حوار مع جريدة العهد حول مؤتمر عاشوراء الاول

لقد تمكنت المجالس الحسينية في السنين الأخيرة وبفضل وتوفيق وتسديد من الله عز وجل، وبفعل الجهود التي بذلها المنظمون لها في المناطق والمحاضرون والخطباء، وبفعل تعلق الناس بعاشوراء وبدماء سيد الشهداء من أن تحقق تطورات شكلية ذات أهمية كبرى، ابرزها كثرة هذه المجالس وتوسع انتشارها في مختلف المناطق والبلدات والقرى على امتداد الوجود الإسلامي في لبنان.                          

بسم الله الرحمن الرحيم

1-              ما هو الدافع لإقامة هذا المؤتمر اليوم؟ وما هي الآفاق التي تنشدونها؟

تميزت المجالس الحسينية التي اقيمت هذا العام في مختلف المناطق اللبنانية بدرجة عالية من التنظيم والإدارة، كما تميزت بالحشود الكبيرة والحضور المميز للناس فيها.

ونحن نعتقد أن المجالس الحسينية في السنين الاخيرة تمر بمرحلة جديدة لم تمر فيها في المراحل، لا من حيث التنظيم والإدارة، ولا من حيث الامتداد والتوسع والانتشار وحجم المجالس، ولا من حيث الحضور الشعبي ومستوى التفاعل وتنوع الحضور.

لقد تمكنت المجالس الحسينية في السنين الأخيرة وبفضل وتوفيق وتسديد من الله عز وجل، وبفعل الجهود التي بذلها المنظمون لها في المناطق والمحاضرون والخطباء، وبفعل تعلق الناس بعاشوراء وبدماء سيد الشهداء من أن تحقق تطورات شكلية ذات أهمية كبرى، ابرزها كثرة هذه المجالس وتوسع انتشارها في مختلف المناطق والبلدات والقرى على امتداد الوجود الإسلامي في لبنان.

كما حققت تطورات نوعية اهمها: اقتراب الخطاب العاشورائي من الحاجات الثقافية والتربوية الواقعية للناس، والتفاعل الكبير من قبل الناس مع هذه الذكرى وقيمها ومعانيها الإنسانية، وما شهدناه في مسيرات اليوم العاشر الحاشدة هذه السنة يدل على حجم التفاعل والمشاركة والحضور المميز.

إن التطور الشكلي والنوعي المطرد سنة بعد سنة في إحياء ذكرى عاشوراء والاقبال الكبير الذي تشهده المجالس الحسينية، واستثنائية الفرصة التي توفرها هذه المناسبة العظيمة والتي قد لا توفرها أية مناسبة اخرى للمحاضرين والخطباء في توجيه الناس، والتأثير فيهم، وبث الوعي الفكري والعقيدي والتاريخي والاخلاقي والجهادي والسياسي في نفوسهم، يضعنا امام مسؤوليات جديدة إن على مستوى ما يتعلق بالمجالس من حيث التنظيم والإدارة، أو على مستوى ما يرتبط بالمضمون والمحتوى الفكري والثقافي والتاريخي والتوجيهي الذي يطرح فيها، خصوصا وإن مضمون الخطاب العاشورائي لم يعد في كثير من الحالات موجها للشيعة وحدهم. وإنما بات يسمعه ويتفاعل معه غيرهم من الناس على تنوع انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية ،كما اصبح يثير اهتماما وجدلا على اكثر من صعيد في مختلف وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ولدى الكثيرين من الناس .

لذلك لم يعد المنبر الحسيني حالة خاصة بنا نمارسها بدون قيود أو ضوابط وبصورة عفوية تقوم على التساهل والتسامح، بل عاد مدخلا كبيرا للتعرف علينا، ودراسة هويتنا واختباراتنا الفكرية.

لقد اصبح العالم مكانا واحدا تنتقل فيه الكلمة بسرعة قصوى، كما اصبح يقراؤنا كل الناس، واصبحنا تحت المجهر،  فهناك من يرصد كلماتنا ويمكن أن يقتنص أية كلمة غير مناسبة ليملأ الدنيا بالضجيج ويصوغ منها مادة اتهام...

