الشيخ دعموش في الحديث الرمضاني اليومي21/7/2014: كشفت (معركة بني قينقاع) عن أن اليهود مهما امتلكوا من القوة فإنهم سوف ينهارون أمام إرادة المسلمين وجهادِهم عندما يعتمدُ المسلمون خِيار الجهاد والمقاومة.

 الممارسات التخريبية المعادية التي قام بها اليهود ضد السلام هيأت الجو للتخلص منهم بشكل تدريجي, فكانت أول حرب قام بها النبي(ص) على مستوى الحروب الشاملة ضد اليهود حرب بني قينقاع لإجلائهم عن المدينة.

والسببُ الذي حمل الرسول (ص) على البدء بإجلاء بني قينقاع هو أنهم كانوا يسكنون داخل المدينة المنورة وفي حي من أحيائها، وكانوا أولَ من غدر وخان وتآمر على الإسلام والمسلمين من اليهود، ففي حرب بدر أظهروا البغي والحسد، ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين النبي (ص)،  فكان لا بد للنبي (ص) من أن يطهر المدينةَ المنورة عاصمةَ الدولة الإسلامية من هذا العدو الداخلي الذي يطعن في الظهر ويحوك المؤامرات، ويرتكب الخيانات.

وقد صعّدوا من تحديهم للمسلمين عندما دخلت امرأةٌ مسلمة سوق الصاغة في المدينة التي كانت تحت سيطرتهم، فجلست عند صائغ منهم لأجل حُليٍّ لها، فاجتمع عليها عددٌ من اليهود وأرادوها أن تكشف عن وجهها.. فأبتْ، فعمد يهوديٌ حاقدٌ من خلفها ومن حيث لا تعلم فعقد طرفَ ثوبها إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتُها فضحكوا منها وسخروا، فصاحت المرأة تستغيث بالمسلمين، فوثب رجل من المسلمين على من فعل ذلك بالمرأة فقتله.

فهجم اليهودُ على المسلم فقتلوه، فاستنجد أهلُ المسلم بالمسلمين ووقعَ الشرُ بينهم وبين يهودِ بني قينقاع ، وبعدما علم النبي (ص) بذلك جمع اليهود في سوقهم، وحذَّرَهم من الإساءة للمسلمين وطلبَ منهم أن يكفوا عن الأذى والفساد ويلتزموا بالعهد والاتفاقِ الموقعِ بينهم وبينه أو يُنزِلَ بهم ما أنزلَه بقريش في حرب بدر، فاستخفوا بوعيده وكان موقفُهُم من هذا الإنذار أن أجابوا الرسول بكل جرأة وتبجح كما هي عادتُهُم في كل زمان: "يا محمد، لا يغرنَّك أنك لقيتَ قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربناك لتعلمنّ أنَّا نحن الناس، وسترى منا ما لم تَرَهُ من غيرنا".

ويظهر من هذا الرد أن بني قينقاع كانوا يعتمدون على مساعدة حلفائهم من الخزرج، حيث كان هناك تحالفٌ بين الطرفين في الجاهلية ولكنَّ حلفائهم الخزرج خذلوهم فلم يتحركوا لنجدتهم عندما حاصرهم النبيُ (ص) ولم يفعلوا لهم شيئاً.

ويقول المؤرخون: إنه بعد أن اتخذ اليهود هذا الموقفَ الذي أعلنوا فيه الحرب على المسلمين أنزل اللهُ على نبيه (ص) قوله تعالى: {قل للذين كفروا ستُغلبُون وتُحشرُون إلى جهنمَ وبئس المِهَاد/قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا ، فئةٌ تقاتلُ في سبيل الله، وأخرى كافرةٌ يرونهم مِثْلَيْهم رأيَ العين واللهُ يؤيدُ بنصره من يشاءُ إن في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار} آل عمران/12 – 13.  كما أنزل اللهُ قولَه تعالى: {وإمَّا تخافنَّ من قوم خيانةً فانْبِذْ إليهم على سواء إن الله لا يحبُّ الخائنين} الأنفال/58.

ولذلك لم يبق أمام النبي (ص) إلا أن يقاتلهم، فسار إليهم بجيش كان عدده نحو سبعِمئةِ مقاتل وسلم الرايةَ لعلي بن أبي طالب (ع)، وحاصرَهم في حصونهم خمسَ عَشْرَةَ ليلةً أشدَّ حصار، فقذف اللهُ في قلوبهم الخوف والرعب، فاستسلموا وطلبوا من النبي (ص) أن يخليَ سبيلَهم وينفيَهُم من المدينة على أن يكون لهم نساؤُهُم وأولادُهُم، وله أموالُهُم وأسلحتُهُم، فقبل النبيُ (ص) منهم ذلك فأفرج عن نسائِهم وأخذَ أموالَهم وأسلحتَهم وطردَهم من المدينة إلى منطقة أذرِعَات (درعا)بالشام. ويقال: إنه لم تدُرْ عليهمُ السنةُ حتى هَلَكوا هناك جميعاً.

وفي نص آخر: إنهم بعد أن استسلموا أُنزلوا من حصونهم وكُتفوا وأراد النبيُ (ص) قتلهم فتدخل عبدُ الله بنُ أبي رئيسُ المنافقين، وكان حليفاً لهم، وأصرَّ على النبي (ص) أن يتركهم، فاستجابَ النبيُ (ص) إلى طلبهم وأجلاَهم عن المدينة بعد أن صادر أموالَهم وأسلحتَهم.

ولهذه الواقعة دلالات أهمها:

أولاً: أن اليهود مهما امتلكوا من القوة والنفوذ والإمكاناتِ المادية فإنهم سوف ينهارون أمام إرادة المسلمين وعزمِهم وجهادِهم عندما يعتمدُ المسلمون خِيار الجهاد والمقاومة ويوجهون ضرباتِهم المحكمةَ إلى مواقع هذا العدو ونقاط ضعفه.

 ثانياً: ضربة نفسية ومعنوية لغيرهم من يهود المنطقة.

ثالثاً: كشفت هذه الواقعة عن عمق العلاقة التي كانت تربط المنافقين باليهود وعلى أهدافهم المشتركةِ في مواجهة الإسلام والمسلمين.

رابعاًً: إن استجابة النبي (ص) لابن أُبي في إخلاء سبيل بني قينقاع، كانت تهدفُ إلى الحفاظ على الجبهة الداخلية من التصدع،

 

والحمد لله رب العالمين