الحديث الرمضاني (9)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَبْدِلْنِي مِنْ بِغْضَةِ أَهْلِ الشَّنَآنِ الْمَحَبَّةَ، وَمِنْ حَسَدِ أَهْلِ الْبَغْيِ الْمَوَدَّةَ، وَمِنْ ظِنَّةِ أَهْلِ الصَّلاحِ الثِّقَةَ، وَمِنْ عَدَاوَةِ الأَدْنَيْنَ الْوَلايَةَ، وَمِنْ عُقُوقِ ذَوِي الأَرْحَامِ الْمَبَرَّةَ، وَمِنْ خِذْلانِ الأَقْرَبِينَ النُّصْرَةَ، وَمِنْ حُبِّ الْمُدَارِينَ تَصْحِيحَ الْمِقَةِ، وَمِنْ رَدِّ الْمُلابِسِينَ كَرَمَ الْعِشْرَةِ، وَمِنْ مَرَارَةِ خَوْفِ الظَّالِمِينَ حَلاوَةَ الأَمَنَةِ.

 

    (وَمِنْ ظِنَّةِ أَهْلِ الصَّلاحِ الثِّقَةَ): اي ابدل  يا رب تهم اهل الصلاح لي وسوء ظنهم بي بالثقة، لان الظنة هنا بمعنى التهمة وسوء الظن.

قد يكون مفهوما ان يتهم او يظن فاسق سوءا بانسان اخر لأنّ من طبيعة الفسّاق أن يظنّوا بالناس السو، وان لا يحملواالناس على محمل حسن.

وقد يكون مفهوما ايضا ان يكون المتّهِمون للإنسان والظانّون به سوءاً هم أُناس عاديون أي ليسوا فسّاقاً ولا من الصالحين لانه قد يخطىء الناس العاديون ويقعوا بسوء الظن بالاخرين وهذه حالة قد تحصل.

ولكن ان يكون المتهمون والظانين بالإنسان سوءا من أناس صالحين او من اهل الصلاح؟  اي من شيمتهم وسمتهم وديدنهم الصلاح؟ هنا الامر مختلف.

اذ كيف ينسب الظنة والتهمة إلى أهل الصلاح، وسوء الظن بالمسلمين واتهامهم محظور؟

فعن النبي صلى الله عليه وآله: أن الله حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء .

وعن أبي عبد الله عليه السلام: إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الإيمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء .

بل مقتضى الصلاح حسن الظن بالمؤمن وعدم اتهامه.
كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك عنه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محملا.

ولذلك قال العلماء: أفعال المؤمنين محمولة على الصحة.
لكن ليس المراد بالظنة هنا الا عدم الثقة والطمأنينة بكل أحد، وليس المراد بها الاتهام بما ينافي العدالة، فإن من شأن أهل الرأي والصلاح أن لا يثقوا بكل أحد ولا يركنوا إلى كل شخص، حتى لا يغرر بهم ولا يضحك عليهم احد بل دائما هم على حذر .

ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام: الطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار عجز .

فاذن أهل الصلاح لا يتّهمون أحداً جزافاً، ولا يسيئون الظن باحد جزافا او في الحالات العادية ولكنهم يحتاطون ويحذرون ولا يثقون ولا يطمئنون بأحد سريعاً وقبل التثبت والاختبار والتحقق من وضعه وحاله، ولهذا لو اتّهم أهل الصلاح أحداً ما، فانّ هناك سبباً وراء ذلك.

من الاسباب التي تجعل الانسان موضع اتهام :

اولا: سوء الزمان واهله، فاذا ساء الزمان ولم يعد يطمئن الواحد للناس نتيجة سيطرة الانحراف والحرام والفاحشة ووو  فان من الخطأ ان يحسن الانسان الظن ويطمئن بسرعة.

 الإمام علي (عليه السلام): إذا إذا استولى الفساد على الزمان وأهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غرر .


-عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): احترسوا من الناس بسوء الظن.
الإمام الكاظم (عليه السلام): إذا كان الجور أغلب من الحق لم يحل لأحد أن يظن بأحد خيرا حتى يعرف ذلك منه .

الإمام الهادي (عليه السلام): إذا كان زمان، العدل فيه أغلب من الجور فحرام أن يظن بأحد سوءا حتى يعلم ذلك منه، وإذا كان زمان، الجور أغلب فيه من العدل فليس لأحد أن يظن بأحد خيرا ما لم يعلم ذلك منه.

الإمام الصادق (عليه السلام): إذا كان الزمان زمان جور وأهله أهل غدر فالطمأنينة إلى كل أحد عجز .

ثانيا: ان يضع الانسان نفسه في مواضع التهمة والشبهة فيتهم.

عن أمير المؤمنين عليه السلام: من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء الظن به .

وعن الامام الصادق عليه السلام:اتقوا مواضع الريب، ولا يقفن أحدكم مع أمه في الطريق، فإنه ليس كل أحد يعرفها

وعن علي (ع): من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومن من أساء به الظن.
وقال عليه السلام: من دخل مداخل السوء اتهم .

فينبغي للانسان ان لا يضع نفسه في مواقع التهمة وسوء الظن وان يتجنب التواجد في تلك المواطن

فقد روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان مع إحدى نسائه، فمرّ به رجل فدعاه صلى الله عليه وآله، فجاء، فقال: «يا فلان، هذه زوجتي فلانة». فقال: يارسول الله من كنت أظنّ به فلم أكن أظنّ بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إنّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم»

ربما لم يكن هذا الشخص متّهِماً للنبيّ صلى الله عليه وآله، وربما كان من المنافقين الذين يتربّصون بالنبيّ، فقطع صلى الله عليه وآله الطريق عليه بذلك؛ ليعلّمه ويعلّمنا كيف نتّقي مواضع التّهم.

إذاً لا يكفي أن يقول المرء: «اللهمّ جنّبني مواضع التّهم» أو «أبدلني من ظنّة أهل الصلاح»، وهو لا يتّقي مواضع التّهم، وإنّما عليه أن يسعى بعمله لتجنّب توجّه التّهمة إليه من أبسط الناس فضلاً عن تهمة أهل الصلاح، الذين لا يتّهمون أحداً جزافاً، وإذا فعلوا فإنّ تهمتهم لا يقدر على إزالتها أو مسحها إلاّ الله، بمعنى أن يحاول الإنسان ما أمكنه تجنّب كلّ ما من شأنه أن يسبّب تهمة أهل الصلاح له، وإذا ما صدر منه ما يجعل أهل الصلاح يظنّون به أو يتّهمونه يسرع بالطلب من الله تعالى أن يبدّل ذلك الظنّ إلى ثقة،.

   

فالإمام في هذه الفقرة ونظرا لدقة اهل الصلاح وعدم اصدارهم التهم والاحكام جزافا يعلمنا ان نطلب من الله تعالى أن يدفع عنا تهمة من يُحسَب لتهمهم حساب وهم اهل الصلاح الذين لا يتهمون احدا جزافا ويطلب إبدال الظنة والتهمة إلى الثقة وحسن الظنّ والطمانينة.