مقابلة مع مجلة بقية الله حول المجالس الحسينية واقعها وسبل النهوض بها وإصلاح شوائبها.

 يعود تاريخ إقبال الناس على المجالس الحسينية وتفاعلهم معها  إلى بدايات تأسيس هذه المجالس في الأوساط الشعبية العامة،ولعل هناك أكثر من عامل يقف وراء تسرب هذه الذكرى إلى الوجدان الشعبي والإقبال الجماهيري الواسع على مجالسها

أسئلة المقابلة حول المجالس الحسينية

1-            شهد إحياء مراسم عاشوراء في السنوات الأخيرة إقبالاً جماهيريا ملحوظا. ما هي أسباب ودلالات هذا الإنتشار الواسع للمجالس الحسينية.

 

2-             تطرح في الصحف دائماً إشكاليات حول إقامة المجالس الحسينية ومنها "إن إقامة هذه المجالس هو بحث لكوامن العداء بين المسلمين وإيقاظ للفتنة. كيف يتم التعامل مع هذه الإشكاليات والرد عليها؟

 

3-            يجري التداول أحياناً عن ضرورة إخراج المجالس الحسينية من الوجدان الشيعي إلى الوجدان الإسلامي العام بل إلى تعميمها لتخاطب جميع الناس على اختلاف اديانهم وانتماءاتهم الفكرية. كيف ولماذ؟

 

4-            قامت الوحدة الثقافية في العام 1999 بتنظيم المؤتمر العاشورائي الأول،وكان هدفه تقييم المجالس الحسينية ودراسة سبل تطويرها وإصلاح شوائبها. ما هي هذه الشوائب وكيف تم معالجتها؟

5-            تضمنت أوراق عمل المؤتمر عنوان " تحديد أولويات الخطاب الموجه إلى الناس في المجالس" بماذا خرج المؤتمرون حول هذا الموضوع؟

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

سؤال رقم -1- :

       يعود تاريخ إقبال الناس على المجالس الحسينية وتفاعلهم معها  إلى بدايات تأسيس هذه المجالس في الأوساط الشعبية العامة،ولعل هناك أكثر من عامل يقف وراء تسرب هذه الذكرى إلى الوجدان الشعبي والإقبال الجماهيري الواسع على مجالسها:

-                    العامل الأول هو العامل العقيدي، فثورة الإمام الحسين (ع) ثورة إسلامية قام بها إمام معصوم من أجل تصحيح الانحراف الذي كانت تمارسه السلطةالظالمة،وهي ثورة دفعت إلى القيام بها مبادئ الإسلام واحكامه بهدف تنبيه الأمة على واقعها السيء. ودفعها باتجاه تحسين هذا الواقع وإصلاحه وقد ادرك جميع الناس الواعون انتماء هذه الثورة إلى الإسلام وهذا ما جعلها تدخل إلى وجدان الناس فيحيون ذكراها ويقبلون على مجالسها.

-                    العامل الثاني: هو دعوة أئمة أهل البيت (ع) إلى عقد هذه المجالس والحضور فيها والتفاعل معها وإظهار الحزن والبكاء على مصاب أبي عبد الله (ع) مع ما لذلك من الفضل والثواب والأجر الجزيل.

-                    العامل الثالث: طبيعة المأساة التي حصلت في كربلاء، فإن الثورة من بدايتها حتى نهايتها كانت فاجعة تثير الحزن والأسى العميق، ولذلك فقد تمتعت هذه الفاجعة بجاذبية غير عادية رفعتها إلى مستوى إنساني عام بالإضافة إلى بعدها الديني.

-                    العامل الرابع: التطور النوعي الذي شهده المجلس الحسيني في السنوات الأخيرة حيث غدا المجلس الحسيني مؤسسة ثقافية اجتماعية سياسية تبث العلم والمعرفة والوعي الديني والاجتماعي والسياسي والجهادي والتاريخي، وتعالج مختلف القضايا المعاصرة. بحيث أصبح الناس يشعرون بالاستفادة من هذه المجالس، فصاروا يرتادونها بشكل واسع.

-                    العامل الخامس: المناخ الذي صنعته المقاومة الإسلامية في لبنان، فإن العامل الجهادي والاستشهادي للمقاومة الإسلامية في لبنان في مواجهة الاحتلال الصهيوني يعتبر امتدادا لكربلاء وتظهيرا معاصرا لبعض صورها ومشاهدها المشرقة والتي قدمت نموذجا عاشورئيا راقيا. واستطاعت بالتالي أن تجتذب الاهتمام  إلى عاشوراء وذكراها بفيض دماء شهدائها الأطهار،وتضحيات المجاهدين والجرحى والأسرى والذين هم أولا وأخيرا. تلامذة المدرسة الكربلائية الحسينية.

هذه العوامل وغيرها ساهمت إلى حد كبير في تفاعل الناس مع المجالس الحسينية خاصة تلك التي تعقد في أيام عاشوراء. 

سؤال رقم -2- :

       إن بعض هذه الإشكاليات ناشئ من سطحية في النظرة إلى المجالس الحسينية من قبل أشخاص لا يملكون أية ثقافة دينية فضلا عن إلهام ولو أفقي بمنطلقات ثورة الإمام الحسين(ع) وأهدافها وموقعها في التخطيط العام لمسيرة الأمة.

       كما أن بعضها ناشئ من نظرة ذات خلفية سلفية تعصبية غير واعية تنظر إلى كل من خالفها نظرة عدائية لا تتسم بشيء من الموضوعية والعقلانية.

       إن القول بأن إقامة هذه المجالس هو نبش لرواسب تاريخية مضت أو بعث لكوامن العداء بين المسلمين وإثارة للفتنة، منطق يتصادم مع ابسط ما قامت عليه الحضارات على امتداد التاريخ البشري وما توافقت عليه الأمم والشعوب على اختلافها، واختلاف انتماءاتها الفكرية والسياسية. حيث توافقت هذه وتلك على تخليد ذكرى عظمائها الذين صنعوا لها أمجادها وحققوا لها انتصاراتها وحفظوا لها تراثها ودافعوا عن مقدساتها، والإمام الحسين (ع) حتى لو نظرنا إليه بمنظار عادي ما هو إلا عظيم من اولئك العظماء الذين ساهموا بكتابة التاريخ الإنساني وقدموا نموذجا رفيعا في الجهاد والعطاء والتضحية والإستشهاد من أجل المبادئ والقيم والمقدسات. فكيف إذا نظرنا إلى الإمام الحسين (ع) كما هو ديدن كل ائمة المذاهب الإسلامية وفقهائها على أنه سبط رسول الله محمد (ص)خاتم النبيين وريحانته من الدنيا وإمام قام أو قعد، بكاه الرسول الله (ص) في حياته وأخبر عن ربه بأنه سيكون شهيد هذه الأمة وأبا الأئمة (ع) وسيد شباب أهل الجنة ومصباح الهدى وسفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى.

       إن الشيعة عندما يحيون ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه إنما يقومون نيابة عن الأمة جميعها بما فرضه الله على المسلمين من وجوب تعظيم شعائر الله، ومودة ذوي قربى رسول الله (ص) يطلبون بذلك مرضاة الله وشفاعة نبيهم (ص) وأهل بيته (ع) لا نكاية بأحد ولا قصداً لإثارة فتنة، كيف وهم ينظرون إلى الفتنة كأكبر المحرمات عند الله وإذا رافقت بعض الهنات إقامة المجالس في بعض الأماكن فإنما هي من تصرفات بعض الجاهلين ولا تعدو أن تكون التصرفات فردية وعفوية لاقيمة لها ولا دلالة.    

 

سؤال رقم -3- :

لأن ثورة الإمام الحسين (ع) ثورة إسلامية وفكرها فكر إسلامي، ومن كونها كذلك فهي من إسلام العهد الأول الطاهر البهي، الإسلام الإنساني الذي يختص الناس جميعاً حتى غير المسلمين ويريد ويقر العدالة والكرامة والحرية للناس جميعا حتى لغير المسلمين.

والثورة الحسينية انبثقت في الاساس من حركة احتجاج على وضع منحرف غير عادل وغير إنساني، ومثلت قيم ومفاهيم أخلاقية وإنسانية عامة. ولذلك لا ينبغي أن تعطى الذكرى الحسينية مضمونا طائفيا شيعيا على حساب جوانبها الإسلامية والإنسانية العامة. بل ينبغي أن يعم فكرها وقيمها ومفاهيمها وإخراجها من الدائرة الطائفية إلى الدائرة الإسلامية والإنسانية العامة.  

