الحديث الرمضاني(2) - تقدير المعيشة

الشيخ دعموش في الحديث الرمضاني: حسن تقدير المعيشة هو نمط حياة اسلامي في مقابل نمط البذخ والسرف.

﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾

من انماط العيش الذي دعانا الاسلام اليه حسن تقدير المعيشة، ومعنى حُسن التقدير في المعيشة هو: إدارة عملية الصرف بما يلبي المتطلّبات المعيشيّة وفق الأولويّات والحاجات الأساسيّة، وصولًا إلى الحاجات الثانويّة.

وحسن التقدير يعتمد على حكمة ابناءالاسرة والتوازن في الإنفاق ويعتمد ايضا على :

1. تنظيم وضبط المصاريف بما يتناسب مع الدخل وبما لا يسبّب عجزًا في ميزانيّة الأسرة.

2. الاقتصاد في الصرف: يعني العمل على توفير المال وادّخاره؛ لاستثماره، بدلًا من صرفه في الحاجات غير الضروريّة.

3.تحديد الأولويّات: أي وعي أفراد الأسرة للفرق بين الحاجات الأساسيّة والثانويّة، وعدم الخلط بينها، وتقديم الأولويّات في مورد التزاحم، والقناعة في ساعة العسرة

4. عدم الإسراف والتبذير: لِما يتسبّب به من ضياع مال الإنسان من جهة، ولما له من انعكاس سلبي على روحه من جهة أخرى.

 وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «لِلْمُسْرِفِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ: يَأْكُلُ مَا لَيْسَ لَهُ، وَيَشْتَرِي مَا لَيْسَ لَهُ، وَيَلْبَسُ مَا لَيْسَ لَهُ».

طبعا التحذير من الإسراف والتبذير لا يعني منع الإنسان من الاستفادة من لذائذ الدنيا وطيّباتها حيث يقول تعالى﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚإِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾  بل المقصود هو أن يعتدل الإنسان ويقتصد في عمليّة الإنفاق وخصوصاً في ما يتعلّق بأموال بيت المسلمين (وأموال العمل الإسلامي..)  او اموال الدولة كما لو أراد الإنسان من موقعه ومسؤوليته أن يكرّم العاملين لديه، فليس له أن يبذخ ويعطي ويقدّم الهدايا والعطايا بلا حدود. فكم من شخص لا يُسرف في شرائِهِ الشخصي للأشياء والمُتع، لكنه يُسرفُ ويُفرِطُ عندما يُنفِقُ من المال العام.

ونحن هنا في لبنان مبتلون بذلك من خلال الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والمسؤولين السياسيين الذين اهدروا مليارات الدولارات من المال العام وسرقوا اموالا طائلة من الدولة والخزينة لجيوبهم.

حسن تقدير المعيشة بهذا المعنى هو نمط حياة واسلوب عيش، في مقابل اسلوب ونمط اخر للعيش يقوم على البذخ والصرف كيفما كان وبلا مراعاة للظروف وبلا ضبط ولا تنظيم بل فوضى وصرف بلا وعي ومن دون ان يحسب الانسان حسابا للمستقبل ولليوم التالي، فينفق بشكل غير متوازن، مثل بعض الناس المستغرقين بثقافة الاستهلاك، همهم التسوق وتكديس الثياب والاحذية والاشياء المختلفة فوق حاجتهم، واحيانا يتسوقون بالهبل من دون مراعاة لاوضاعهم المالية او الظروف الضاغطة او قلة الموارد او ضعف القيمة الشرائية للعملة فيقعون تحت العجز والمديونية.

هذا النمط هو النمط السائد بشكل كبير في الغرب وفي بعض المجتمعات التي تقلد الغرب حيث ان الفرد في هذه المجتمعات يعيش على البذخ حتى لو استدان والبعض يعمل طيلة الاسبوع من اجل ان يصرف ماله اخر الاسبوع على اللهو والعبث والترفيه والاشياء الفارغة.

هذا النمط في العيش الذي يعتمد على اسلوب(تقدير المعيشة) هو مطلوب في ثقافتنا الإسلاميّة لامرين:

اولا: لاننا سنسئل يوم القيامة عن نمط معيشتنا ، وكيفيّة صرفنا للمال الذي رزقنا الله -عزّ وجلّ- إيّاه، حيث ورد في رواية عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، ينقل فيها موعظةً للقمان الحكيم، يقول فيها: «اِعْلَمْ أَنَّكَ سَتُسْأَلُ غَدًا إِذَا وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَنْ أَرْبَعٍ: شَبَابِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَهُ، وَعُمُرِكَ فِيمَا أَفْنَيْتَهُ، وَمَالِكَ مِمَّا اكْتَسَبْتَهُ وَفِيمَا أَنْفَقْتَهُ؛ فَتَأَهَّبْ لِذَلِكَ، وَأَعِدَّ لَهُ جَوَابًا».

وثانيا: لان صلاح حياتنا واستقرارها وهدوئها واطمئنانها ورخائها وراحة بالنا فيها، تعتمد على هذا الاسلوب بل تتوقف عليه، فان صلاحُ حياة المؤمن بشكلٍ عامّ يتوقف على اسلوبه في العيش فاذا كان يحُسن التقدير في المعيشة فان حياته صالحة وطيبة وهنية ومرتاحة، اما اذا كان لا يراعي مدخوله ولا اولوياته ويسرف ويبذر (ويخبص) فان حياته تتحول الى جحيم لانه سيقع تحت اعباء الديون ومطالبة الناس له بها.

فعن داوود بن سرحان، قال: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَكِيلُ تَمْرًا بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! لَوْ أَمَرْتَ بَعْضَ وُلْدِكَ، أَوْ بَعْضَ مَوَالِيكَ، فَيَكْفِيَكَ. فَقَالَ: «يَا دَاوُودُ، إِنَّهُ لَا يُصْلِحُ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ، وَالصَّبْرُ عَلَى النَّائِبَةِ، وَحُسْنُ التَّقْدِيرِ فِي الْمَعِيشَة».

بل إنّ بعض الروايات جعلَت حُسنَ التقدير في المعيشة نصفَ العيش، بمعنى ان من يحسن المعيشة يكون بذلك قد أمّن نصف معيشته وعليه ان يسعى لتأمين النصف الاخر من موارد اخرى، ن رُوِيَ عن الإمام الصادق (عليه السلام): «التَّقدِيرُ نِصْفُ العَيْشِ».

من يتبع نمط واسلوب حُسن التدبير وتقدير المعيشة والاقتصاد في معيشته وحياته، فان من نتائج ذلك هو ان يعيش الانسان الغنى وليس الفقر.

 فعن الإمام الصادق (عليه السلام): « إِنَّ السَّرَفَ يُورِثُ الْفَقْرَ، وَإِنَّ الْقَصْدَ يُورِثُ الْغِنَى‏». فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «ضَمِنْتُ لِمَنِ اقْتَصَدَ أَنْ لَا يَفْتَقِرَ».

بينما من يتبع نمط الاستهلاك غير المتوازن والاسراف والبذخ ويسيء التدبير، يعيش الحسرة والندامة ويصل الى مرحلة لا يجد ما ينفقه على حاجاته الضرورية الى الفقر  يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾.