الحديث الرمضاني (8)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَبْدِلْنِي مِنْ بِغْضَةِ أَهْلِ الشَّنَآنِ الْمَحَبَّةَ، وَمِنْ حَسَدِ أَهْلِ الْبَغْيِ الْمَوَدَّةَ، وَمِنْ ظِنَّةِ أَهْلِ الصَّلاحِ الثِّقَةَ، وَمِنْ عَدَاوَةِ الأَدْنَيْنَ الْوَلايَةَ، وَمِنْ عُقُوقِ ذَوِي الأَرْحَامِ الْمَبَرَّةَ، وَمِنْ خِذْلانِ الأَقْرَبِينَ النُّصْرَةَ، وَمِنْ حُبِّ الْمُدَارِينَ تَصْحِيحَ الْمِقَةِ، وَمِنْ رَدِّ الْمُلابِسِينَ كَرَمَ الْعِشْرَةِ، وَمِنْ مَرَارَةِ خَوْفِ الظَّالِمِينَ حَلاوَةَ الأَمَنَةِ.

    (وَمِنْ حَسَدِ أَهْلِ الْبَغْيِ الْمَوَدَّةَ):يعني ابدلني يا رب من حسد اهل البغي بالمودة .

الحسد هو تمني الحصول على النعمة التي حصل عليها الاخرون  مع تمنى زوالها عنهم

فاذا انعم الله على الاخرين بالمال والجمال ومحبة الناس او انعم عليه بالعلم او الموقع  او الجاه فان الحاسد يرغب بان يحصل على المال والجمال ومحبة الناس ولكن ليس على سبيل ان تبقى هذه النعم عند الاخرين بل يتمنى ان تكون النعم فيه وان يحرمهم الله منها .

طبعا ان يرغب الانسان ان يكون لديه ما لدى الاخرين من دون تمني زوالها عنهم ليس من الحسد بل هذه غبطة ولا اشكال فيها.

 اما الحسد فعو مرض، والحاسد مريض نفسيا ينظر الى ما عند الاخرين بعين الحسرة فهو لا يتمنى الخير للناس (عينه ضيقة)

 والحسد لا يحاسب عليه الإنسان اذا بقي في الاطار النفسي والداخلي ولم يكن له اثار في الواقع.

ولذلك ورد في حديث الرفع المروي عن رسول الله (ص): «رُفع عن أمّتي تسع ... والحسد والطيرة و... ما لم ينطق بشفة ولا لسان»

 

الحسد انما يحاسب عليه الإنسان إذا انعكس أثره على الجوارح؛بحيث يتحرك الانسان الحاسد لازالة النعم عن الاخرين، يحرض مثلا الناس على شخص محبوب ليسقط من اعين الناس. يشوه سمعة شخص حتى يحرمه من عمل او وظيفة.

وأمّا قوله سلام الله عليه: «أهل البغي» فيعني من ديدنهم البغي والظلم والعدوان فالبغي هو الظلم والعدوان

وأمّا المودّة فهي المحبّة الظاهرة التي يظهرها الانسان تجاه الاخر؛ فقد يحبّ الإنسان شخصاً ولكنّه لا يظهر هذا الحبّ فهذا لا يسمّى مودّة، أمّا إذا كان يحبّه ومع ذلك يظهر ذلك الحبّ فهذه هي المودّة. وقيل المودة هي المحبة مع الطاعة فقد يحب انسان انسانا لكنه لا يطيعه فهذا مجرد حب قلبي وعاطفي ونفسي وقد يحبه فيطيعه ويعمل بما يريد الحبيب فهذه مودة                                                       

وفي هذا الدعاء يطلب الإمام من الله تعالى أن يخلّصه ليس من حسد الباغي العادي فقط بل من حسد أهل البغي أي من كان البغي جزءا من شخصيته وطبعه بحيث ديدنه الظلم والبغي ، ويبدل حسده ليس إلى محبّة فقط بل إلى مودّة أيضاً وهي الحبّ مع إظهاره.او الحب مع الطاعة والانقياد

 

وكان يمكن للإمام أن يقول: (ومن حسد الباغين) ولكنّه عدل إلى عبارة «أهل البغي»، لأنّ الباغي قد يصدق حتّى على من صدر منه البغي مرّة أو مرّتين، أمّا أهل البغي فهم الذين ديدنهم الظلم وشيمتهم البغي وعادتهم إيذاء الآخرين. وهذا معناه أنّ الإمام يطلب من الله تعالى أن يعالج له أصعب الحالات السلبية التي قد يبتلى بها الناس عادة.

إنّ الإمام يطلب من الله تعالى أن يبدّل هذه الحالة التي تمثّل أدنى درجات السلبية إلى المودّة وهي أعلى درجات الحبّ والتي تعتبر الخصلة المناقضة لحسد أهل البغي

إنّ من أهمّ الأمور التي يطلبها الإمام من ربّه تغيير حالة حاسده وإبدال حسده إلى مودّة، فالحاسد بطبيعته يتربّص الدوائر بمحسوده ويتحيّن له الفرص للبغي وإلحاق شتّى أنواع الأذى به.

 

أمّا كيف نبدل حسدهم الى مودة ؟ فهذا يعتمد على طريقة تعاطينا مع اهل البغي الذين يحسدوننا فالمعاملة الحسنة والتعاطي باخلاق الاسلام فان ائمتنا علمونا ان نواجه الشر بالخير والسيئة بالحسنة والحسد بالمودة ، فلو انعم الله عليك بمحبة الناس لك وحسدك شخص وحاو ان يسقطك في اعين الناس وكان عنده مال ولم تحسده فلم تعمل على زواله من عنده وانما طلبت من الله ان يزيده من فضله وبادلته بالمودة فانك ستكسر حسده ولنا في ائمتنا قدوة في كيفية التعامل مع الحاسدين.