مقالة بعنوان: عودة السبايا في العشرين من صفر إلى كربلاء

المشهور أن سبايا أهل البيت (ع) قد مروا حين عودتهم من الشام إلى المدينة على كربلاء، حيث نزلوا فيها في العشرين من صفر وشاركوا في زيارة الأربعين، " وقد وجدوا فيها جابر بن عبد الله الانصاري صاحب رسول الله (ص) الذي كان قد سبقهم إلى كربلاء مع جماعة من بني هاشم،

 ورجالا من آل رسول لزيارة قبر الحسين (ع)، فاجتمعوا في وقت واحد بالقرب من قبر الحسين (ع) وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم، واقاموا في كربلاء ثلاثة أيام ينوحون على الحسين  (ع) والمشهور ايضا حسبما صرح كثير من العلماء والمؤرخين أن السبايا والإمام زين العابدين (ع) قد اعادوا معهم إلى كربلاء رأس سيد الشهداء ودفن مع جسده الطاهر بعد أربعين يوما من استشهاده في العشرين من صفر.

       وقد دلت النصوص على أن عيال الحسين (ع) قد كانوا في العشرين من صفر في كربلاء وقد اعتبر بعض العلماء أن ذلك هو السبب في استحباب أو في تأكيد استحباب زيارة الأربعين. ([i])

       وقد استبعد السيد ابن طاووس رحمه الله إمكانية أن يصل موكب السبايا في طريق العودة إلى كربلاء في العشرين من صفر، وذلك لأن ابن زياد في الكوفة، كتب إلى يزيد في الشام يستأذنه في إرسالهم إليه ولم يرسلهم إلى الشام حتى عاد الجواب إليه وهذا وحده يحتاح إلى اكثر من عشرين يوما، إضافة إلى أنه روي أنهم اقاموا في الشام شهرا كاملا، مما يعني أن رحلة السبي استغرقت أكثر من أربعين يوما.

كما أن العلامة المجلسي استبعد ذلك بسبب أن الفترة الزمنية وهي مدة أربعين يوما غير كافية لكل تلك الأحداث التي حصلت للسبايا في الكوفة ثم في الشام ثم في طريق العودة إلى المدينة.

              إن هذا الاستبعاد يكون في محله إذا تبين أن مدة السفر والإقامة هي ما ذكره السيد ابن طاووس، لكن إذا تبين بقرائن اخرى أن مدة سفر السبايا وإقامتهم بالكوفة والشام هي غير ما اعتمد عليه السيد ابن طاووس، فإن النتيجة حينئذ ستكون مختلفة وهذا ما نعتقده لما يلي:

أولاً:  إن خبر سجن السبايا في الكوفة وإقامتهم الطويلة لدى ابن زياد حتى يأتيه الاذن بنقلهم إلى الشام لم يورده سوى الطبري، وهو مما لا يمكن الاعتماد عليه.

ثانيا: لو سلمنا بصحة القول بأن ابن زياد قد سجنهم حتى جاءه الاذن من الشام، فإن هذا ايضا يستغرق وقتا طويلا، وخاصة مع وجود البريد على انواعه في تلك المرحلة بل هو ليس بحاجة سوى إلى أيام قليلة جدا وخاصة للحكام والسلطة التي تملك طرقا خاصة للبريد وسرعة وصوله.

ثالثاً: أنه يستفاد من كلام السيد الأمين أن ثمة طريقا بين العراق والشام كان يقطع في اسبوع واحد فيمكن أن يكون قد تم السفر على هذا الطريق الذي لا يستغرق السفر عليه وقتا طويلا مما يجعل وصول موكب السبايا في العشرين من صفر إلى كربلاء وعدم استغراق رحلتهم أكثر من أربعين يوما أمرا ممكنا وغير مستبعد.

رابعاً: اتفق المؤرخون أن موكب السبايا تحرك من كربلاء إلى الكوفة في اليوم الحادي عشر من المحرم بعد الزوال.

