الحديث الرمضاني(5)

اللَّهُمَّ لا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنِّي إِلاَّ أَصْلَحْتَهَا، وَلا عَائِبَةً أُوَنَّبُ بِهَا إِلاَّ حَسَّنْتَهَا، وَلا أُكْرُومَةً فِيَّ نَاقِصَةً إِلاَّ أَتْمَمْتَهَا

الإمام يطلب من الله تعالى في هذه الفقرات إصلاح العيوب والنقائص، وتغييرها إلى ما هو أحسن، ولكنّه يعبّر عن النقص الأوّل بالخصلة المعيبة ويطلب من الله تعالى إصلاحها، ويعبّر عن النقص الثاني بالعائبة التي يؤنّب بسببها ويسأل الله تعالى تحسينها، ويعبّر عن النقص الثالث بنقصان الأكرومة ويطلب من الله تعالى إتمامها

فهنا ثلاثة اشياء العيب وما يعاب عليه ، والعائبة، والاكرومة الناقصة اي الفضيلة الناقصة

يمكن توضيح هذه الامور عبر الامثلة:

شخص سيّئ الخلق، كالعبوس الغاضب المتجهّم المنفعل باستمرار فهذا عيب يعاب عليه الانسان

شخص حسن الخلق ولكنّه فيه شيء عيب ، مثلا كثير المزاح والهزل.

شخص حسن الخلق مع بعض الناس دون بعض.

فهذه ثلاث حالات.

أمّا الشخص الأوّل (سيّئ الخلق) فهو بحاجة إلى إصلاح؛ لأنّ سوء الخلق فساد في الشخصية ، والفساد يتطلّب إصلاحاً.

وأمّا الشخص الثاني  فهو فتضل لكن فيه عائبة اي شيء فيه عيب فهو بحاجة إلى تحسين وضعه فهو ليس فساداً لكي يتاج الى اصلاح ؛ بل هو صالح وعنده فضيلة ولكن في شخصيته بعض الشوائب لديه عائبة اي شيء فيه عيب وليس عيبا كله؛ فلابدّ من تحسينها وتشذيبها فقط.

وأمّا الشخص الثالث (الحسِن الخلق مع بعض دون بعض، أو الذي يمارس الفضيلة أحياناً دون أُخرى)، فلديه أكرومة وفضيلة  ولكنّها ناقصة؛ فيقتضى إتمامها. ومثالها: الشخص يكون حسن الخلق في المجتمع ولكنّه ليس كذلك مع أهله، أو العكس، فمثل هذا الإنسان ليس سيّئ الخلق مطلقاً ليكون محتاجاً إلى الإصلاح، ولا حسن الخلق وفيه شائبة حتى يحتاج إلى تحسين، ولكنّه لا يتوفّر على بعض الفضائل وإن كان يتوفّر على بعض آخر، أو يتوفّر عليها ولكن ليس دائماً، أو مع بعض الناس دون بعض، فهو لذلك بحاجة إلى إتمام ما ينقصه

ونلاحظ ان الامام هنا يختار لكل نقص كلمة تناسبه، فالعيب يستعمل له كلمة الاصلاح والعائبة التحسين والمكرومة الناقصة الاتمام وهذا من بلاغة التعبير ودقة التعبير

مثلاً كلمة (عائبة) وهي مؤنّث (عائب) والشيء العائب يحتاج إلى تحسين وترميم؛ كالسفينة إذا خرقت وأصبحت معيبة فإن لم ترمّم نفذ إليها الماء تدريجياً وآل أمرها إلى الغرق، كما نقرأ ذلك في قصّة موسى والخضر عليهما السلام في قوله تعالى حكاية عنهما:

﴿أمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأرَدْتُ أنْ أعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأخُذُ كُلَّ سَفِينِةٍ غَصْباً﴾.

وهكذا الحال مع النفس الإنسانية إذا كان فيها عيب وخلل يلام عليه الإنسان، فلابدّ من ترميمها وإزالة ذلك الخلل والعيب؛ ولذلك يقول الإمام سلام الله عليه: «ولا عائبة اُؤنّب بها إلاّ حسّنتها

الامام يعلمنا كيف نطلب من الله دائماً أن يعيننا على التكامل ، فإنّ الإنسان كلّه نقص وافتقار لله تعالى وليس منزها من العيوب ، وقد أنعم الله تعالى على الإنسان بان انعم عليه بالعقل الارادة والقوة  لكي يستطيع أن يزكّي نفسه، ويسعى لتصحيح الاخطاء والعيوب واكتساب الفضائل والتحلي بالقيم والصفات الجميلة.