ندوة "التربية الأسرية والمناهج التعليمية في الرؤية الإسلامية" 16-5-2017

بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لرحيل العلامة الشيخ مصطفى قصير(رض)، نظّم مركز الأبحاث والدراسات التربوية والمؤسّسة الإسلامية للتربية والتعليم  ندوة مشتركة تحت عنوان "التربية الأسرية والمناهج التعليمية في الرؤية الإسلامية" وذلك في قاعة الشهيد محمد باقر الصدر(قده)- ثانوية المهديّ(عالحدث عصر يوم الثلاثاء الواقع فيه 16/5/2017..

الندوة حضرها كلٌّ من المستشار الثقافي الإيراني السيد محمد مهدي شريعتمدار، ورئيس جامعة المعارف الدكتور علي علاء الدين، والمسؤول الثقافي لمنطقة بيروت فضيلة الشيخ ياسر فلحه، ومدير عام جمعية قبس الحاج علي زريق، والمدير المركزي لمدارس المصطفى الحاج حسين الزين، وممثل عن جمعية المبرات الخيرية، ووفود وفعاليات من المؤسّسات والجمعيات الدينية والتعليمية، فضلاً عن عائلة الراحل الشيخ مصطفى قصير.

افتتحت الندوة، التي قدمتها الإعلامية سوزان الخليل، بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، بعدها كانت كلمة لمدير عام مركز الأبحاث والدراسات التربوية الحاج عبد الله قصير، فأشار إلى تركيز عمل مركز الأبحاث والدراسات التربوية على موضوع التربية الأسرية في هذا العام، مما دفعه لاختيار الموضوع نفسه ليكون عنواناً للذكرى السنوية.لافتاَ إلى الجهد المبذول من المركز في دعم وتوجيه الأبحاث الاكاديمية في الجامعات في مرحلتي الماجستير والدكتوراه والتي تتقاطع في مضامينها مع التربية الأسرية".

المداخلة الأولى كانت لمدير عام المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم الدكتور حسين يوسف تحت عنوان :" التربية الأسرية والمناهج التعليمية: دراسة في المفهوم".

تركّز حديثه حول إشكالية الوقوع على تحديد واضح وشامل لمجالات التربية الأسرية، نظراً للإرتباط الوثيق بين هذه المجالات وبين الثقافة السائدة في المجتمع، مقترحاً سبعة مجالات لهذه التربية الأسرية بالإستفادة من المقاربات التربوية المعتمدة في المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم والمستفادة بشكلٍ رئيسي من الأدبيات التربوية لوثيقة التحول البنيوي للتربية والتعليم في جمهورية إيران الإسلامية، وبالإستفادة أيضاً من قراءات سريعة متصلة بمناهج التربية الأسرية، الصريحة أو غير المباشرة، في أربع دولٍ إسلامية وعربية هي إيران ولبنان والمغرب والسعودية؛ وقد طالت المجالات المهارات الإجتماعية، والغذاء و التغذية، الأمومة والطفولة، والتربية الدينية والقيمية والأخلاقية للأبناء، والأمن والسلامة في المنزل والمحيط الخارج، والإنفاق والاستهلاك وأخيراً السكن والتدبير المنزلي.

أما مداخلة نائب رئيس المجلس التنفيذي سماحة الشيخ علي دعموش فكانت تحت عنوان:" التربية الأسرية في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة" حيث أكد على اهتمام القرآن والسنة بالتربية الأخلاقية والاجتماعية اهتماماً كبيراً، حيث وجَّها الآباءَ إلى ممارسة دورهم التربوي والأخلاقي، وترسيخ القيم الأخلاقية والسلوكية كالصدق والأمانة والقيم الإجتماعية كردَّ السلام، وآداب الإستئذان عند الدخول واختيار الصحبة الصالحة وما شاكل ذلك...

أما المداخلة الأخيرة فكانت لمديرة مركز سكن للإرشاد الأسري الاستاذة أميرة برغل، حيث قدمت شرحاً مفصلاً عن الأسرة وموضوعاتها في المناهج التعليمية في مختلف المراحل الدراسية لتخلص الى ضعف الاهتمام بالأسرة، منبّهةً الى مخاطر ما تتناوله بعض الدروس في توصيفها للأسرة ودور كل فرد فيها

وفي الختام، كانت مداخلات عدة للحضور فضلاً عن بعض الأسئلة التي وجهوها للسادة المحاضرين.

نص كلمة الشيخ دعموش:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. 

التربية الأسرية الصحيحة من الأمور الهامة التي حث عليها القرآنالكريم والسنة النبوية الشريفة، وعندما ندقق في القرآن والسنة النبوية نجدهما يجعلان الأسرةَ أساس بناء المجتمع، ويحيطانها بمجموعة كبيرة من التشريعات والقيم والأخلاق التي تضمن لها الجديةَ والتماسك والنجاح والسعادة والمساهمة في تحقيق الاستقرار للمجتمع .