من هنا لا بد من إعادة تقييم للمجالس الحسينية من حيث المضمون الفكري والتاريخي، ومن تقويم المنبر الحسيني الذي يحمل رسالتنا وفكرنا للناس.

فإن المنبر الحسيني مثله مثل باقي شؤون الحياة المتحركة التي تحتاج إلى ملاحقة بالتقويم وتحديد المناهج واولويات الخطاب تبعا لحاجات المرحلة الثقافية والفكرية وغيرها.

لا بد من التقييم والتطوير بعد ان اصبحت مسؤوليات الخطباء كبيرة وثقيلة ومهمتهم شاقة بعد ان تغير الزمان ووضع المنبر الحسيني مباشرة أمام سمع العالم وبصره، عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وصار الناس يستمعون إلى اطروحتنا ويقرأون عقولنا وافكارنا ليحكموا علينا سلبا أو إيجاباً.

لذلك ومن اجل الوصول بالخطاب العاشورائي إلى المستوى الذي يتلائم مع الأهداف الكبرى للنهضة الحسينية، مع الحفاظ على صفة الاصالة والقداسة التي تحفظ للمجالس الحسينية قدسيتها الدينية وفوائدها الروحية والتربوية، كانت فكرة هذا المؤتمر، وهي فكرة كان قد اطلقها الأمين العام لحزب الله سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله قبل اكثر من سنتين، ليقوم هذا المؤتمر بتقييم الأساليب المتبعة في إحياء مراسم عاشوراء ودراسة سبل تطوير المراسم بما في ذلك دراسة وتقييم المجالس الحسينية من حيث المضمون الفكري ومن حيث المحتوى التاريخي والتأشير على اهم السلبيات التي قد تحصل على هذه الصعد ووضع الحلول لها ودراسة سبل العلاج والتطوير لرفع مستوى الخطاب العاشورائي إلى الدرجة الذي يلامس فيها واقع الناس ويلبي حاجاتهم الثقافية، ويكون قادرا على مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية والسياسية والجهادية المعاصرة، وان يساهم بشكل أكثر فاعلية في إغناء الإنسان وبناء ذاته وإثراء عالمه الداخلي وعلى التناغم مع واقعه الخارجي، وهذا هو ما ننشده من هذا المؤتمر.

 

2-ما هي المحاور التي سيتم مناقشتها؟

باعتبار أن المؤتمر يُعنى بتقييم ودراسة المجالس الحسينية من حيث المضمون والمحتوى الفكري والثقافي الذي يطرح فيها، فإن المحاور التي سيتم مناقشتها في اروقة المؤتمر هي ثلاثة محاور اساسية تتصل  بالهدف والغاية من المؤتمر وهي:

المحور الأول: دراسة المضمون الفكري للمجالس الحسينية حيث سيتم في هذا المحور:

-                    دراسة الاشكاليات التي طرحت من قبل الناس، وكذلك في الصحف ومختلف وسائل الإعلام حول عاشوراء في لبنان، وخاصة الاشكاليات المتعلقة بالمضمون الثقافي ليعرف ما يمكن معالجته إن كانت الإشكالية صحيحة، ورد الإشكالية إن كانت باطلة، وسوف يقدم المؤتمر خلاصة عن اهم الإشكاليات والسلبيات التي طرحت في الصحف ليتم مناقشتها.

-                    بحث خصائص المضمون الثقافي والتوجيهي العام الذي ينبغي أن يتناوله المحاضرون أو خطباء المنبر الحسيني في مجالس عاشوراء؟ والبحث في كيفية الارتقاء بالخطاب العاشورائي إلى المستوى الذي يلامس فيها الموضوعات التي تمس واقع الناس، وتعنيهم وتلبي حاجاتهم وحياتهم في الدنيا والآخرة.

-                    تحديد أولويات الخطاب الذي ينبغي توجيهه للناس في مجالس عاشوراء، والبحث في المجال التربوي الاخلاقي، والتاريخي والعقائدي والسياسي وغيرها .... وتحديد المفاهيم التي يجب التركيز عليها مما يحتاجه الناس على المستوى الثقافي والتربوي.

-                    كما يتم في هذا المحور البحث في كيفية التأسيس لخطاب استنهاضي عام، والبحث في سبل الارتقاء بالخطاب العاشورائي من خطاب طائفي إلى خطاب إسلامي عام. والبحث حول كيفية تعميم لغة المجالس الحسينية لتخاطب الناس على اختلاف اديانهم ومذاهبهم وانتماءاتهم الفكرية.

