شخصية السيدة زينب (ع) ومكان دفنها

شاء الله تعالى أن يكرم هذه السيدة الجليلة منذ ولادتها حينما أتت بها أمها الزهراء (ع) إلى أبيها أمير المؤمنين (ع) قائلة له: سمِّ هذه المولودة, فقال (ع): ما كنت لأسبق رسول الله(ص) فعرض علي على النبي (ص) أن يسميها فقال (ص): ما كنت لأسبق ربي.. عندها هبط جبرائيل (ع) قائلاً: سمِّ هذه المولودة زينب فقد اختار الله لها هذا الاسم.

 

الشيخ دعموش في خطبة الجمعة مخاطباً السيدة زينب(ع): سيبقى مقامك شامخاً كما كنتِ.

بعد أيام نلتقي بذكرى ولادة عقيلة بني هاشم، بطلة كربلاء السيدة زينب الحوراء(ع) أبنة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وبضعة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء (ع) حيث كانت ولادتها في الخامس من جمادى الأولى في السنة الخامسة للهجرة النبوية الشريفة.

وقد شاء الله أن يكرم هذه السيدة الجليلة منذ ولادتها حينما أتت بها أمها الزهراء (ع) إلى أبيها أمير المؤمنين (ع) قائلة له: سمِّ هذه المولودة, فقال (ع): ما كنت لأسبق رسول الله(ص) فعرض علي على النبي (ص) أن يسميها فقال (ص): ما كنت لأسبق ربي.. عندها هبط جبرائيل (ع) قائلاً: سمِّ هذه المولودة زينب فقد اختار الله لها هذا الاسم.

والزينب في اللغة العربية كما في لسان العرب: شجر حسن المنظر، طيب الرائحة ويقال: إن الزينب نبات أزهاره جميلة, بيضاء اللون فواحة الرائحة.

وكأن ثمة تطابق بين الاسم والمسمى, باعتبار أن زينب (ع) كانت آية في الجمال.

وسوف أتحدث هنا عن أمرين يتصلان بالسيدة زينب (ع):

الأول: شخصية هذه السيدة الجليلة ومناقبها.

الثاني: دورها ومكان دفنها.

أما الأمر الأول: فإن شخصية السيدة زينب (ع) حملت الكثير من الألقاب التي تكشف عن صفاتها وخصالها ومناقبها ومزاياها وعظيم قدرها وعلو مقامها, فهي:

أولاً: عقيلة بني هاشم: والعقيلة هي المرأة الكريمة والوجيهة في قومها والعزيزة في بيتها.

والسيدة زينب (ع) هي أفضل امرأة وأشرف سيدة في العرب بعد أمها الزهراء (ع).

ويقال أيضاً: العقيلة: سيدة قومها، والسيدة المخدرة أي الشريفة العفيفة التي تلتزم بيتها ولا تختلط بالرجال، المرأة التي تلتزم بحجابها بشكل كامل كما يريد الله، والمرأة التي تحترم حجابها وتصونه وتحفظه فلا تقوم بأي عمل أو سلوك يتنافى مع حجابها, أو يمكن أن يسيء إلى حجابها وإلى هذا الزي الشرعي والمقدس.

ولذلك فإن على السيدات والأخوات والفتيات أن يقتدين بالسيدة زينب (ع) المخدرة.

وقد تكون كلمة العقيلة صفة مبالغة, مشتقة من العقل بمعنى كثرة العقل والوعي والنضج, وقد ظهر بوضوح أن السيدة زينب (ع) كانت على درجة عالية من الوعي والنضج والعقل والحكمة والحنكة، فبعقلها ووعيها استطاعت أن تقود قافلة السبايا, وأن تظهر قوتها وقوة أهل البيت (ع) بالرغم من عظيم المصاب وهول الفاجعة، وأن تفضح الضليل الإعلامي الأموي الذي صنعته السلطة في جريمة قتل الحسين (ع).. وأن تكشف حجم الجريمة التي ارتكبها الحكم الأموي بحق آل الرسول (ص)..

ثانياً: من ألقابها أيضاً: عابدة آل علي (ع): حيث كانت من العابدات التقيات اللاتي يقمن الصلاة بخشوع وتوجه.

وهذا ما ينبغي أن يتعلمه الرجال والنساء من السيدة زينب (ع) أن يتعلموا كيف يتوجهون إلى الله في صلاتهم بخشوع والتفات وتوجه, لا أن يصلي الإنسان وقلبه غافل وساه ولاه، وأن يصلي الصلاة التي تدفعه نحو القيام بالواجب وتحمل المسؤولية, والصلاة التي تنهاه عن المنكر وتردعه عن ارتكاب الفاحشة, الصلاة التي يؤديها المكلف بتأنٍ لا باستعجال.

هكذا كانت تؤدي زينب (ع) صلاتها، وكانت لا تترك نافلة من النوافل إلا أقامتها بخشوع وتوجه أيضاً.. حتى أنها صلت النوافل في أقسى ليلة وأمرّ ليلة مرت عليها في حياتها, وهي ليلة الحادي عشر من محرم.

ويقول الإمام زين العابدين (ع): إنه رآها تلك الليلة تصلي من جلوس, ثم يذكر (ع) عبادتها وهي مسبية في طريق الشام فيقول: إن عمتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت نوافلها.

