الحديث الرمضاني (12)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَبْدِلْنِي مِنْ بِغْضَةِ أَهْلِ الشَّنَآنِ الْمَحَبَّةَ، وَمِنْ حَسَدِ أَهْلِ الْبَغْيِ الْمَوَدَّةَ، وَمِنْ ظِنَّةِ أَهْلِ الصَّلاحِ الثِّقَةَ، وَمِنْ عَدَاوَةِ الأَدْنَيْنَ الْوَلايَةَ، وَمِنْ عُقُوقِ ذَوِي الأَرْحَامِ الْمَبَرَّةَ، وَمِنْ خِذْلانِ الأَقْرَبِينَ النُّصْرَةَ، وَمِنْ حُبِّ الْمُدَارِينَ تَصْحِيحَ الْمِقَةِ، وَمِنْ رَدِّ الْمُلابِسِينَ كَرَمَ الْعِشْرَةِ، وَمِنْ مَرَارَةِ خَوْفِ الظَّالِمِينَ حَلاوَةَ الأَمَنَةِ.

    (ومن ردّ الملابسين كرم العشرة):

الرد هنا بمعنى الإهانة والانتقاص والتماس الثغرات والعيوب والاخطاء، والملابسين: المخالطين الذين يعاشروننا ويخالطونناونخالطهم.

والعشرة من المعاشرة والتعاشر، وهي المخالطة.

وكرم العشرة يعني حسن العشرة ولطفها،

والمعنى: أبدلني يارب من اهانة المخالطين لي وعدم قبولهم لي وتخطئتهم وانتقاصهم لي بحسن معاشرتهم،

عادة الملابسين نتيجة معاشرتهم لنا والتصاقهم بنا وقربهم منا تنكشف لهم العيوب والثغرات والهفوات واسرار البيوت وما في داخلها لانه من الممكن أن تصل المعاشرة والمخالطة بين الناس حتّى يكون مستوى القرب فيما بينهم كقرب الإنسان من لباسه. وبسبب هذا التقارب والاقتراب فيما بينهم تنكشف النواقص والعيوب والاخطاء والمساوئ في تصرفاتهم وافعالهم ومواقفهم وعلاقاتهم وأخلاقهم وسلوكهم ، وقد تحصل نتيجة الاحتكاك خلافات ونزاعات فيما بينهم ايضا، فيبادر المخالط الى كشف السلبيات والثغرات التي اطلع عليه وفضح  الناس بعيوبهم واسرارهم الخاصة ووما يحصل داخل بيوتهم على مستوى الهفوات والزلات والنزاعات التي تحصل عادة داخل البيون وبين ابناء الاسرة الواحدة، بل قد يتتبع الملابس خوات وعيوب ونواقص وثغرات الناس ليفضحهم بها او لينتقدهم بها يوما ما .

لذلك الامام يعلمنا في هذا المقطع ان نطلب من الله سبحانه ان يدفع اهانة الملابسين وانتقاصم ونيلهم منا وان يبدل ردهم المهين بكرم العشرة وحسن العشرة التي تمنع الانسان من فضح الاخرين واهانتهم وانتقاصهم ونشر عيوبهم وتتبع ثغراهم وهفواتهم ، فيا رب اجعل العلاقة بيني وبين القريبين مني والملابسين لي علاقة طيّبة وكريمة لا علاقة تتبّع العثرات لإبدائها في النقد الهدّام أو الاغتياب والانتقاص أو الحسد، فالعشرة لها كرامة، أو هكذا ينبغي أن تكون؛ فالإمام سلام الله عليه يريد أن يقول: أبدلني من عدم قبول المخالطين لي أو من تخطئتهم لي حسن معاشرتهم، أو من ردي لهم حسن معاشرتي إياهم.

 ولهذا فان المطلوب من الانسان أن يكون نبيلا وطيبا وكريما في معاشرته للآخرين، فلا يردّ عليهم باللؤم وسوء الأدب، حتى لو اهانوه او انتقصوا من شخصيته بل عليه ان يعاملهم بالحسنى قدر الامكان.

وايضا المطلوب ان يتوجه الى الله بالدعاء كي  يساعده على تحويل ردّ الملابسين والمعاشرين له، ويبدل صدودهم بعشرة كريمة؛ ملؤها السماحة والإنصاف والعقلانية.

(وَمِنْ مَرَارَةِ خَوْفِ الظَّالِمِينَ حَلاوَةَ الأَمَنَةِ):

مرارة الخوف أشدّ وقعاً على الانسان من مرارة الآلام التي تصيب البدن والتي قد يسلب الراحة والنوم من المريض ، لان مرارة الالام لا تصيب الا البدن فقط بينما مرارة الخوف تصيب الروح والبدن معاً.

