الوفاء بالوعود (13)

الشيخ دعموش في الحديث الرمضاني 28-6-2016: الكذب بالوعد ظاهرة شائعة في مجتمعنا وما يجب أن ينتشر هو ثقافة الوفاء.من الأخلاق التي تعزز الثقة بين أبناء المجتمع وتدعو الى احترام من يتقيد بها, الوفاء بالوعد, يعني الإلتزام بما يعد به الإنسان ربه أو الناس الذين يعيش بينهم ومعهم.

والوفاء بالوعد نوع من أنواع الصدق, يقال للرجل: صادق الوعد إذا وفىَ بوعده.

وعلى العكس من ذلك فإن خلف الوعد ونقض العهد وعدم الوفاء به, يوقع الانسان في الكذب والنفاق, ويُفقد الإنسان ثقة الناس به, فيسقط من أعينهم, ويصبح غير محترم بين الناس, بل قد يؤدي إلى انتشار البغضاء والعداوة بينهم.

وقد ذم الله الأشخاص الذين يقولون ولا يفعلون ويعدون ولا يلتزمون بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُون﴾.

وعن النبي(ص): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف اذا وعد.

وعنه (ص): "أربع من كن فيه فهو منافق, وإن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر".

فالنبي (ص) يجعل الخلف بالوعد نفاقاً, لإن النفاق ليس إلا أن يظهر الإنسان غير ما يضمر , والذي يخلف الوعد إذا كان قاصداً عدم الوفاء من البداية يكون قد أظهر ما لا يضمر, وهذا هو النفاق.

وقد مدح اللَّه تعالى به نبيّه إسماعيل (عليه السلام) وأثنى عليه لوفائه في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً﴾.

 

 

ونبينا محمد(ص) كان شديد التقيد بالوعود التي يعطيها للناس.

عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إن رسول اللَّه (ص) واعد رجلاً إلى الصخرة فقال: أنا لك ها هنا حتى تأتي قال: فاشتدت الشمس عليه، فقال له أصحابه: يا رسول اللَّه لو أنك تحولت إلى الظل، قال: وعدته ها هنا وإن لم يجي‏ء كان منه المحشر".

فأين هذا من وعود السياسيين اليوم؟!.

وللأسف الشديد فإن الكذب بالوعد يشكل ظاهرة شائعة في مجتمعنا وبلدنا, خصوصاً في بعض الأوساط المؤمنة، مع أن الذي يجب أن ينتشر بين المؤمنين هو ثقافة الوفاء, لأن الوعد دين كما قال رسول اللَّه (ص): عدة المؤمن دين وعدة المؤمن كالأخذ باليد. ويقول(ص): "العدة دين ويل لمن وعد ثم أخلف، ويل لمن وعد ثم أخلف، ويل لمن وعد ثم أخلف"

وعن الإمام الرضا (ع): "إنا أهل بيت نرى ما وعدنا علينا ديناً كما صنع رسول اللَّه صلى الله عليه.

أما كيف نتعامل مع الوعد؟ فإن مشكلة عدم الوفاء بالوعد لها شقان:

الأول: أن يعد المؤمن أخاه وهو قادر على الوفاء ثم لا يفي.

الثاني: أن يعده وهو عالم أنه غير قادر على الوفاء من البداية.

 ولا شك أنه ينبغي تلافي الأمر الأول طالما لم يطرأ عجز غير متوقع, وإلا كان الإنسان معذوراً إذا عجز بعد أن كان قادراً, لأن الله لا يكلف نفساً الا وسعها.
 وكذلك ينبغي تلافي الأمر الثاني وهو الوعد مع العلم بعدم القدرة على الوفاء, لأنه نوع من أنواع الكذب وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُون﴾.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "لا تعدن عدة لا تثق من نفسك بإنجازها".
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "لا تعدن أخاك وعداً ليس في يدك وفاؤه".

وهناك من يصدق في وعوده مع الكبار ولكنه يتساهل بوعوده للصغار, فالبعض يظن أنه ليس هناك ضرر في أن يعد الأب أو الأم أبنائهما ثم يخلف معهم, خاصة إذا ألحوا في الطلب ورغبوا بأشياء لا يحب أن يجيبهم إليها وبدأوا يبكون ويصرخون , فحتى لا يفعلون ذلك ولا يزعجون الأم مثلاً في البيت نعدهم بوعود لا نفي لهم بها.

هذا سلوك خاطىء, هذا ليس صحيحاً من الناحية التربوية فالأخلاق الإسلامية ومدرسة أهل البيت(ع) تدعونا الى الوفاء معهم.

 يقول الامام الكاظم (عليه السلام): "إذا وعدتم الصغار فأوفوا لهم، فإنهم يرون أنكم أنتم الذين ترزقونهم، وإن اللَّه لا يغضب لشيء‏ كغضبه للنساء والصبيان".

لذلك يبقى الخلف بالوعد على قبحه سواء كان مع الكبار أو مع الصغار.

 والخلف بالوعد قد يكون مع الله ومع ما عاهد الإنسان ربه ونبيه على القيام به ولم يفي, كما في  قصة ثعلبة, فثعلبة بن حاطب الانصاريجاء الى رسول الله (ص)فقال : يا رسول الله اُدع الله أن يرزقني مالاً! قال : ويحك يا ثعلبة! قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه, أما لك برسول الله أسوة حسنة، والله لو سألت أن تسير لي الجبال ذهباً وفضة لسارت، ثم أتاه بعد ذلك مرة ثانية فقال: يا رسول الله, أُدع الله أن يرزقني مالاً، والله لئن آتاني الله مالاً لأعطين كل ذي حق حقه، فقال رسول الله (ص) اللهم ارزق ثعلبة مالاً، فرزقه الله بعد ذلك خيراً كثيراً, فربى غنماً فنمت كما ينمو الدود حتى ضاقت عنها أزقة المدينة, فتنحى بها, وكان يشهد الصلاة مع رسول الله (ص) ثم يخرج إليها، ثم نمت حتى تعذرت عليه مراعي المدينة فتنحى بها، فكان يشهد الجمعة مع رسول الله (ص) ثم يخرج إليها، ثم نمت فتنحى بها, فترك الجمعة والجماعة, وبعث اليه رسول الله(ص) من يجبي الزكوات والصدقات, فأبى أن يدفع ما عليه وبخل وطمع في رزقه وماله وقال : ما هذه إلا أُخت الجزية, فأنزل الله عز وجل على رسوله (ص) قوله تعالى (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب).

 

                                                                  والحمد لله رب العالمين