الحديث الرمضاني (15)

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ لِي يَداً عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَلِسَاناً عَلَى مَنْ خَاصَمَنِي، وَظَفَراً بِمَنْ عَانَدَنِي، وَهَبْ لِي مَكْراً عَلَى مَنْ كَايَدَنِي، وَقُدْرَةً عَلَى مَنِ اضْطَهَدَنِي، وَتَكْذِيباً لِمَنْ قَصَبَنِي، وَسَلامَةً مِمَّنْ تَوَعَّدَنِي، وَوَفِّقْنِي لِطَاعَةِ مَنْ سَدَّدَنِي، وَمُتَابَعَةِ مَنْ أَرْشَدَنِي.

 

)وَهَبْ لِي مَكْراً عَلَى مَنْ كَايَدَنِي،) : المكر هو الخديعة بان لا تعلم الآخر بما تخطط له ثم تفاجئه بما لا يتوقع .

والمكر على نوعين جيد وسيء:

المكر الجيد: هو الخدعة التي يستخدمها الانسان من اجل احباط اهداف العدو ومشاريعه واعماله كالخدعة في الحرب للايقاع بالعدو ، وقد اسنخدم النبي(ص) الخدعة في الحرب لا سيما في حرب الخندق عندما ارسل عبدالله بن مسعود الى الاحزاب المتحالفة للايقاع بينهم في قصة معروفة، وقال(ص): الحرب خدعة.

والمكر السيء؛ هو الايقاع بين الاخوة وزرع الشقاق والخلاف بينهم والتآمروالعدوان .

اما الكيد: فهو من المكر السيء وهو ينطلق من الخبث والحقد والكراهية وسوء السريرة.

المكر السيء نسب في القرآن الكريم الى الكافرين الين كانو يحاولون الايقاع بالنبي(ص) والتآمر على الاسلام، وعندما ينسب الى الله فهو المكر الجيد الذي يدبره الله لاحباط مشروع الاعداء .

قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) فالمكر السيء الذي دبره الكافرون للاضرار بالنبي(ص) واجهه الله بمكر جيد احبط به مخططاتهم ومشاريعهم وما كانوا يدبرونه ضد النبي(ص) والاسلام.

ومعنى هذه الفقرة من الدعاء: يا رب هب لي مكرا وتدبيرا وخطة لاحبط وافشل كيد اصحاب المكر السيء وخططهم ومشاريعهم.

 (وَقُدْرَةً عَلَى مَنِ اضْطَهَدَنِي): الاضطهاد القهر والظلم والاذلال فيار رب هب لي قدرة وقوة اتمكن من خلالها مواجهة من يريد قهري واذلالي.

 (وَتَكْذِيباً لِمَنْ قَصَبَنِي): القصب هو العيب، فيا رب اعطني القدرة كي اكذب من ينشر عني عيوبا ليست موجودة، ومكني من كشف زيف ما يقولون وما ينشرون وما يفترون به عليّ.

 (وَسَلامَةً مِمَّنْ تَوَعَّدَنِي): اي اعطني السلامة والامن في مقابل من يتوعدوني ويهددوني ويريد الاضرار بي والاعتداء عليّ.

 (وَوَفِّقْنِي لِطَاعَةِ مَنْ سَدَّدَنِي): من نصحني وعلمني واعطاني من تجاربه وخبراته، لانه قد يكون اوعى مني واكثر علما وفهما وخبرة وتجربة ، وهذا يدعونا الى الاستفادة من نصائح الاخرين وتجاربهم وخبراتهم فان ذلك قد يوفر علينا الكثير من الجهد والوقت والامكانات.

  (وَمُتَابَعَةِ مَنْ أَرْشَدَنِي): بان اسير على ما سار عليه من ارشدني الى الهدى والخير والصلاح، فاتبه هديه واستقامته واخلاقه واستمع اليه واستفيد منه وانهل من ارشاداته وتعاليمه.

ان جو كل هذا المقطع من الدعاء يوحي بان على الانسان المؤمن ان لايكون ضعيفا ومستكينا بل عليه ان يكون قويا وشديدا، يتحلى بالقدرات المناسبة لمواجهة تحديات الظالمين والخصوم والمعاندين وغيرهم ممن يريدون الايقاع بالمؤمن و الحاق الاذى والضرر به، وهنا يطرح السؤال التالي : الا يكون المؤمن الضعيف الذليل اقرب الى الله من المؤمن القاسي  والشديد والقوي؟

والجواب: الانطباع السائد عن ان المؤمن طيب وبسيط وضعيف ودرويش وذليل هو انطباع خاطىء ، المؤمن ضعيف وذليل وفقير ومسكين و مستكين امام الله سبحانه الذي لا حول ولا قوة للانسان الا به فمنه يستمد القوة والقدرة وبالطافه يستمر في حياته وبدونه لا يساوي شيئا لا يقوى غلى شيء ولا تستمر حياته، اما في مواجهة الحياة وتحدياتها فان الله سخر للمؤمن الكثير من الامكانات والقدرات التي يمكن امتلاكها لتجعل منه قويا وعزيزا وعنيا وصلبا في مواجهة التحديات ، وقد اراد الله للمؤمن ان يكون عزيزا وقويا:

 (لله العزة ولرسوله وللمؤمنين) .

 وفي الحديث الشريف: (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف).

  وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): إن المؤمن أعز من الجبل، الجبل يستفل بالمعاول، والمؤمن لا يستفل دينه بشئ .

 وعن الإمام الصادق (عليه السلام): إن المؤمن أشد من زبر الحديد، إن زبر الحديد إذا دخل النار تغير، وإن المؤمن لو قتل ثم نشر ثم قتل لم يتغير قلبه.

  وعن الإمام الباقر (عليه السلام): إن الله أعطى المؤمن ثلاث خصالالعز في الدنيا وفي دينه، والفلح في الآخرة، والمهابة في صدور العالمين.

فالمؤمن قوي وعزيز واصلب من الجبل زخاصة في مواجهة المستكبرين والدفاع عن القيم والحق وما تنجزه القوة مع الايمان غي الدفاع عن الحق لا ينجزه الايمان وحده مع الضعف.

 قال تعالى: لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا.

وبالجهاد والقوة والقدرات التي سخرها الله لنا نتمكن من تثبيت الحق وإرساء القيم والاخلاق في المجتمع.

 

 والحمد لله رب العالمين، فقد انتهت بهذا التاريخ 26/رمضان/ 1443الموافق 28-4-2022 سلسلة الحديث الرمضاني لهذا العام التي القيت في مجمع السيدة زينب(ع) في بئر العبد-بيروت، وكل عام وانتم بخير .