القادة الشهداء والتأسيس لمراحل المقاومة

ليس في دم الشهيد خسارة إطلاقاً حتى بالمعنى المادي, بل الدم ربيّح دائماً, لأن الشهيد وإن كان يرحل عنا ونخسر به عنصراً فاعلاً مخلصاً, إلا أن تضحية وإيثار شهيد واحد يخلق ويصنع روح الإيثار والتضحية عند العشرات بل المئات من الأشخاص, ويكون قدوة لهم في الإيثار والتضحية والقوة والفاعلية والإخلاص. 

 

 

 

خلاصة الخطبة

الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 15-2-2015: المقاومة هي مشروع حياة وكرامة ولا يمكن للإنسان أن يتخلى عن سلاحه وهو في وسط المعركة.

أكد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن الناس وبالرغم من مرور سنوات على استشهاد القادة الشيخ راغب والسيد عباس والحاج عماد لا تزال تحفظ وصاياهم ووصيتهم بحفظ المقاومة.

وقال: بالرغم من مرور كل هذه على استشهاد السيد عباس لا تزال الناس تُصغي للسيد عباس ولوصيته الأساس .. ولا تصغي ولن تصغي لكل أولئك الشتّامين والمتواطئين     والحاقدين الذين يريدون أن تنتهي المقاومة.

واعتبر: أن المسألة ليست بالبساطة التي يقاربون بها موضوعاً تاريخياً ثقافياً استراتيجياً كمسألة المقاومة وسلاح المقاومة.

وختم بالقول: عليهم أن يعرفوا أن المقاومة بالنسبة إلينا هي مشروع حياة وعزة وكرامة وبقاء ووجود واستمرار, ولا يمكن للإنسان أن يتخلى عن سلاحه وهو في وسط المعركة..

نص الخطبة

في ذكرى القادة الشهداء نستحضر معنى الشهادة ومفهوم الشهادة وقيمة الشهادة.

 الشهيد قدوة صالحة في طريق العاملين في سبيل الله.

عندما يتحول الشهيد إلى قدوة للعمل الصالح وللعطاء وللتضحية في حياة الناس, يستطيع أن ينقل هذه القيم من جيل إلى جيل.

من خصائص الشهيد القدوة في الحياة الاجتماعية أنه يُسهّل نقل القيم الأخلاقية والإيمانية والجهادية والحضارية من جيل إلى جيل.

من خصائص القدوة انه يعمق قيم الإيثار والصدق والإخلاص والوفاء والتضحية والعطاء في حياة الناس.

قد يتصور بعض الناس أن الشهادة تُفقد الأمة النخبة الصالحة من أبنائها, أو أنها تُفقد الأمة المخلصين والمبدعين والأوفياء, تُفقد الأمة الطاقات الكبيرة وما تحمل هذه الطاقات والشخصيات من قيم ومزايا إيمانية وأخلاقية وجهادية..

ولكن الأمر على العكس تماماً, فإن الشهادة لا تعتبر خسارة مهما كانت قيمة الشهيد وحجم الشهداء وعدد الشهداء, ليست الشهادة خسارة بل ربح ونمو وتطور وبركة في حياة الأمة..

والذي يوضح هذه الحقيقة الإيجابية عن الشهادة, ما ورد عن رسول الله (ص), فقد خطب النبي (ص) في المدينة في اليوم الذي استشهد فيه زيد وجعفر وعبد الله بن رواحة في حرب مؤتة مع الروم وأخبرهم باستشهاد القادة الثلاثة .

فبكى أصحاب النبي وهم حوله، فقال النبي (ص): وما يبكيكم؟

قالوا: وما لنا لا نبكي وقد ذهب خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا؟

فقال لهم: لا تبكوا, فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها فأصلح رواكبها (أغصان النخل المتدلية) وبنى مساكنها، وحلق سَعَفَها (ورق النخل القاسي) فأطعمت عاماً فوجاً، ثم عاماً فوجاً، فلعل آخرها طعماً أن يكون أجودها قُنواناً (عنقود الرطب) وأطولها شمراخاً (الغصن الذي عليه بلح ورطب) والذي بعثني بالحق نبياً ليجدن عيسى بن مريم في أمتي خلفاً من حوارييه.

إذن ليس في دم الشهيد خسارة إطلاقاً حتى بالمعنى المادي, بل الدم ربيّح دائماً, لأن الشهيد وإن كان يرحل عنا ونخسر به عنصراً فاعلاً مخلصاً, إلا أن تضحية وإيثار شهيد واحد يخلق ويصنع روح الإيثار والتضحية عند العشرات بل المئات من الأشخاص, ويكون قدوة لهم في الإيثار والتضحية والقوة والفاعلية والإخلاص.

الشهادة موت للفرد وولادة  للأمة.