والمحور الثاني: دراسة المادة التاريخية لعاشوراء، وتركز الدراسة في هذا المحور على جانبين اساسيين لهما علاقة مباشرة بالخطيب الحسيني.

       الأول: جانب الوقائع والاحداث العاشورائية التي يستعرضه الخطيب في مجالسه.

       الثاني: الاشعار التي يختارها ليستخدمها بلغة النعي من أجل إثارة عواطف الناس ، والتأثير فيهم.

       في الجانب الأول يبحث المؤتمرون في كتب السيرة الحسينية (كتب المقاتل) التي تشكل المصادر الاساسية للمادة التاريخية فيحدد المصادر التي ينبغي اعتمادها والمصادر التي ينبغي الابتعاد عنها. ويبحث في كيفية تقديم مادة تاريخية عن عاشوراء نقية وصحيحة أو قريبة من الواقع، وفي نفس الوقت تحفظ جوهر وقداسة السيرة الحسينية ولا تثير إشكاليات معينة، كما يناقش المؤتمر إمكانية توحيد المصرع الحسيني الذي يتلى في اليوم العاشر، ومحتواه ومضمونه وخصائصه.

وفي الجانب الثاني: يدرس المؤتمر خصائص المادة الشعرية التي تستخدم في لغة النعي والمصادر التي ينبغي اعتمادها في اختيار هذه المادة، كما يدرس اللطميات الحسينية من حيث المضمون والشكل والاداء الفني بما في ذلك طريقة اللطم، ويضع مقترحات عملية لرفع مستوى اللطميات الحسينية.

المحور الثالث: هو شخصية الخطيب ولغة الخطاب وفنياته، حيث يتناول المؤتمرون في هذا المحور مناقشة:

-                    شخصية الخطيب، لجهة المواصفات والمؤهلات العلمية والفكرية وغيرها التي ينبغي أن تتوافر في شخصيته والتي يستطيع من خلالها أن يخاطب الناس بالفكر السليم ويؤثر فيهم وتحديد ذلك بصورة عملية قابلة للتطبيق.

-                    مناقشة دور المحاضر ودور خطيب المنبر الحسيني وما هو المطلوب منهما. وكيف نوزع المهمات بينهما؟ وكيف يتكاملان؟

-                    البحث في مستوى الخطاب الإسلامي العام، وعناصر الإثارة العاطفية والتأثير العاطفي والوجداني في الخطاب العاشورائي.

-                    كما يتناول المؤتمر في هذا المحور دراسة اللهجات والاطوار المتعددة التي يستخدمها الخطيب في لغة النعي، وبيان ما يتناسب منها مع الجمهور اللبناني الذي قد لا يفهم كثيرا من اللهجات المتبعة والمتداولة، وإمكانية إيجاد بديل عنها.

 

3- هل سيصدر عن المؤتمر توصيات أو منهج ورؤية عملية جديدة تدفع المجالس الحسينية نحو الهدف الذي ترجونه؟

       نحن نتجه بالمؤتمر اتجاها عمليا، وهذا ملاحظ من خلال المحاور والعناوين المطروحة التي سيعالجها المؤتمر، ومن خلال آلية عمل المؤتمر التي اعتمدت اسلوب اللجان المتخصصة لبحث تلك العناوين، ونحن نهيء الفرصة من خلال هذا المؤتمر لنخبة من اهل العلم والفكر والاختصاص والمهتمين ليتداولوا في هذه الموضوعات المهمة والحساسة ويبدوا وجهات نظرهم ومقترحاتهم العملية حول التطوير.

       وكلنا امل في أن يتوصل المؤتمرون إلى توصيات ومقررات مهمة على مستوى تطوير المنبر الحسيني والارتفاع به إلى المستوى الذي يتلائم واهداف النهضة الحسينية العظيمة، وأن يساهم في بلورة خصائص مادة تاريخية كربلائية صحيحة ومتناسبة مع الواقع اللبناني المتنوع، وأن يرسم بدقة أولويات الخطاب الإسلامي الثقافي والسياسي والجهادي في هذه المرحلة