 وقد اشتمل القرآن الكريم وكذلك السنة النبوية على العديد من الآيات والأحاديث والوقائع التاريخية المتضمنة أصولاً في التربية، ووجها نحو تربية أسرية شاملة تشمل كل مكونات الأسرة وأركانها الأساسية: بدءاً بالعلاقات الزوجية ودعوة الأزواج (الزوج والزوجة) الى مراعاة الحقوق والواجبات، مروراً بالعلاقات الأسرية بين الوالدين والأبناء ، وصولاً الى أصول التعامل مع عموم الأرحام.

وعندما نتأمل في  مجموع الآيات والأحاديث سنجد أنها ركزت على ثلاثة مجالات أساسية في التربية الأسرية هي:

1-    التربية العقائدية (الأيديولوجيا)

2-    التربية الحقوقية القانونية.

3-    التربية الأخلاقية والإجتماعية.

وحيث إننا لا نستطيع في هذه الفرصة المحدودة أن نبين كل الأصول والقواعد التربوية التي أرساها القران والسنة في في هذه المجالات فإننا سنكتفي  بالإشارة الى نماذج منها.

أولاً: التربية العقائدية: وجه القران وكذلك السنة النبوية الأسرة الى تحمل مسؤولية تربيةَ أبنائها على العقائد والمبادىء  والقِيَم والأفكار الصحيحة وهدايتهم إليها كما يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} ؛ وكما قال رسول الله(ص) ((ما مِن مولُودٍ إلا يُولدُ على الفِطرةِ، فأبواهُ يُهوِّدانِهِ أو يُنصِّرانِهِ أو يُمجِّسانِهِ.

فمن واجب الأسرة - ونحن في عصر اختلطت فيه المفاهيم والقِيَم لدى كثيرين - أن تعمِدَ إلى ترسيخ الإيمان بالله والتوحيد ونبذ الشرك ورفض عبادة غير الله لدى أبنائها منذ السنوات الأولى، باعتبار أن ذلك يجعل لدى الأبناء المناعة اللازمة ضد الأفكار والعقائد المنحرفة، ويمنحهم الحصانةَ الكافية لمواجهة التحديات والشبهات والمغريات والمؤثرات التي يواجهونها في حياتهم ، لا سيما في ظل الغزو الثقافي والحرب الناعمة التي تواجه مجتمعاتنا.

وهذا هو نهج الأنبياء والرسل الذي اتبعوه في تربية أولادهم وفي تربية المجتمعات الإنسانية  .

فنلمح في القرآن كيف حرَص إبراهيم - عليه السلام - على تربية أبنائه على مبدأ التوحيد:﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم: 35]، وفي موضع آخر: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 128]،

ويعقوب بن إسحاق - عليهما السلام - جمع أولاده الاثني عشر  وهو على فراش الموت وأوصاهم بالتزام عقيدة التوحيد: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ البقرة: 1333]، وهكذا

وفي وصية لقمان لأبنه قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ لقمان: 13

ونجد في آيات أخرى أسلوب القرآن في توجيه أفراد الأسرة وتربيتهم على أداء العبادات والفرائض والقيام بالمسؤوليات المختلفة التي كلفهم الله بها كالصلاة والزَّكَاةَ وَالأَمَر بِالْمَعْرُوفِ وَالَنهَي عَنِ الْمُنْكَرِوالثبات والصبر في مواجهة التحديات وغير ذلك.

فقد جاء في وصية لقمان - عليه السلام- قولُه تعالى:﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ لقمان: 17

وكان ذلك سلوك الأنبياء جميعا ، قال تعالى حكاية عن ابراهيم:  ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ إبراهيم: 40

في هذه الآية دعاءٌ من إبراهيم - عليه السلام - لذريته بالثبات على إقامة الصلاة، والبُعد عن عبادة الأصنام

 وقال تعالى في خطابه لنبينا (ص): ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ طه: 132

  ذكر الله لنا نماذجَ أخرى، في قوله تعالى-: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ مريم: 54، 55

 وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ الحج: 41.

ثانياً: التربية الحقوقية : حيث إن القرآن الكريم وكذلك السنة النبوية وضعا مجموعة كبيرة من التشريعات التي تربي الأسرة على وعي الحقوق والواجبات ومراعاة المسؤوليات الشرعية المادية والمعنوية التي تنظم العلاقات الأسرية بما يضمن استقرارها .

فنجد القران يحدد في كثير من الآيات الواجبات والحقوق المتوجبة على الزوجين، ووواجبات الآباء تجاه الأبناء والعكس، والتشريعات المتعلقة بالأرحام والأقرباء، كالمهر والنفقة والميراث والمعاشرة بالمعروف ومراعاة قواعد العدل في التعامل مع الزوجات وغير ذلك.

يقول تعالى في مجال وجوب إنفاق الزوج على زوجته، ولو كانت غنيَّة، يقول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، ويقول في المهر : {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]، وفي حسن المعاملة: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، ويقول الرسول (ص): (أَكْمَلُ المؤمنينَ إِيمانًا أحسَنُهُم خُلُقًا، وخِيارُكُمْ خِيارُكُم لِنِسائِهِم) ويقول(ص): (خيرُكُم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي).

و فيما يخص حقوق الزوج على زوجته، كإ طاعة الزوج في غير معصية، وحفظه في غيابه والحفاظ على أسراره يقول تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]، ويقول {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}الى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تتحدث عن حقوق الآباء على الأبناء وحقوق الأبناء على الآباءَ وسائر التشريعات المتعلقة بالحياة الزوجية والحياة الأسرية عموما.

ثالثًا: التربية الأخلاقية والإجتماعية:فقد اهتم القرآن والسنة بالتربية الأخلاقية والإجتماعية إهتماما كبيراً ووجَّها الآباءَ إلى ممارسة دورهم التربوي الأخلاقي، وترسيخ القيم الأخلاقية والسلوكية كالصدق والأمانة والقيم الإجتماعية كردَّ السلام، وآداب الإستئذان عند الدخول واختيار الصحبة الصالحة وما شاكل ذلك.

يقول تعالى في التربية على الأمانة:﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً ﴾ الأحزاب: 72

ويقول تعالى في الصبر: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ الزمر: 10.

 وعن النبي (ص) في موضوع السلام: (لن تدخُلُوا الجنَّة حتى تُؤمنُوا، ولن تُؤمنُوا حتى تحابُّوا، ألا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتُموه تحاببتُم؟ أفشُوا السَّلام بينكُم)

وقال تعالى في  آداب الاستئذان داخل البيت قبل البلوغ وبعده: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 58].

وفي مجال ربط الأبناء بالصحبة الصالحة، فقد حذَّر القرآن الكريم من رفقاء السوء؛ في قوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا * وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً ﴾ الفرقان: 25 - 28

هذه نماذج يسيرة جداً ولمحات مما اشتمل عليه القرآن والسنة في مجال التربية الأسرية .

تحديات التربية:

هناك عوامل خارجية دخلت على خط التربية الأسرية حيث لم تعد الأسرة مستقلة في التأثير على أبنائها بل باتت تشاركها البيئة الاجتماعية بمؤثراتها المختلفة التي قد تكون معرقلة ومربكة لها في كثير من الأحيان، وفي هذا العصر تضاعف  تأثير البيئة الاجتماعية على العملية التربوية من حيث دور التعليم ووسائل الإعلام وتطور وسائل الاتصال الاجتماعي والمعلوماتي مما زاد في تعقيد وصعوبة مهمة التربية داخل الأسرة.

فاليوم تواجه التربية الأسرية العديد من التعقيدات والمشكلات ، منها:

1-    مشكلة الدور العائلي :

 حيث إن ضعف الدور العائلي في مجال التربية والتنشئة هو من أهم أسباب الحالات التي تعيشها الكثير من المجتمعات البشرية مثل الجرائم، المخدرات، الانحرافات الأخلاقية والسلوكية، وفي هذا المجال لا بد من التركيز على الدور العائلي وعلى ماهية ونوعية التربية حيث إن ممارسة التربية دون إتقان لا تؤتي الثمار المرجوة منها.

وضعف الدور العائلي في التربية غالباً ما يعود الى سببين أساسيين:

انشغال الوالدين بتحقيق متطلبات الحياة، وإسناد التربية في بعض الأحيان إلى دور الحضانة وإلى الخادمات.

إلهاء الأولاد باستخدام التقنية الحديثة مثل الحاسوب وأجهزة التلفاز والألعاب الألكترونية المتنوعة، وفي ذلك مشكلة كبيرة حيث إن الكثير من البرامج والمسلسلات والألعاب تتضمن أفكاراً هدامة أو غير سليمة.

2-    مشكلة العنف الأسري:

هناك انتشار لحالات العنف الأسري في مجتمعاتنا، حيث نجد بسهولة التعدي على الحلقات الضعيفة داخل الأسرة كالأطفال والنساء. وقد يتجرأ البعض ليمارس عنفاً شديداً بمبرر التربية والتأديب. ورغم أن الاسلام أجاز التأديب إلا أنه وضع له ضوابط صارمة ومن يتعداها فإن الاسلام أوجب الدية والقصاص.

إننيأدعو في ختام هذه المداخلة إلى:

أولاً: ضرورة دراسة أصول التربية الأسرية في القرآن الكريم كاملاً وفق دراسة موسوعية شاملة ومتكاملة.

ثانياً:إعتماد مادة التربية الأسرية في المناهج التعليمية.

 ثالثاً: ضرورة إقامة دورات تأهيلية للشباب والشابات المقبلين على الزواج وإشعارهم بماهية ونوعية المسؤوليات الملقاة على عاتقهم.

رابعاً: ضرورة دراسة علم النفس الاجتماعي وفق منظور قرآني باعتبار ان القرآن هو المصدر الأول للتشريع وذلك لمجابهة العولمة وآثارها على المستوى الفردي والاجتماعي.

خامساً: الدعوة إلى إنشاء مراكز لإعادة التأهيل النفسي ومعالجة أشكال التفكك الأسري.

                                                                  وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين