الأمن الاجتماعي والمجتمع الآمن

الله سبحانه وتعالى يريد للمؤمن أن يكون آمناً على نفسه في مجتمع المؤمنين، فلا يخاف من أخيه أن يروعه أو يهدده أو يخيفه، سواء كان ذلك من خلال عمل يقوم به بنفسه، أو من خلال قوة سلطان أو حزب أو عشيرة أو جماعة معينة.

خلاصة الخطبة

الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 1-3-2015: مسؤولية اللبنانيين أن لا يكونوا بيئة حاضنة للجماعات التي تريد الفتنة في البلد.

رأى سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن أخطر ما يواجهه اللبنانيون اليوم هو الفلتان الأمني الذي يعصف بالبلد.

 

وحمّل مسؤولية هذا الفلتان لتيار المستقبل والمجموعات السلفية التي نبتت في البيئة الحاضنة التي وفرها تيار المستقبل لها, خصوصاً في الشمال والبقاع و صيدا.

واعتبر: أن أول من يتحمل مسؤولية ملف الإسلاميين الموقوفين في السجون هو تيار المستقبل, لأن توقيفهم تم في زمن رئاسة سعد الحريري للحكومة, وليس في زمن رئاسة نجيب ميقاتي للحكومة.

ولفت: الى أن الخطير في هذه القضية وضعها لتكون أحد عناصر التأجيج المذهبي, ووضعها في سياق الصراع مع الشيعة عموماً ومع حزب الله خصوصاً.

وقال: إن تيار المستقبل والقوى السلفية يدفعون بالصراع المذهبي إلى حدود الفتنة, بهدف استرجاع ما خسروه من السلطة.

وأكد: أن مسؤولية اللبنانيين جميعاً أن لا يكونوا بيئة حاضنة للجماعات التي تريد الفتنة في البلد, ومسؤولية الدولة أن تضرب بيد من حديد كل الجماعات التي تسول لها نفسها  ضرب الاستقرار وتخريب السلم الأهلي بين اللبنانيين.

نص الخطبة

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: [لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف].

هناك نعمتان قرن القرآن بينهما:

الأولى: نعمة الكفاية من الرزق والعيش [أطعمهم من جوع].

والثانية: نعمة الأمن، الأمن على النفس وعلى العرض وعلى المال [وآمنهم من خوف].

وفي المقابل, فان شر ما يبتلى به المجتمع أن يفقد الإنسان فيه كفاية العيش, ويفقد الأمن، أن يُحرم من الكفاية والأمن، ويبتلى بالجوع والخوف.

القرآن يقول: [وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون].

والأمن الاجتماعي حاجة ضرورية لأي مجتمع, لأنه يتعلق بأبناء المجتمع بمختلف شرائحهم, ذكوراً وإناثاً, كباراً وصغاراً, نساءاً ورجالاً.

وكذلك يدخل الأمن الاجتماعي في مختلف مجالات الحياة، على الصعيد الأمني، السياسي، الاجتماعي، التربوي، الثقافي، الصحي، الاقتصادي، المعيشي، الخ...

الأمن الاجتماعي ركيزة أساسية كي يشعر أبناء المجتمع بالأمان والإطمئنان, ولكي يتمتعوا بحياة كريمة ومستقرة.

نعمة الأمن من النعم الجليلة, وهي نعمة كبرى أنعم الله بها على الإنسان, ولا يمكن أن يهنئى الإنسان وهو مهدد في نفسه أو ماله أو عرضه.

[الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف].

ولذلك كان من مزايا الجنة أنها دار آمن, أول أناس يدخلون الجنة يقال لهم: [أدخلوها بسلام آمنين] [أدخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون], ولذلك تسمى دار السلام, ودار الأمان.

يوسف (ع) عندما دخل أبواه وأخوته عليه في مصر, كان أول شيء قاله لهم: [أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين].

وأول شيء يبحث عنه الإنسان هو الأمن.

لذلكيقول رسول الله (ص): من أصبح منكم آمناً في سربه (بيئته) معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيز له الدنيا.

 أي من كان يعيش الأمن ويتمتع بالصحة وكفاية العيش, فكأنه ملك الدنيا وما فيها, وأحاط بكل خيراتها..  فعندما يأمن الإنسان على نفسه في البيئة التي يعيش فيها وفي المجتمع, ويأمن على سلامة بدنه من الأمراض والأسقام, ويأمن على رزقه وماله وممتلكاته, فكأنه ملك الدنيا كلها..وهذا هو الأمن الشامل.. في الحياة.

ويقول رسول الله (ص): لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه.أي شره وضرره.

ويقول (ص): مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد, إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

والله سبحانه وتعالى يريد للمؤمن أن يكون آمناً على نفسه في مجتمع المؤمنين، فلا يخاف من أخيه أن يروعه أو يهدده أو يخيفه، سواء كان ذلك من خلال عمل يقوم به بنفسه، أو من خلال قوة سلطان أو حزب أو عشيرة أو جماعة معينة.

فالمؤمن لا بد أن يتحمل مسؤولية أخيه المؤمن ليكون آمناً، وليشعر أن الله سبحانه هو القادر على أن ينزل به الخوف إذا أنزل الخوف بأخيه المؤمن.

وهذه نقطة لا بد لنا من أن نراقبها في أنفسنا, لأننا نعيش في مجتمع صار فيه الناس لا يأمن بعضهم من بعض, لا تأمن الزوجة من زوجها في أن يضربها من غير مبرر أو أن يظلمها في حقوقها، ولا يأمن الجار الضعيف من الجار القوي.

لقد أصبح الناس يخافون من صاحب القوة والسلطة, أو ممن يحتل موقعاً سياسياً أو حزبياً أو عسكرياً, لأنه يستغل قوته في تهديدهم وإخافتهم من أجل الوصول إلى ما يريد.

ولذلك لا يجوز ترويع الناس أو إخافتهم أو تهديدهم من أي كان.. لا يجوز تهديد الناس لا بالسلاح ولا بأي شيء آخر، كما لا يجوز سحب السلاح في وجه الآخرين, أو إطلاق النار تخويفاً لهم مهما كان السبب.

ولذلك يقول رسول الله (ص) كما جاء في الحديث عن الإمام الصادق (ع): من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها, أخافه الله عز وجل يوم لا ظل إلا ظله.

لاحظوا, النبي (ص) يتحدث عن النظرة، أن تنظر إلى زوجتك نظرة لتخيفها بها، أو تنظر إلى ولدك نظرة مخيفة, أو إلى جارك، أو إلى العامل أو الموظف أو الخادم لديك.. فاذا كان مجرد النظر المخيف يستوجب إخافة الله .. فكيف بما هو فوق ذلك, كسحب السلاح وإطلاق النار وغير ذلك.. مما نمارسه بحق بعضنا البعض في حياتنا اليومية.

هناك من يسيطر على بعض الأحياء بقوة التهديد, ويفرض الخوات على الناس، ويفرض إرادته على الناس, ويخيف الناس بكل ذلك.

هناك من يخيف الناس بقوة غيره, فيهدد الآخرين بقوة حزبه, أو بقوة السلطة, أو بقوة صاحب نفوذ أو منصب أو موقع عسكري أو غيره, إن من يفعل ذلك يستحق دخول النار، فالله عز وجل يرى ويراقب ويتوعد من يفعل ذلك بالنار.

ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال: (من روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النار). يعني لو هدد إنسان إنساناً آخر بسلطان قادر على أذيته والإضرار به، ولكنه لم ينجح في مشروعه فلم يصبه بأذىً أو ضرر فهو في النار, بسبب هذا التهديد وهذا التخويف, هذا إذا لم ينجح في مخططه ومشروعه للإضرار به.

أما إذا نجح ووشى به إلى سلطان فأضره وألحق به الأذى, فإن النتيجة ستكون أن الله سبحانه يحشر هذا الإنسان مع فرعون في النار.

فالحديث يقول: (ومن روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه) سعى به إلى السلطان ليحبسه فحبسه أو ليضر به فأضر به أو ليخرجه من وظيفته فأخرجه (فهو مع فرعون وآل فرعون في النار).

وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) أيضاً: (من أعان على مؤمن بشطر كلمة) أي تعين عليه فشهد ضده زوراً (لقي الله عز وجل يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمتي) أي أن الله يطرده من رحمته, ورحمة الله التي وسعت كل شيء لا تسع هذا الإنسان, رحمة الله الذي يأمل حتى إبليس أن ينالها, يُحرم منها ذلك الإنسان الذي يعين الظالمين على أخيه المؤمن.

وقد ورد في الحديث: إن لله رحمة في يوم القيامة يتطاول لها عنق إبليس. فكيف بك إذا كتب بين عينيك وعلى جبينك آيس من رحمة الله.. لماذا؟ لأنك أعنت على مؤمن بشطر كلمة، فكيف إذا كان الإنسان يتجسس لأعداء الله؟ أو يسعى بين الناس لإيقاع الفتنة بينهم، فكيف سيكون مصير هذا الإنسان..؟

كيف يكون مصير الإنسان الذي يهتك حرمات الآخرين وكرامات الآخرين, وحرمة المؤمن وكرامته أعظم من الكعبة.

فعن الصادق (ع) أنه كان يحدث بعض أصحابه بجانب الكعبة فقال: أترى هذه الكعبة كم لها من حرمة؟ قال: بلى, قال: إن الله جعل حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة سبعين مرة.

لذلك علينا أن نراقب أنفسنا, أن نراقب أعمالنا وسلوكنا وأقوالنا، وأن نفكر أننا مسؤولون عن كل خطوة وعن كل عمل وعن كل موقف, وأننا سنسأل يوم القيامة عن كل أعمالنا.

علينا أن نفكر في ذلك اليوم الذي نقف فيه بين يدي الله للحساب.

إن أخطر ما يواجهه اللبنانيون اليوم هو الفلتان الأمني الذي يعصف بالبلد.

والمسؤول عن هذا الفلتان بالدرجة الأولى هو تيار المستقبل والمجموعات السلفية التي نبتت في البيئة الحاضنة التي وفرها تيار المستقبل لها, خصوصاً في الشمال وعلى الحدود الشمالية وفي البقاع وفي صيدا.

يحرص تيار المستقبل ومعه التيارات السلفية القريبة منه على اصطناع قضية اسمها مظلومية السنًة في لبنان.

ويضعون لائحة فيها مجموعة من الأمور التي يعتبرونها مظالم, وفي مقدمها ملف الإسلاميين الموقوفين في السجون, بالرغم من أن أول من يتحمل مسؤولية هذا الملف هو تيار المستقبل, لأن توقيفهم تم في زمن رئاسة سعد الحريري للحكومة, وليس في زمن رئاسة نجيب ميقاتي للحكومة.

طبعاً الخطير هنا, هو أن هذه القضية توضع لتكون أحد عناصر التأجيج المذهبي, وتوضع في سياق الصراع مع الشيعة عموماً ومع حزب الله خصوصاً.

يدفع هؤلاء وفي مقدمهم تيار المستقبل والقوى السلفية بالصراع المذهبي إلى حدود الفتنة, بهدف استرجاع ما خسروه من السلطة, هم يردون السلطة بأي ثمن.

أمام هذا الواقع هناك مسؤوليتان:

الأولى: مسؤولية الناس واللبنانيين جميعاً في أن لا يكونوا بيئة حاضنة للجماعات التي تريد الفتنة في البلد, علينا أن نطرد هؤلاء من صفوفنا لأنهم غرباء على نسيجنا الوطني.

والمسؤولية الثانية: هي مسؤولية الدولة, في أن تضرب بيد من حديد كل الجماعات التي تسول لها نفسها  ضرب الاستقرار وتخريب السلم الأهلي بين اللبنانيين.

مسؤولية الجيش والقوى الأمنية وضع حد لهؤلاء الذين يريدون إحداث الفتنة بين اللبنانيين، وعدم التهاون في ضربهم. وهذا ما ينتظره اللبنانيون من الدولة حتى يأمنوا على أنفسهم وعلى بلدهم.

 

والحمد لله رب العالمين