الحديث الرمضاني(11) – حدود الجار

الشيخ دعموش في الحديث الرمضاني 11-4-2023: النمط الاسلامي للتعامل مع الجيران يقوم على الترابط والتواصل ومراعاة الحقوق.

الجيران هم الشريحة الاجتماعية الأخرى التي اوصى الإسلام بالتعامل معها على قاعدة البر والإحسان،من اجل التأكيد على ان نمط العيش الذي اراده الاسلام مع الجيران هو النمط الذي يقوم على الترابط والتواصل وإحياء الروح الاجتماعية ومراعاة حقوق الجيرة، في مقابل النمط الغربي الذي يقوم على التفكك المجتمعي وانعدام الروح الاجتماعية والميل نحو الانعزال والأنانية والقطيعة وعدم الاهتمام وعدم الشعور بالمسؤولية الاجتماعية اتجاه الآخرين .

فقد ذكر الله الجار في القران الكريم في نفس السياق الذي ذكر فيه الوالدين والأقرباء والارحام وغيرهم وامر بالاحسان اليه كما آمر بالإحسان اليهم، فقال تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ...﴾(النساء:36).

وهذا يدل على الاهمية التي اولاها الاسلام للاحسان للجيران وانه كما المطلوب الاحسان للوالدين والارحام والاهتمام بهم ورعاية حقوقهم، فان المطلوب الاحسان للجيران ومراعاة حقوقهم.

 لكن من هو الجار؟ وما هي حدود الجيرة ؟

الجار هو من يجاورك ويقيم بالقرب منك في دائرة أربعين دارا من كل الجهات.

 فعن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث: " الجوار أربعون دارا من أربعة جوانبها".

فكل من يقيم في هذه الدائرة فهم جيران لهم عليك حقوق ويجب ان تعاملهم وتعاشرهم بالحسنى، وهو ما نعبر عنه بحسن الجوار، وهو يكون  باتباع النمط التالي مع الجيران:

1-ان تكرمهم وتحترمهم وترفع من شأنهم، واذا التقيت بهم ان تلاقيهم بالبشر والابتسامة لا بالتجهم والعبوس، وأن لا تكون عليهم ثقيلاً، وان تعاملهم برحابة صدر وليس بضيق ونرفزة.

2- ان تحفظهم حال غيابهم، تحفظ سمعتهم وخصوياتهم، تحفظهم من ألسنة الناس وتدافع عنهم أمام من يتناولهم بسوء.

3- ان تنصرتهم في حال الإعتداء عليهم وظلمه من قبل الآخرين ، فتغيثه وتحميه وتدافع عنه

4- ان تنصحهم في الامور التي تهمهم، تنصحه في الزواج ، التجارة، السفر، في كيفية حل الخلافات التي تحصل معه والخ فإن النصيحة من المؤمن لجاره تشعره بالإهتمام به وبالرعاية الخاصة له، ولكن النصيحة لا بد وأن تكون بشروطها الأخلاقية فلا ينبغي للمؤمن أن ينصح أخاه أمام الآخرين أو بلغة استعلائية.

5- مواساتهم في افراحهم واحزانهم والوقوف الى جانبهم  اذا وقعوا في ازمة او مصيبة ، فمن حق الجار أن تفرح لفرحه إذا زوج ولداً أو أقام وليمة أو رزق بطفل وكذا لا بد من أن تحزن لحزنه إذا فقد عزيزاً أو حبيباً، ومن حقه أن تزوره إذا مرض او زوج احدا او فقد احدا لتخفف عنه من الامه.

6- الصفح عنهم، ومسامحتهم خصوصا اذا اعتذر عن اساءته حيث تحصل احيانا اساءات وتعديات نتيجة التداخل وتشابك المصالح فلا بد من التعامل بروح التغافل والتسامح والعفو.   

7- اعانتهم وقضاء حاجتهم واقراضهم، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وإن استقرضك أقرضته وإن استعانك أعنه وإن احتاج أعطيته".

8-ان تراعي حرمتهم وحرمة بيوتهم وحياتهم الخاصة وقد روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "حرمة الجار على الإنسان كحرمة أمه". فلا يجوز تتبع عيوبهم وسلبياتهم واسرارهم وما يدور داخل بيوتهم من امور خاصة او سلبيات وثغرات ومشاكل فضلا عن عدم جواز التجسس او اختلاس النظر إلى داخل بيوتهم او استراق السمع لمعرفة ما يدور بينهم خصوصا ان المباني متلاصقة ومشرفة على بعضها. البعض اكثر همه ان يتتبع عيوب جيرانه واسرارهم وأسوأ أنواع التتبع والمراقبة ما كان بهدف هتكهم ونشر عيوبهم أمام الناس، ليفضحهم بها عندما تحصل بينه وبينهم مشكلة او خلاف ونزاع ، المطلوب عند الاطلاع على العيوب الستر والكتمان وليس الهتك. فعن الإمام السجاد عليه السلام: "ولا تتبع له عورة فإن علمت عليه سوءا سترته عليه"

9- عدم ايذائهم بشيء، لا بالكلام ولا بالافعال والممارسات الخاطئة، احيانا الجار يؤذي جاره بكلمة واحيانا يؤذيه بتصرفات ربما تكون صغيرة لكنها غير مناسبة يضع النفايات امام داره ياخذ موقف سيارته  يعيق حركة مروره يؤذيه بالتعدي والاضرار باشيائه الخاصة مثل المياه والكهرباء والمزروعات مثلا او التعدي على حدوده او الاقسام المشتركة التي هي ملك للجميع، او الاعتداء عليه جسديا او معنويا بظلمه او باهانته ، وحرمة أذية المؤمن فضلا عن الجار القريب من الكبائر بل من اكبر الكبائر، ويكفي في ذمها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من آذى جاره فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله"

10- ان تتكارم عليهم ولا تبخل بشيء حتى بالطعام  بحيث إذا طبخت مثلا ترسل لجارك من الطعام شيئا او اذا زرعت تطعمه من ثمارك وهكذا وهذه عادت جميلة كانت موجودة قديما اكثر من اليوم وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نهدي الجارالفاكهة إذا أتينا بها إلى المنزل وإن لم نستطع أن نهديه منها فلابد أن ندخلها سراً حتى لا يرانا ويكون غير قادر على شرائها ونحترس من أن يرى أولاده أولادنا يأكلون منها.

روي عنه‏ صلى الله عليه وآله وسلم: "وإن اشتريت فاكهة فأهد له منها وإلا فأدخلها سرا، لا يخرج ولدك بشي‏ء يغيظون به ولده، هل تفقهون ما أقول لكم، لن يؤدي حق الجارإلا القليل ممن رحم الله".

نسأل الله أن يجعلنا من المرحومين الذين يحسنون الجوار ويؤدون هذه الحقوق.