمن ـ لسرنا معك.

ووقف رجل آخر هو سعد بن معاذ سيد الأوس وقال للنبي: لقد آمنا بك يا رسول الله وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة فامضِ يا نبي الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر وخُضته لخضناه معك ما بقي منا رجل واحد, وصِل من شئت, وخذ من أموالنا ما أردت, فما أخذته من أموالنا أحب إلينا مما تركت، والذي نفسي بيده ما سلكت هذا الطريق قط وما لي بها من علم, وإنا لا نكره أن نلقى عدونا غداً, وإنا لصُبُر عند الحرب, صُدُق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا بعض ما تقرّ به عينك، فسِر بنا على بركة الله.

وهكذا خرج النبي(ص) بمن معه من المسلمين لمواجهة المشركين، وكان عدد المسلمين ثلاثمائة وثلاثة عشر مقاتلاً، وكان معهم فرسان من الخيل وسبعون بعيراً من الإبل, ومعهم من السلاح ستة أدرع وثمانية سيوف، وسار المسلمون حتى نزلوا بدراً, وهي قرية تبعد عن المدينة المنورة حوالي مئة وخمسين كيلومتراً جنوب غربي المدينة, وفي صبيحة يوم السابع عشر من شهر رمضان عبأ النبي(ص) أصحابه المقاتلين، وكانت رايته مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وكان علي صاحب لواء رسول الله في هذه المعركة وفي كل المعارك الأخرى التي خاضها المسلمون في حياة رسول الله، وبدأت المعركة بالمبارزة.

وقد قدم النبي إلى المبارزة أهل بيته وأقربائه وليس أصحابه العاديين, قدم الحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث ابن عمه.

يقول (ع): كان رسول الله (ص) إذا حضر البأس ودُعيت نزال قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه, فقتل عبيدة يوم بدر, والحمزة يوم أحد, وجعفر يوم مؤتة.

ثم احتدمت المعركة والتحم الجيشان وهما غير متكافئين لا من حيث العدد ولا من حيث العتاد، ولكن الله في هذه المعركة أنزل الكثير من ألطافه ورحمته،وأنزل الملائكة لا ليقاتلوا ولكن ليعيشوا أجواء المعركة وليعطوا المسلمين القوة الروحية لتطمئن قلوبهم، وانتصر المسلمون واستطاعوا أن يلحقوا بالمشركين هزيمة نكراء رغم قلة عددهم وعتادهم وكثرة عدد المشركين.

 فقد أسفرت المعركة عن قتل سبعين رجلاً من المشركين وأسر سبعين منهم, ولم يسقط من المسلمين سوى أربعة عشر شهيداً ولم يؤسر منهم أحد.

وقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) فارس هذه المعركة وبطلها, فقد روي أنه قتل بيده ثلث قتلى المشركين, وقيل إنه قتل نصفهم بيده وشارك المسلمين في قتل النصف الآخر.

إن ما نستفيده من تلك المعركة التاريخية الخالدة، هو أن العبرة في تحقيق الانتصارات ليست في الكثرة العددية, وليست في القوة المادية وحدها، فقد نملك كثرة عددية وقوة مادية كبيرة, ولكننا لا نملك معها إيماناً وإخلاصاً ووحدة في الموقف وصبراً في مواقع التحدي, فتكون النتيجة هي الهزيمة والإنكسار, وقد نملك قلة عددية ولكنها قلة مؤمنة ومجاهدة وصابرة تملك إرادة قوية وعزيمة راسخة وثقة كبيرة ووعياً وتخطيطاً سليماً، فتحقق النصر وتصل إلى أهدافها, لأن القضية ليست كم نملك من العدد والسلاح, ولكن القضية إلى جانب ذلك هي كم نملك من الإيمان والإخلاص والوحدة والثبات في مواقع التحدي.

