الوفاء بالعقود والعهود(12)

الشيخ دعموش في الحديث الرمضاني 27-6-2016: نقض العهد رذيلة لا تنسجم مع شخصية المؤمن لأنه يؤدي إلى اهتزاز الثقة وتمزيق العلاقات. يقول تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود . 

."المقصود بالعقود مطلق العقود والعهود التي يبرمها الإنسان مع نفسه أو مع الله أو مع الآخرين.. والعقود التي يجريها الناس مع بعضهم في تعاملاتهم اليومية, هي مثل عقود البيع والشراء والإيجار وغيرها.

أي عقد أو عهد بينك وبين الله, أو بينك وبين نفسك, أو بينك وبين الآخرين, عليك أن تحترمه وتفي به وتكون عند التزاماتك فيه, خصوصاً العقود التي تُوثّق فيها حقوق الناس.

 أي عقد بينك وبين آخر سواء كان مسلماً  أو غير مسلم، ما دام أنه مطابق لأحكام الله وغير مخالف لشريعة الله، ينبغي أن تفي به وأن لا تخل بشيء من بنوده وشروطه، فإذا ألزمت نفسك بشيء في إطار عقد عرفي وشرعي, ألزمت نفسك مثلاً ببنود معينة أو بشروط معينة أو بمدة زمنية معينة, لا يجوز لك أن تتنصل منها بسبب أنها لم تعد في مصلحتك مثلاً! أو لم تعد تناسبك مثلاً! إذا عاهدت الآخرين على أن تفعل كذا وكذا, لا تنقض عهدك مع الآخرين بل عليك أن تفي به طالما هو في الإطار الذي حلله الله وأباحه الله..

وهنا نتحدث عن وجوب الوفاء الأخلاقي بالعقود والعهود بمعزل عن الموضوع الشرعي, حيث إن الأحكام تختلف بين عقد وآخر..

والمقصود بالوفاء بالعقود: العمل بموجبها وإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصه,.والإلتزام بمضمونها وبنودها وشروطها.

والعقود التي ينبغي الوفاء بها هي مثل:

1-عقود الزواج والشروط المنصوص عليها في العقد.

فعقد الزواج أقدس عقد ينبغي أن يكون مصوناً ومقدساً من اللعب والعبث.

المهور المنصوص عليها في عقود الزواج هي حق شرعي للمرأة  يجب الوفاء به والالتزام به, وأي شرط أخذ في عقد الزواج يجب -إذا كان شرط لازماً-الوفاء به من الطرفين, سواء كان الإلتزم من الزوج تجاه زوجته أو من الزوجة تجاه زوجها.

2- عقود البيع والشراء.

3- عقود الايجار.

4- عقود الشراكة.

5- العهود والمواثيق السياسيةوالإقتصادية والتجارية والثقافية والإجتماعية وغيرها, كالعهود والإتفاقيات التي توقعها الدول فيما بينها , مثل هذه العقود والمعاهدات والإتفاقيات يجب الوفاء بها والإلتزام بها وببنودها حتى لو كانت الدولة الآخرى غير اسلامية .

والفرق بين العقد والعهد، أنَّ العقد فيه معنى الاستيثاق والشدّ، ولا يكون إلا بين متعاقدَيْنِ, بينما العهد قد ينفرد به الواحد،كما لو عهد الإنسان نفسه على أن لا يفعل هذا الأمر أو ذاك, فكل عقد عهد، وليس كل عهد عقد .

وقد استنبط العلماء من هذه الآية قاعدة شرعية هي: المؤمنون عند شروطهم.

والوفاء بالعقود التي بينك وبين الناس يدخل في صلب الإيمان, فالعقود يجب الوفاء بها لتكون مؤمناً وإلا فلست بمؤمن.

ففي الحديث:  لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ.

 أحد أصحاب رسول الله (ص) أثناء الهجرة قبضوا عليه ليقتلوه، فقال: عهداً لله إن أطلقتموني لن أحاربكم أبداً، فأطلقوا سراحه,  ففرح النبي(ص) به، دارت الأيام وعزم النبي(ص) على الخروج الى إحدى الحروب, فجاء هذا الصحابي ومن شدة رغبته وشوقه للجهاد إنضم وانخرط في صفوف المجاهدين ، فرفض النبي(ص) مشاركته في القتال وقال له: ارجع, ألم تعاهدهم ألا تقاتلهم؟ قال: بلى, قال: إعمل بعهدك, فرجع.

فعهده للمشركين أن لا يقاتلهم منعه من المشاركة في الجهاد لأن المؤمنين عند إلتزاماتهم.

المؤمن يتخلق بأخلاق الله, ومن أخلاق الله الوفاء بالعهود, بل هو أوفى بالعهود والوعود من كل أحد.

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ المائدة 111

ومن صفات المؤمن أنه يفي بعهده وينجز وعده

﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ البقرة 177

 الدين هو الوفاء بالإلتزامات التي يقدمها الإنسان للآخرين، الدين والتدين أن تكون عند الكلمة التي تكلمت بها، والإنسان حتى في علاقاته المادية إنما يكون ناجحاً اذا وفى بالتزاماته للآخرين.. من هو التاجر الذي يحقق نجاحاً كبيراً؟ هو التاجر الصادق الذي لا يخلف عهده ولا وعده، التاجر الذي يلتزم بموجبات العقود الموقعة بينه وبين الآخرين وشروطها وبنودها.

ورد في بعض الأحاديث أن: "خير الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا باعوا لم يَطروا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا، وإذا كان لهم لم يعسروا".

اليوم التجار والأسواق تشهد إخلالاً بالعقود والعهود والوعود، بل ونقضاً للعقود، وأحياناً  تشهد تدليساً، وكذباً، وتزويراً، وغشاً, وتلاعباً, واحتيالاً, طمعاً في الحصول على مال أكثر أو ربح أكثر.

 قيمة "الوفاء بالعقود"هي قيمة أخلاقية وإنسانية رفيعة تجعل كل من يتحلى بها محل ثقة واحترام الآخرين، وبسببها  يثق الأفراد والجماعات في بعضهم البعض، وتجري العلاقات الإنسانية بينهم بروح الأخوة والمحبة.

  والنصوص القرآنية التي تحث على هذه الفضيلة واضحة بينة نقرأها في كتاب الله كل يوم خصوصاً في شهر رمضان. يقول تعالى:"يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود". ويقول سبحانه: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا"، ويقول عز وجل: "وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون".

 نقض العهد رذيلة لا تنسجم مع شخصية المؤمن, لأن هذا السلوك يؤدي إلى اهتزاز الثقة به، ويؤدي إلى تمزيق العلاقات بينه وبين الآخرين، بل إن نقض العهد من علامات النفاق , ويكفي أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الحكيم: إنه "لا يحب الخائنين" وقال تعالى: " وأن الله لا يهدي كيد الخائنين.

 

                                                                    والحمد لله رب العالمين