شهادة الشهداء الكبار تمنح الأمة الكثير من البركات, وتأسس لمستقبل جديد ومرحلة جديدة.

الشهادة تمنح القضية زخماً جديداً, ودفعاً سريعاً, وتطوراً كبيراً.

الشهادة تدفع المسيرة نحو الانتصار وتحقيق الإنجازات, خصوصاً عندما تصيب الشهادة الكبار.

هناك الكثير مما يجمع بين القادة الشهداء, من الإيمان إلى الصدق والوفاء والإخلاص والتواضع ومحبة الناس والثبات والعمل الدؤوب والجهاد المتواصل.

 كل واحد من هؤلاء القادة بات بفعل الجهاد والاستشهاد, وبفعل التضحية ودم الشهادة, عنواناً ورمزاً لمرحلة معينة, هو رمز لمرحلة تاريخية في مواجهة العدوان الصهيوني الدائم والمستمر.

لقد مرت المقاومة في أكثر من مرحلة خلال العقود الماضية:

لقد كانت مواقف الشيخ راغب حرب وكذلك شهادته تأسيساً لمرحلة جديدة من المقاومة, من سنة 1982 إلى 1985 كانت المرحلة مرحلة استنهاض الناس وكسر الخوف وبعث الأمل والإحساس بالقوة والقدرة على التحرير والنصر, وإطلاق المقاومة الشعبية إلى جانب المقاومة المسلحة, مقاومة الاعتصام والتظاهر والحجارة والزيت المغلي، هذه المرحلة كان عنوانها الشيخ راغب الذي رفض المصافحة لأن المصافحة اعتراف ورفض أن يبتسم في وجه الجنود المحتلين وكان يرفض أن يستسلم حتى لو هدموا بيته على رأسه.

وكان ينتقل من مكان إلى مكان, ومن مسجد إلى مسجد, ومن حسينية إلى حسينية, ومن بلدة إلى بلدة, يستنهض الناس ويبعث فيهم روح الشجاعة والأمل والثقة بالله, فكانت المقاومة المسلحة والشعبية التي ألحقت الهزيمة بالاحتلال, في تلك المرحلة جاءت شهادة الشيخ راغب حرب لتعطي المقاومة دفعاً قوياً وسريعاً, ولتنجز المقاومة انتصارها سنة 1985 بطرد الصهاينة من الجبل وبيروت وصيدا وصور والنبطية, ليختبئ الاحتلال خلف التلال في الشريط الحدودي المحتل.

في السادس عشر من شباط 1992 عندما استشهد السيد عباس ومعه زوجته وطفله جاء استشهاده ليكون عنواناً لمرحلة جديدة للمقاومة.

فقد انطلقت المقاومة بعد 92 في خط تصاعدي في حركة مدروسة ومخططة ودقيقة من 16 شباط 92 إلى 25 أيار 2000 لتصنع الانتصار الكبير في ذاك العام.

دم السيد عباس مع دم الشيخ راغب مع دماء كل الشهداء.. أوصل المقاومة إلى كل بيت وإلى كل قلب وإلى كل وجدان على امتداد العالمين العربي والإسلامي.

هذا الاحتضان للمقاومة مكّن المقاومة من أن تتطور وأن تؤسس للمرحلة الثالثة.

في المرحلة الثالثة كان عنوان المقاومة الحاج عماد مغنية, مرحلة تطوير عمل المقاومة, وتحول المقاومة من حرب عصابات إلى مدرسة قتالية جديدة, مرحلة الانتصارات وتوازن الرعب مع العدو, هذه المرحلة كان الحاج عماد إلى جانب اخوانه من أبرز عناوينها .

شهادة الحاج عماد ودم الحاج عماد سيزيل إسرائيل من الوجود إن شاء الله.

وبالرغم من مرور سنوات على استشهاد الشيخ راغب والسيد عباس والحاج عماد لا يزال الناس يحفظون وصاياهم ووصيتهم بحفظ المقاومة, وباتوا يعلمون هذه الوصايا لأبناءهم وأحفادهم والأجيال الآتية.

بالرغم من مرور كل هذه على استشهاد السيد عباس لا تزال الناس تُصغي للسيد عباس ولوصيته الأساس .. ولا تصغي ولن تصغي لكل أولئك الشتّامين والمتواطئين     والحاقدين الذين يريدون أن تنتهي المقاومة.

المسألة ليست بالبساطة التي يقاربون بها موضوعاً تاريخياً ثقافياً استراتيجياً كمسألة المقاومة وسلاح المقاومة.

عليهم أن يعرفوا أن المقاومة بالنسبة إلينا هي مشروع حياة وعزة وكرامة وبقاء ووجود واستمرار, ولا يمكن للإنسان أن يتخلى عن حياته وحريته وبقاءه.. ولا عن سلاحه وهو في وسط المعركة..

والحمد لله رب العالمين