وكما هو معروف فإن المسافة بين كربلاء والكوفة حوالي أربعة عشر فرسخا، وهذا يقتضي وصولهم إلى الكوفة نهاية اليوم التالي أي الثاني عشر من محرم.

ولم يبقوا في الكوفة مدة طويلة، لأن ابن زياد كان يخشى على نفسه من أن ينتفض أهل الكوفة بدافع من حميتهم وغيرتهم وندمهم على نصرة الحسين (ع). ولذلك نجد أن ابن زياد اتخذ مجموعة إجراءات امنية في الكوفة بعد وصول موكب السبايا خشية من أي تحرك قد يقدم عليه النادمون، فأمر أن لا يخرج أحد من أهل الكوفة بسلاحه، كما سير دوريات في الأسواق ووضع آلاف الجنود على مداخل المدينة وفي الطرق والشوارع.

ونقدر أن يكون قد بقي السبايا في الكوفة مدة يومين لا أكثر لأن ابن زياد كان يعرف أن بقاء السبايا لمدة طويلة سوف يحرك عند الناس مشاعر الندم وربما تصل الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، خصوصا أن اهل الكوفة تأثروا بحال أهل البيت وكلامهم وضجوا بالبكاء بعدما القوا عليهم اللوم واسمعوهم ما يستحقون من التقريع والتوبيخ.

       ولذلك كان لا بد لأبن زياد من الاسراع في إرسال السبايا إلى الشام وقد جاء في بعض المصادر أن ابن زياد جهز الرؤوس والسبايا في اليوم الثاني وأرسلهم إلى الشام.

       والمشهور عند المؤرخين أن الموكب دخل الشام في اليوم الأول من صفر، والظاهر أنهم لم يقيموا في الشام سوى سبعة أيام، ورحلوا في اليوم الثامن من صفر عائدين إلى كربلاء فالمدينة المنورة حسبما نص عليه الكثيرون.([ii])

       وجاء في المصادر التاريخية أنهم كانوا مدة إقامتهم في الشام ينوحون على الحسين (ع) ويندبونه ويقيمون المآتم عليه ([iii])

       ولا نجد من الاحداث في الشام ما يدل على مكوثهم أكثر من سبعة أيام،  خصوصا وأنه ليس من مصلحة يزيد بقائهم لفترة طويلة في الشام، خاصة وأن الناس بدأوا يعرفون الحقائق واخذوا يلتفون حول أهل البيت (ع) بعد خطبة الإمام زين العابدين (ع) وكلامه مع بعض أهل الشام.

       وتقول بعض المصادر أن مروان بن الحكم وبعدما اطلع على أن النساء أردن أن يهجمن على يزيد في داره أشار على يزيد الاسراع في إرسال السبايا إلى الحجاز، فهيأ لهم المسير وبعث بهم إلى المدينة ([iv])

       وبعد كل ما تقدم نستطيع أن نخلص إلى أن المدة المتبقية إلى العشرين من صفر هي ثلاثة عشر يوما، وهي كافية لقطع المسافة بين الشام وكربلاء، ولم تكن تستغرق مدة السفر من الشام إلى كربلاء أكثر من هذه المدة بل ربما قطعها البعض بأقل من ذلك، كما ورد في بعض النصوص التاريخية.

       ولذلك كله فإن إمكانية وصول موكب السبايا إلى كربلاء في العشرين من صفر سنة /61/* هـ ، واستغراق رحلة السبي من كربلاء إلى الكوفة إلى الشام ثم إلى كربلاء أربعين يوما فقط تصبح واردة جدا وفقا للمجريات الطبيعية.

والحمد لله رب العالمين

 

 


[i]  راجع: مثير الأحزان: 107 وزاد المعاد 402 والبحار في 98 و 332

[ii]البحار: 45/169

[iii]نفس المهموم: 431

[iv]المصدر: 412