ثالثاً: من ألقابها أيضاً, الكاملة: لأنها استطاعت أن تجمع في شخصيتها كل قيم الإسلام, فبلغت الكمال في إيمانها وتقواها وعفتها وطهارتها وحكمتها وشجاعتها وأخلاقها وجهادها.

يقول الشاعر:

وكان جهادها بالقول أمضى             من البيض الصوارم والنصال

ربيبة عصمة طهرت وطابت         وفاقت في الصفات وفي الفعال

فلولا أمها الزهراء سادت               نساء العالمين بلا جدال

رابعاً: ومن ألقابها, الفاضلة، لأنها من أفضل نساء العالمين والمسلمين وأكرمهم بعد أمها الزهراء.

خامساً: من ألقابها المشهورة، العالمة: فقد أخذت عن أبيها أمير المؤمنين (ع) العلوم والمعارف، فكانت مرجعاً للسيدات ونساء المسلمين يرجعن إليها في شؤونهن الدينية.

والإمام زين العابدين (ع) يقول مخاطباً زينب (ع): أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة.

ويبدو أن الإمام قال لها ذلك في كربلاء بعد شهادة الحسين (ع) أو في طريق السبي, ويحتمل أن يكون معنى هذه الكلمة: أنها (ع) عالمة بالله تعالى وبآياته ومواضع ومواقع ابتلائه والرضا بقضائه من غير أن يعلمها أحد من الناس، وإنما من خلال فطرتها الصافية وعقلها الراجح ووعيها وتدبرها بآيات الله سبحانه.

فلا تحتاج زينب إلى من يعرفها بما يتوجب عليها عندما تواجه مصيبة بحجم قتل الحسين (ع) من التحلي بالصبر والثبات وجميل العزاء والرضا بقضاء الله والتسليم لأمره, والصبر عند نزول بلائه، ومواجهة الموقف بصلابة وقوة حتى لا يشمت الأعداء.

 ويحتمل أيضاً أن يكون المعنى: انها (ع) قد بلغت مراتب عالية جعلتها أهلاً لتلقي الإلهامات الإلهية وأصبحت محلاً  لنور العلم الذي يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده.

وقد يكون قذف العلم بالقلب عن طريق الإلهام, وقد يكون بواسطة الملك المحدث كما هو الحال بالنسبة لسلمان الفارسي وغيره من الأخيار.

فهي عالمة غير معلمة من أحد من الناس, وإن كانت معلمة بعلم الله وتوفيقه وتأييده.

أما الأمر الثاني وهو وفاتها ومكان دفنها: فالراجح أنها أقامت في أواخر حياتها في الشام, وتوفيت هناك ودفنت حيث مقامها في منطقة السيدة في دمشق.

 وهناك من يستبعد أن تكون قد دفنت في دمشق في بلد أعدائها وفي عاصمة الأمويين الذين قتلوا الحسين (ع).

ولكن هذا الاستبعاد ليس في محله لأن السيدة زينب(ع) هي تلك المرأة المجاهدة التي كانت تقلق الطغاة الأمويين, والتي كانت تقوم بدور كبير في فضح سياساتهم الجائرة، وهي التي كانت بحركتها وجرأتها وشجاعتها تألب الرأي العام ضد الحكام والمجرمين حتى كادت المدينة أن تنقلب على السلطة, فإذا كانت السيدة زينب(ع) على هذه الدرجة من التأثير في المدينة المنورة فإن خوفهم منها ومن دورها ونشاطها وحركتها سوف يكون كبيراً وسيسعون إلى رصد تحركاتها والتضييق عليها لشل حركتها.

وهذا يقتضي أن تكون بالقرب من السلطة المركزية وتحت نظرهم وفي منطقة معزولة يمكن رصدها فيها ومراقبتها ومتابعة تحركاتها.

ولذلك فإن من المعقول أن تكون السيدة زينب (ع) قد أجبرت من قبل السلطة على العيش في هذه المنطقة التي تسمى الزاوية, وتعيش فيها بعد طردها من المدينة، وأن تكون قد عاشت في هذه المنطقة فترة من الزمن ثم توفيت ودفنت حيث مقامها شامخاً.

اليوم عادت زينب غريبة مسبية مقيدة مكبلة محاصرة, تحاصرها الذئاب ويحاصرها الحاقدون واليزيديون الجدد، يحاصرون مقامها ويتربصون به.

 ألا يكفي زينب مصابها بأخيها الحسين وهو مقطع الأوصال مدرج بالدماء على أرض كربلاء؟

ألا يكفي زينب فاجعة مصابها بأخيها أبي الفضل العباس وهو مقطع اليدين؟

ألا يكفي زينب أن تسبى في التاريخ, وينقل بها من بلد إلى بلد مقيدة بالأغلال والسلاسل؟

ألا يكفيها كل ذلك؟ حتى تسبى من جديد, وتظلم من جديد, وتحاصر من جديد, وتصبر من جديد, وتتحمل المصائب والآلام من جديد.

يا سيدتنا لقد كنت كالجبل الصلب لم تهزمه المصائب ولا الآلام, سيبقى مقامك شامخاً كما كنت..

سيبقى صوتك مدوياً في وجه كل الحاقدين..

(فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين).

الحمد لله رب العالمين