الحديث الرمضاني(2)

اللهم صلّ على محمد وآل محمد، ومتّعني بهدىً صالح لا أستبدل به، وطريقة حقّ لا أزيع عنها، ونيّة رشد لا أشكّ فيها».

يعني انفعني بهدى صالح وطريقة حق ونية رشد.

و«الهدى الصالح»: الايمان والاعتقاد الصحيح وقد يكون المقصود من صفة الصالح أعلى مراتب الايمان والهداية أو المرتبة التي يستحقِّها الداعي؛ لأن للهداية مراتب والانسان لا سيما الأخيار والأبرار لا ينبغي له أن يقتصر على المرتبة الدنيا من الهداية، بل عليه أن يسعى لأن يجعله الله تعالى أهلاً لبلوغ مراتبها العليا،  ولذا هنا يدعو الانسان ان يمنحه الهدى الصالح فالصالح هو صفة اولى للهداية التي يطلبها الانسان .

أما الصفة الثانية فهي قوله سلام الله عليه (لا أستبدل به) فهو صفة ثانية لـ (هدىً)، ومعناه:  الايمان الراسخ الدائم المستمرالايمان الذي لا يتزلزلولا يكون مستعارا وليس كالوديعة التي تبقى عند الإنسان مدّة من الزمن ثم تُستردّ بعد ذلك. ولا يكفي أن يتمتّع الإنسان بالهدى والايمان في كلّ مراحل حياته ثم تكون خاتمته ضلالا، بل لابدّ أن تختتم حياته وهو على الهدى وأن لا يستبدل بالهدى الضلالة والكفر.

 إنّ همّ الشيطان وجهده منصبّان على هذه النقطة وهي دفع الإنسان لأن يبدل الهدى بالضلالة، والخير بالشرّ، والصلاح بالفساد، والقلة هي التي تتخلص من إغواء الشيطان ووساوس النفس وشهواتها ويبقى ثابتا على الحق والهدى كما قال الله تعالى﴿وقليل من عبادي الشكور﴾وقال أيضاً﴿وقليل ما هم﴾.

الثبات على الإيمان والإسلام هو اساس حتى لا يستبدل الانسان بالإيمان غيره ويرتدّ عن دينه، هناك البعض حتى فى صدر الإسلام، ارتدّوا ورجعوا عن الإسلام حتى في زمن النبي صلّى الله عليه وآله، فهؤلاء لم يتمتعوا بهدى صالح دائم بل استبدلوا به الكفر.

(وطريقة حق لا ازيغ عنها ) اي مسار الحق وطريق الحق فلا ازيغ عنه ولا اميل الى طرق الباطل .

وهنا ايضا الثبات على مسار الحق هو اساس  حتى لا ينحرف الانسان الى الباطل كما انحرف كثيرون

 هناك كثيرون كانوا على طريقة الحقّ ولكنّهم لم يستمرّوا عليها؛ إمّا نتيجة مشكلات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية أو تأثّراً بالحملات الاعلامية والتحريض والاكاذيب والتهم الباطلة كما يحصل اليوم معنا

 في زمن الامام علي هناك جماعات بقوا معه سلام الله عليه حتى السنين الأخيرة من عمره الشريف، ولكنهم شهروا سيوفهم في وجهه في السنتين الأخيرتين من حياته المباركة، كالخوارج، وكانوا قبل ذلك مؤمنين ولم يكونوا منافقين ولكنهم انحرفوا عن الحق.

الزبير بن العوام الذي كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وابن عمته صفية وهو ممن شهد بدراً وأُحُداً والخندق والحديبية وخيبر وفتح مكة والطائف وفتح مصر، وهو الذي وقف مع بني هاشم في بيت فاطمة عليها السلام واقفاً إلى جانب الإمام علي عليه السلام يوم السقيفة وهو ممّن حضر الجنازة المطهرة لبضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وهو الذي وهب حقّه -المزعوم- من الأصحاب الستة يوم الشورى لأمير المؤمنين علي عليه السلام. لكنه في النهاية خرج على أمير المؤمنين عليه السلام محرضاً على قتاله، فهو مسؤول أساسي عن حرب الجمل ويتحمّل دم قتلاها وشهدائها وما حصل بعدها.

هذه هي سوء العاقبة التي قد يبتلي بها بعض المؤمنين  ولذلك على الانسان ان يدعوالله وان يستمر بالتضرع لله تعالى بالثبات على الإيمان والطاعة وأن نردد دائماً قوله تعالى﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَ﴾(سورة آل عمران:من الآية:8) وما ورد من أدعية أهل البيت عليهم السلام:"وأحسن لي العاقبة حتى لا تضرني الذنوب".

فلا ضمان لأيّ أحد بالثبات على طريقة الحقّ إلاّ بالدعاء والاستعانة بالله تعالى والسعي أيضاً؛ فالأمر بحاجةٍ إلى دعاء وخشوع وتضرّع، إضافة إلى السعي والجدّ.

 

 والدعاء بالثبات على الإيمان بشروطه يعتبر أساسياً في حسن العاقبة، والتخلي عن هذا الدعاء يعني قطع الرابطة بين الإنسان وربه ودعوى الاستقلال عنه تعالى وهذا ما يؤدي إلى سوء العاقبة كما حصل مع أحمد بن هلال الذي كان من الصلحاء وقد حج أربعة وخمسين حجة عشرين منها على قدميه، وقد كان ابن هلال من رواة الشيعة في العراق وقد تفاجأ شيعتها بكتاب للإمام الحسن العسكري عليه السلام يقول فيه:"احذروا الصوفي المتصنّع" وحينما كرّر أهل العراق السؤال من الإمام عليه السلام عن ذلك قال لهم:"لا شكر الله قدره لم يدع ربه بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه وأن يجعل ما منّ به عليه مستقراً". وبحسب كلام الإمام عليه السلام يظهر لنا أن هذا الرجل خُتِم له بسوء العاقبة بعد رحلة من الإيمان في هذه الدنيا.

إرشادات الإمام الصادق عليه السلام:

وأفاض أهل بيت العصمة عليهم السلام في ذكر أعمال تفيد في حسن العاقبة نقتصر في الحديث منها على ما ذكره الإمام الصادق عليه السلام حين كتب إِلَى بَعْضِ النَّاسِ : " إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يُخْتَمَ بِخَيْرٍٍ عَمَلُكَ حَتَّى تُقْبَضَ و أَنْتَ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، فَعَظِّمْ لِلَّهِ حَقَّهُ أَنْ [ لَا ] تَبْذُلَ نَعْمَاءَهُ فِي مَعَاصِيهِ ، و أَنْ }لا{تَغْتَرَّ بِحِلْمِهِ عَنْكَ ، وأَكْرِمْ كُلَّ مَنْ و جَدْتَهُ يَذْكُرُنَا أَوْ يَنْتَحِلُ مَوَدَّتَنَا ، ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْكَ صَادِقاً كَانَ أَوْ كَاذِباً إِنَّمَا عَلَيْكَ نِيَّتُكَ و عَلَيْهِ كَذِبُهُ"