الخوف من الظالم ، ايا كان الظالم سواء كان حاكما او معلما او رب عمل او رئيس شركة او تاجرا او غير ذلك، له مرارة شديدة لانه لا نعلم

سبب ظلمه أو مقداره أو زمنه مادام الظلم يصبّ في مصلحته. ولذلك الاما يعلمنا ان ندعو الله أن لا يبتلينا بالخوف من الظالمين وأن يجعلنا بمأمن منهم  .

ممّا ينقل في هذا المجال أنّه في إحدى البلدان عزم رئيسها على إرسال قاضٍ إلى إحدى المناطق، إلاّ أنّ حاكم تلك المنطقة سرعان ما قام بقتله، وحتّى يتبيّن للرئيس السبب في ذلك، قام بإرسال قاضٍ آخر، ولكنّ الحاكم ألحقه بالقاضي الذي سبقه. وهذا الأمر أدّى ببعض القضاة إلى الامتناع عن التوجّه إلى ممارسة القضاء في تلك المنطقة. غير أنّ أحدهم، بعد فترةٍ تبرّع بقبول المنصب لقاء أجرٍ باهض جدّاً، مدّعياً أنّه سيعمل في سبيل الكشف عن أسباب مقتل القاضيين اللذين سبقاه، ومن ثمّ يُعلم رئيسه ليقضي على الحاكم وفي الوقت نفسه يكسب ثقة الرئيس بعلمه وعمله لكي يضمن لنفسه بعد ذلك منصباً أرفع وأجراً أعلى. وحين توجّه إلى تلك المنطقة أخذ القاضي بمسامرة ومجالسة حاكمها في محاولة منه ليعرف أسباب قتله القاضيين السابقين، ولما اطمأنّ له الحاكم بعدما أخذ بمجامع عقله وقلبه، قال له: إنّه لم يقتل القاضي الأوّل إلاّ بعد أن رأى في منامه ذات مرّة أنّه عدوّ لدود له، وحينما استيقظ مرعوباً، أمر بقتله فوراً. أمّا القاضي الثاني فرأى فيه رؤيا وكأنّه حلّ مكانه حاكماً، ففزع، ولذا ألحقه بصاحبه.

فلما سمع القاضي الثالث هذا الكلام لم يجد بدّاً حينها إلاّ الهروب والعودة إلى رئيسه، فأخبره مؤكّداً له بأنّه ربما يتمكّن من ضبط كلّ شيء من ذلك الحاكم، سوى رؤياه، فإنه لا يقدر أن يتحكّم فيها وقد يرى رؤيا لهذا الثالث ويلحقه بسلفيه.

إذاً ليس كلّ خوف له مرارة. أمّا الخوف من الظالم فإنّ له مرارة شديدة، لأنّه لا يُعلم ماذا سيصدر عنه، ولأي سبب سيعاقب، وكيف ومتى سيعاقب ويعتدي. ولا يكفي أن يحتاط المرء في تجنّب ما نهى عنه، ما لم يسأل الله عزّ وجلّ أن يحرسه بعينه التي لا تنام، ويرعاه في الشدّة والرخاء.

والامام في كل الفقرات السابقة يدعو إلى تغيير حالة اهل الشنآن والبغي والأرحام والملابسين ، تغيير حالهم من حال الى حال افضل واحسن الا الظالم، فان الامام لا يدعو لتغيير خاله بل يدعو ان يكون الظالم بعيدا عنا لكي نشعر بحلاوة الامن بل الشعور بمرارة الخوف  ندعو كي لا نعيش تحت ظل الظالم، أن لا يرانا فيظلمنا ، اجعلنا بعيدا عنهم حتى نشعر بالامان، لأنّ وجود الظالم يعني وجود الخوف من ظلمه.

ما يريده الامام من كل الفقرات السابقة ان لا يتأثر سلوك الانسان المؤمن بسلوك الاخرين بحيث اذا كانوا طيبين يكون طيبا واذا كانوا خبثاء يكون خبيثا بل يجب ان يكون طيبا على كل حال يستبدل الحسنة باحسن والسيئة بالحسنة والغض والعداوة بالمحبة والبغي بالمودة وسوء الظن بالثقة والعداوة بالنصرة والقطيعة بالصلة والاهانة بكرم العشرة وذلك انطلاقا من ايمانه واخلاقه وتربيته الايمانية والاسلامية وبذلك يتحول مجتمع المؤمنين الى مجتمع تسوده الطمانينة ويتعامل بمعالي الاخلاق.