 

سؤال رقم -4- :

       لم يكن من أهداف المؤتمر إصلاح الشوائب لأنه اساسا لا نسلم بأن في المجالس الحسينية شوائب وسلبيات وثغرات بالحجم الذي يتصوره البعض حتى يبادر المؤتمر إلى إصلاحها أو إلى وضع مقترحات لمعالجتها، نعم كان أحد أهم اهداف المؤتمر الثقافي العاشورائي هوتقييم ودراسة السبل الكفيلة بتقديم وبيان النهضة الحسينية العظيمة بما يتناسب أولا مع عظمة الذكرى / الحادثة وأهدافها الكبرى، وبما يحفظ ثانيا قداسة وأصالة وجوهر المجالس الحسينية وفوائدها الروحية والتربوية، وبما يلبي ثالثا طموحات وأمال هذا المد الشعبي الكبير المتعاطف والمتفاعل ممع الذكرى في لبنان والذي بدأنا نشهد تصاعده المتنامي والمستمر في السنوات الأخيرة مما يجعل مسؤوليتنا جميعا كبيرة وثقيلة، ورابعا بما يمكن من توظيف هذه المناسبة إلى أقصى حد ممكن في خدمة الإسلام المحمدي الأصيل وتبليغه وتوضيحه وتكريسه ودعوة الناس جميعا للالتزام به وهوما استشهد الإمام الحسين (ع) من أجله.

       وقد استطاع المؤتمر أن يخرج بنتائج مهمة على هذه الصعد حيث تم وإلى الأن وضع كتاب موحد حول مقتل الإمام الحسين (ع) وأصحابه تحت عنوان (المصيبة الراتبة) وقد تم توزيعه قبل عاشوراء السنة الماضية حيث اعتمدت قرائته في معظم المجالس في اليوم العاشر من محرم سنة 1451 هـ. كما أن اللجنة الدائمة للمؤتمر تعمل على وضع تصور لمعهد المنبر الحسيني الذي يعنى بإعداد وتأهيل الخطباء وقراء العزاء، كما تم وضع تصور لمادة تاريخية موثقة حول وقائع وأحداث النهضة الحسينية وهناك أكثر من سعي لإجراء بعض المقررات التي أوصى بها المؤتمر في بيانه الختامي.

سؤال رقم -5- :

       اعتبر المؤتمر أن خصائص المضمون الفكري والثقافي للثورة الحسينية هي نفسها خصائص المضمون الفكري للإسلام والتي من أهمها الربانية والوحدانية والشمول والإيجابية والتوازن والثبات والواقعية والمجالس الحسينية التي تقام في عاشوراء وفي غيرها من المناسبات ما هي إلا منابر لبلورة وبث مفاهيم الإسلام ومبادئه وقيمه وأحكامه وتشريعاته الروحية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والجهادية وغيرها.... والإمام الحسين (ع) لم ينهض إلا من أجل هذا الإسلام العظيم وحمايته وحماية الأمة من اليد التي حاولت أن تعيدها إلى حياة الجاهلية الأولى. ومن هنا فإن فكر المجالس الحسينية وخطابها ليس خطاباً أو فكراً متقوقعا منكفئا على الذات، وإنما هونفس الفكر الذي تحدى به الإسلام الدنيا وصارع أفكار الحضارات الأخرى فصرعها وحاورها فغلب منطقه منطقها. وكما أن من خصائص المضمون الفكري والخطاب الثقافي العاشورائي إنه رباني، فمن خصائص قيادة الثورة لهذا الفكر أنها ربانية أيضا، فالإمام الحسين (ع) هو في عقيدتنا الإمام المعصوم المنصوص عليه بالإمامة إمامة القيادة والحكم وإمامة العلم على لسان رسول الله (ص) وهو الحلقة الثالثة في سلسلة تضم إثني عشر إماما معصوما أولهم الإمام علي (ع) وآخرهم المهدي (عج) ينضم بين اجزائها رباط إلهي مقدس هو عبارة عن النص بالإمامة.

وقد اكد المؤتمرون على ضرورة التركيز في الخطاب الموجه إلى الناس في المجالس الحسينية على بلورة هذه الخاصية الربانية في شخص القائد، لما لها من أثر كبير في نفي كل ما من شأنه أن يمس قدسية كل موقف من مواقفه أو تصرف من تصرفاته في الحرب والسلم حتى لا يتوهم الناس أن هناك تناقضا بين معصوم وآخر في موقف من المواقف أو في تصرف من التصرفات كما في صلح الإمام الحسن (ع) مع معاوية، وثورة الإمام الحسين(ع) على يزيد الطاغية إذ أن كل إمام من أئمة أهل البيت (ع) إنما يقوم بما يفرضه عليه موقعه ودوره الذي حدده الله تعالى له ورسمه عندما جعله للناس إماماً.

       كما نبه المؤتمرون على ضرورة التركيز في الخطاب العشورائي على الجانب التشريعي في الإسلام ودوره في تنظيم حياة الفرد والمجتمع ليتحول ذلك إلى جعل الناس يتحركون بملكة تعم ثقافة الحكم الشرعي لدى الأمة، والتركيز أيضا على شخصيات أصحاب الإمام الحسين (ع) في كربلاء ودلالات تنوعهم واختلافهم في البيئة والعنصر والجنس والسن والطبقة الاجتماعية، لما في ذلك من دروس تشحذ الأمة كل الأمة على ضرورة وحدتها بكل فئاتها وطبقاتها في مواجهة الظالمين والطغاة والمستكبرين. كما شدد المؤتمر على ضرورة إعطاء دور المرأة اهتماما أكبر وأكثر في المجالس الحسينية وإبراز اهميتها في الإسلام وبيان احكامها الحقوقية والشرعية كزوجة وأم وبنت، كصانعة للأجيال وداعمة لعظماء الرجال والتركيز على جوانب العظمة والجهاد والتضحية في النساء اللواتي عشن محنة كربلاء ومدى ارتباطهن بالله وانقطاعهن إليه سبحانه وتعالى.

       وأكد المؤتمر أيضا ضرورة التركيز على بعض المفاهيم الإسلامية العامة التي كانت في منطلقات ثورة الإمام الحسين (ع) كالحرية والعبودية، والعدالة والظلم، والاثرة والإيثار والشجاعة والجبن والصدق والكذب والرحمة والقسوة والوفاء والخيانة وغير ذلك والتركيز أيضا على حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتباره كان في أصل أهداف الإمام (ع) في ثورته. وبيان موقعية ثورة الإمام المهدي (عج) من التخطيط الإلهي العام للبشرية ومحاولة الربط بينها وبين ثورة كربلاء من حيث المنطلقات والأهداف، إلى غير ذلك من الموضوعات الفكرية والثقافية والسياسية التي تحتاجها الساحة.

 

 

سؤال رقم -6- :

       الجانب العاطفي أمر ضروري في المجالس الحسينية،لما للعاطفة من دور كبير في احتضان الفكر، فهي لا تقل أهمية في حياة الإنسان عن أهميته فيها، فليس الإنسان عقلاً فقط  بل هو روح وقلب ومشاعر وأحاسيس، والعاطفة قد تكون في كثير من الأحيان أكثر أثرا وأكبر في ربط الإنسان بأخيه الإنسان، والثقافة العاشورائية هي الكفيلة بشحذ تلك العاطفة لتجعل صاحبها يعيش بروحه مع الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه وتشد نفسه وعقله وقلبه لينفتح على مفاهيم الإسلام وشعارات الإمام الحسين (ع) في ثورته.

       لكن مع كل ذلك ليس إثارة الجانب العاطفي على أهميته هو الوظيفة الوحيدة التي تؤديها المجالس الحسينية، فنحن نعتقد أن الذكرى الحسينية كما ارادها أهل البيت (ع) هي مناسبة للتربية، ومناسبة لاحتواء واكتساب المفاهيم الإسلامية الأصيلة وتطبيق هذه المفاهيم. فقد أرادأهل البيت (ع) لعاشوراء وللمجالس الحسينية أن تؤدي وظيفة سياسية بالإضافة إلى الوظيفة الاخلاقية والعاطفية، فالمجالس التي اقامها أهل البيت (ع) في عام61 للهجرة وما تلاها كانت لها وظيفة سياسية وتربوية.

       السيدة زينب (ع) نفيت من المدينة إلى مصر ليس لأنها كانت تقيم مجلس عزاء مجرد. إذ لماذا يكون مجلس العزاء سببا للنفي إذا كانت السيدة زينب تجلس مع النساء وتبكي فقط؟ مجالس العزاء كانت لها وظيفة سياسية وجهادية، فقد كانت مجالس الثورة على الطغاة والمستكبرين والجائرين  ومجالس الوعي والعلم والمعرفة. وكانت لهذه المجالس وظيفة حياتية حيث كانت تهدف إلى تربية كوادر جهادية تملك روحية الجهاد و الاستشهاد في سبيل الله وتصنع للناس حياة عزيزة، وكانت المجالس الحسينية تبرز أمام الناس جيلا بعد جيل لونا ومستوى من الروحية والأخلاق التي تجسدت في أنصار الإمام الحسين في كربلاء رجالا ونساء، فكربلاء هي مظهر إيماني وروحي وأخلاقي وجهادي رفيع المستوى، والمجالس الحسينية وظيفتها أن تبرزهذه المظاهر لتتربى الأجيال على أساسها.