الصبر والثبات في مواجهة التحديات

الصبر والثبات والصمود والعزم والشجاعة كلها عناوين ضرورية لمواجهة الضغوط والتحديات الداخلية والخارجية التي يتعرض لها الإنسان في مسيرة حياته، هي عناوين ضرورية للتغلب على المشاكل والمصائب والأحداث التي يواجهها الإنسان في طريق الوصول إلى أهدافه 

 

خلاصة الخطبة:

الشيخ دعموش: الذين فجروا في الضاحية وفي السفارة الإيرانية لن ينالوا من معنويات هذا الشعب ولا من إرادته وخياراته.

أكد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن الذين فجروا في الضاحية وفي السفارة الإيرانية لن ينالوا من معنويات هذا الشعب ولا من عزيمته وإرادته وخياراته.

وقال: هؤلاء يتصرفون من موقع إحباطهم وهزيمتهم وفشلهم وفشل مشروعهم في أكثر من موقع, هؤلاء ينطلقون من أحقادهم، وهم الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة في كل تاريخهم على إسرائيل..

ولفت: الى أن إسرائيل لم تستطع أن تنال من عزيمة وإرادة وصبر هذا الشعب. مخاطباً التكفريين: أنتم أعجز من أن تنالوا من عزيمته أو تكسروا إرادته.

واعتبر: أن لا التفجير في السفارة الإيرانية ولا كل التفجيرات يمكن أن توصلكم إلى نتيجة أو تنقذكم من الفشل أو تعوض عن هزائمكم المتتالية, لن تستطيعوا بأعمالكم الوحشية أن تغيروا المعادلات والتوازنات لا في الداخل اللبناني ولا على المستوى الإقليمي, لن تتمكنوا من أن تنالوا أو تكسروا مظاهر القوة والعزة والاحتضان الشعبي الواسع للمقاومة التي تجلت في مجالس ومسيرات عاشوراء واليوم العاشر من محرم..

وخاطب الذين يقدمون التبريرات للإرهابيين في الداخل بالقول: لقد برهنتم مرة جديدة أنكم تفتقرون إلى الحد الأدنى من الحس الوطني والإنساني والأخلاقي، وعندما تبررون للإرهابيين جرائمهم فأنتم تهيئون الناس للخضوع لإملاءاتهم ولشروطهم ومطالبهم.. ونحن وشعبنا نأبى الخضوع للإرهابيين, ولن نتراخى أمامهم مهما كانت الظروف.

 

نص الخطبة

[يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون]. البقرة 153 ـ 157.

الصبر والثبات والصمود والعزم والشجاعة كلها عناوين ضرورية لمواجهة الضغوط والتحديات الداخلية والخارجية التي يتعرض لها الإنسان في مسيرة حياته, هي عناوين ضرورية للتغلب على المشاكل والمصائب والأحداث التي يواجهها الإنسان في طريق الوصول إلى أهدافه, وبدون الصبر والثبات سواء في المقاومة والجهاد أو في أي عمل آخر لا يمكن أن يصل الإنسان إلى الغايات والنتائج التي يرجوها ويتمناها.

فلا بد أن يكون الإنسان صبوراً وقوياً وشجاعاً حتى لا تزلزله المصائب, ولا تضعفه الصعوبات والضغوط، ولا تحبطه المشاكل والابتلاءات والتحديات, وهذا ما يدعو إليه الإسلام في جميع المراحل والظروف التي يعيشها الإنسان.

لقد تجلت هذه العناوين بأوضح معانيها في عاشوراء وخاصة في ظروف الخوف والقلق والفتن والاضرابات وفي الظروف الصعبة والقاسية المحفوفة بالمخاطر والبلاء في كل مراحل عاشوراء, في مرحلة المواجهة والقتال والمقاومة على أرض كربلاء في اليوم العاشر, وفي رحلة السبي والأسر وما رافقها من آلام ومصاعب وقسوة..

في مرحلة المواجهة والقتال في كربلاء تجلت روحية الصبر والصمود والثبات والتصميم على المواجهة والعزم على القتال في شخصية الإمام الحسين (ع) وأصحابه وأهل بيته.

 لقد كان الإمام (ع) منذ اليوم الأول لخروجه ونهضته وثورته وحتى صبيحة اليوم العاشر من محرم يشترط فيمن يريد الإنضمام إليه والالتحاق به والجهاد بين يديه: أن يكون صابراً صامداً موطناً على لقاء الله نفسه (ألا ومن كان باذلاً فينا مهجته موطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحاً إن شاء الله).

ويروى: أن الحسين (ع) وقف في بعض المحطات في الطريق إلى كربلاء خطيباً في الناس وقال: أيها الناس فمن كان منكم يصبر حد السيف وطعن الأسنّة فيلقم معنا وإلا فلينصرف عنا.