لذلك فإن القلة عندما تعيش الإيمان والإخلاص والثقة بالله وتملك الوحدة والإرادة القوية وتصبر وتثبت في مواقع التحدي وتخطط جيداً ولا تبالي بحشود العدو وطاقاته وإمكاناته, تستطيع أن تصنع الانتصارات بإذن الله حتى ولو كان العدو يملك الكثرة والقوة الكبيرة، وهذا هو سر بدر.. فإن أصحاب بدر إنما انتصروا لأنهم كانوا يعيشون روحية واحدة وقلباً واحداً وموقفاً واحداً, وهذا هو أيضاً سر انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان التي تحمل روحية وإرادة بدر في جهادها ضد العدو الصهيوني, فليس سر هذه المقاومة في نوعية سلاحها ولا في عديدها ولا في تكتيكها العسكري ولا في مستوى كفاءتها القتالية، وإنما إلى جانب ذلك في روحية مجاهديها وإيمانهم وإخلاصهم, فهم يستطيعون بالعدد القليل والعدة البسيطة وبالكفاءة العسكرية المحدودة أن يصنعوا انتصارات من النوع الذي شاهدناه ولا نزال نشاهده في جبل عامل والبقاع الغربي.

هذه المقاومة التي كانت ولا زالت في دائرة الاستهداف، وآخر الاستهدافات هو القرار الذي صدر عن الاتحاد الأوروبي الذي أدرج فيه الجناح العسكري لحزب الله على ما يسمى بلائحة الإرهاب.

هذا القرار لم يكن قراراً مفاجئاً بالنسبة لنا، فمنذ سنوات طويلة وهذا الموضوع مطروح للنقاش, وتمارس فيه ضغوط كبيرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

هذا القرار كان يمكن أن يصدر عن الاتحاد الأوروبي منذ زمن طويل لولا: وجود قوات اليونفل في الجنوب والتي غالبيتها أوروبية ولولا أيضاً: موقع حزب الله الأساسي في التركيبة اللبنانية.

القرار يراد له أن يشكل عنصر ضغط على المقاومة, سواء في سياق المواجهة المستمرة مع الصهاينة, أو في سياق الاشتباك والصراع الدائر في سوريا.

البريطانيون هم أول من صنف حزب الله إلى جناح عسكري وجناح سياسي, وهم وضعوا الجناح العسكري على اللائحة الخاصة بهم قبل أكثر من أربع سنوات.. وتبني الاتحاد الأوروبي لهذا التنصيف يعكس في الحقيقة حالة الارتباك والتردد التي كانت تحكم بعض دول الاتحاد والتي لم تحسم أمرها إلا بعد ضغوط هائلة مورست عليها من قبل أمريكا وإسرائيل..

فالقرار هو قرار إسرائيلي بالدرجة الأولى, وجاء نتيجة ضغط إسرائيلي أمريكي بريطاني, ولذلك إسرائيل أول من هلل للقرار, واعتبره نتنياهو انتصاراً وإنجازاً للخارجية الإسرائيلية, أما وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة العدو فاعتبر: ان الجهود الإسرائيلية التي تكثفت في الآونة الأخيرة أثمرت صدور القرار.

إذن الأيادي الإسرائيلة في القرار واضحة, ولكنها معيبة ومخزية بالنسبة إلى أوروبا التي تدعي الحرية والاستقلال والسيادة.. والتي تعتبر نفسها قوة كبرى في العالم.

من المخزي لأوروبا أن تتحول إلى مجرد خاضع ومستسلم للإرادة الأمريكية والإسرائيلية, وهي التي يمكن أن تتمايز في مواقفها الدولية, وأن يكون لها دور مستقل بعيداً عن التبعية والخضوع والاستسلام للإرادة الأمريكية الإسرائيلية.

وفي كل الأحوال بالنسبة لنا لن تكون لهذا القرار أية مفاعيل عملية لا داخلياً ولا خارجياً ولا حتى على المغتربين اللبنانيين في أوروبا.

هذا القرار لن ينال من معنوياتنا, ولن يغير سياساتنا في الملف الإسرائيلي ولا في الملف السوري، ولا في الملف الداخلي.

إذا كان هناك من يعتقد في الداخل, من القوى السياسية التي حرضت إلى جانب الإسرائيلي على إنتاج هذا القرار.. انها تستطيع أن تحصل على مكاسب في الداخل بعد القرار عجزت عن تحصيلها قبل القرار فهي مشتبهة ومخطئة.

فهذا القرار لن يغير من الواقع شيئاً، والحكومة لن تتشكل من دون حزب الله، والمراهنون على قرارات من هذا النوع سيصابون بالخيبة والفشل والإحباط عندما سيكتشفون أن القرار لم يزد حزب الله إلا تصميماً وإصراراً على مواصلة طريق المقاومة ,الذي نتحقق فيه آمال وأهداف وعزة شعبنا وأهلنا في لبنان وفي المنطفة.

                                                              والحمد لله رب العالمين