طريق الحسين وخيار الحسين (ع) محفوف ومصحوب بالحصار والعطش والإرهاق والإهانات والجراحات والموت والأسر ومئات المخاوف والأخطار الأخرى.

ولذلك كان الحسين (ع) يشترط لصحبته ومرافقته في نهضته الصبر والثبات والشجاعة والإرادة فيمن يلتحق به, حتى يستطيع أن يصمد ويستمر في ميدان المواجهة, وحتى يتمكن من مواجهة التحديات والأخطار.. فمن لا يملك صبراً وإرادة, من لا يتحمل المخاطر ولا يثبت في المواجهة, من يضعف وينكسر عند المصيبة, لا يليق أن يكون من أصحابه وليس أهلاً ليكون في معسكره وجبهته.

واليوم من يريد أن يمشي في طريق كربلاء وفي طريق الحسين (ع), من يريد أن يحمل لواء الحسين ويقاوم ويواجه إسرائيل وأدوات إسرائيل التكفيريين, اليوم الأجيال التي تحمل معاني عاشوراء وقيم كربلاء وتريد أن ترث الحسين (ع) وعاشوراء وكربلاء.. فإن طريق المقاومة والمواجهة وطريق الحسين (ع) محفوف بالمخاطر والتضحيات محفوف بالخوف والموت والجراح والمتفجرات والسيارات المفخخة.

على من يريد أن يمشي في هذا الطريق أن يصبر وأن يتحلى بكل هذه المعاني, عليه أن لا يخاف ولا يجزع ولا يهاب الأعداء ولا يتزعزع ولا ينهار ولا يضعف ولا يهن لهول المصاب ولعظيم البلاء، عليه أن يُعدّ نفسه لتحمل النوازل والبلاء والمصائب، بل أن يكون كما كان الحسين (ع) وأصحابه وأهل بيته قمة في الصمود والثبات.

فقد عبَّر الحسين (ع) عن عظيم صبره وتماسكه ورباطة جأشه في كل المراحل حتى في اللحظة التي فقد فيها أعز أصحابه وأهل بيته, فلم يهن ولم ينكسر ولم يتراجع, كان في تلك اللحظة يعود إلى الله وإلى إيمانه ليعبّر عن تسليمه ورضاه لقضاء الله.

فقد دعا (ع) لما اشتد به الحال وقال: صبراً على قضاءك يا رب, لا إله سواك, يا غياث المستضعفين, صبراً على حكمك ما لي سواك ولا معبود غيرك, يا غياث من لا غياث له.

وكان يُعلّم أصحابه الصبر ويحثهم عليه ويقول: صبراً بني الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم من البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة.

وفي رحلة السبي نجد هذه المعاني أيضاً, معاني الصبر والثبات والقوة والشجاعة والتسليم والرضا بقضاء الله ومشيئته والعنفوان وإرادة التحدي تتجسد في شخصية الإمام زين العابدين (ع) وفي شخصية زينب وكل النسوة المسبيات, بالرغم من عظيم المصاب والآلام والجراح.

وبالرغم من كل المعاناة, معاناة السبي والأسر والقيد والسجن والقهر والبطش والوحشية التي عوملن بها, لم تسيطر عليهن الأحزان ولا الآلام ولا الهم ولا الغم ولم يشعرن بالإنكسار والهزيمة ولا بالإحباط والوهن ولم يستسلمن لهول المصاب..

بل نجد على العكس من ذلك, نجد الصلابة في مواجهة المصائب والدواهي, والتحمل للآلام والأحزان، نجد وخصوصاً في زينب(ع) التسليم والرضا والاحتساب والإيمان والتماسك والشجاعة والقوة والعزم والإرادة والعنفوان والعزة وإرادة تحدي الطاغية يزيد في عقر داره..  وهي التي خاطبته بكل شجاعة وقوة فقالت:

أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأُسارى أنّ بنا على الله هواناً وبك على الله كرامة، وأن ذلك لعظم خطرك عنده؟..

ولئن جرت عليَّ الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك, وأستعظم تقريعك, وأستكثر توبيخك..

اللهم خذ بحقنا وانتقم ممن ظلمنا واحلل غضبك بمن سفك دمائنا وقتل حُماتنا، فوالله ما فريت إلا جلدك ولا حززت إلا لحمك, ولَتَرنَّ على رسول الله (ص) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته.. فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد؟! وجمعك إلا بدد؟ يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين.

نحن نتعلم من زينب (ع) الشجاعة والعنفوان, وأن المصائب مهما كانت كبيرة لن تضعفنا ولن تكسرنا, وأن الأعداء مهما كان كيدهم وإجرامهم وجبروتهم عظيماً لن يؤثروا فينا, لا في عزيمتنا ولا في إرادتنا وإيماننا, لن ينالوا منا قيد أنملة.. لن يدفعونا نحو التراجع, بل إن كيدهم سيزيد من عزيمتنا وإرادتنا وتصميمنا على المضي فيما نحن فيه ما دمنا على الحق.

[إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم وإن تُصبكم سيئةٌ يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدُهُم شيئاً إن الله بما يعملون محيط]. آل عمران/ 120.

لقد كنا هنا على الدوام في لبنان وكان أهلنا الشرفاء والأوفياء من أهل الصبر والثبات, لم تضعفهم الأحداث ولم تكسرهم المصائب.

لم تستطع كل مكائد العدو وأحقاده وحروبه وإرهابه أن تنال من إرادتهم وعزيمتهم وإيمانهم والتزامهم خيار المقاومة..

لقد خرجتم من حرب 33 يوماً مرفوعي الرؤوس منتصرين..

خرجتم أكثر صلابة وقوة وإرادة وتصميماً على المضي في طريق المقاومة, وأكثر استعداداً للعطاء والتضحية، بالرغم من الدمار والقتل والإرهاب والوحشية التي مارسها العدو بشكل لم يسبق له مثيلاً في تاريخ الحروب الإسرائيلية.

لقد أراد العدو خلال حرب تموز معاقبتكم لأنكم احتضنتم المقاومة ودعمتم المقاومة وصنعتم هذه المقاومة.

كان يريد أن يبعدكم عن المقاومة, أن يألب الرأي العام اللبناني وجمهور المقاومة, لنخرج ونقف ضد المقاومة.

ولكن كانت المفاجأة أنكم وقفتم لتعبروا عن عظيم وعيكم وإيمانكم وعزيمتكم والتفافكم حول المقاومة, لقد تعاطى أهل الضاحية والجنوب والبقاع وبقية المناطق بمسؤولية وعنفوان ومعنويات عالية وعبروا عن أملهم بهذه المقاومة وعن ثقتهم ومحبتهم لهذه المقاومة, ولا ننسى مشاهد الناس من رجال ونساء وعوائل الشهداء عندما كانوا يقفون على أطلال منازلها المدمرة ليقولوا:  هذا كله فداء للمقاومة.

لقد عجز العالم كله عن أن يأخذ مشهداً خاطئاً من النازحين أو من الذين دمرت بيوتهم وأرزاقهم أو من عوائل الشهداء.

واليوم في مواجهة أدوات إسرائيل وفي مواجهة التكفيريين نقف نفس الموقف.. اليوم جمهور المقاومة وشعب المقاومة بما يمتلك وبما يحتضن ويختزن من ثقافة وحكمة ووعي وإيمان وإرادة وصبر سيواجه التحديات والأخطار الجديدة..

والذين يفجرون في الضاحية وفجروا في السفارة الإيرانية لن ينالوا من معنويات هذا الشعب ولا من عزيمته وإرادته وخياراته.

هؤلاء يتصرفون من موقع إحباطهم وهزيمتهم وفشلهم وفشل مشروعهم في أكثر من موقع, هؤلاء ينطلقون من أحقادهم، وهم الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة في كل تاريخهم على إسرائيل.. يأتون اليوم ليفجروا أحقادهم في الأبرياء من الناس.

إسرائيل لم تستطع أن تنال من عزيمة وإرادة وصبر هذا الشعب. أنتم.. أعجز من أن تنالوا من عزيمته أو تكسروا إرادته.

لا التفجير في السفارة الإيرانية ولا كل التفجيرات يمكن أن توصلكم إلى نتيجة أو تنقذكم من الفشل أو تعوض عن هزائمكم المتتالية, لن تستطيعوا بأعمالكم الوحشية أن تغيروا المعادلات والتوازنات لا في الداخل اللبناني ولا على المستوى الإقليمي.

لن تتمكنوا من أن تنالوا أو تكسروا مظاهر القوة والعزة والاحتضان الشعبي الواسع للمقاومة التي تجلت في مجالس ومسيرات عاشوراء واليوم العاشر من محرم..

وللذين تكلفوا في تقديم التبريرات للاعتداء الإرهابي الذي حصل نقول: لقد برهنتم مرة جديدة أنكم تفتقرون إلى الحد الأدنى من الحس الوطني والإنساني والأخلاقي، وعندما تبررون للإرهابيين جرائمهم فأنتم تهيئون الناس للخضوع لإملاءاتهم ولشروطهم ومطالبهم.. ونحن وشعبنا نأبى الخضوع للإرهابيين, ولن نتراخى أمامهم مهما كانت الظروف.

 

 

والحمد لله رب العالمين