الحديث الرمضاني(3)

اللهم صلّ على محمد وآل محمد، ومتّعني بهدىً صالح لا أستبدل به، وطريقة حقّ لا أزيع عنها، ونيّة رشد لا أشكّ فيها.

(ونية رشد لا أشك فيها ):

أولاً: النية هي: القصد المحرك نحو الفعل القصد الدافع الى العمل والعمل دائما ينشأ عن النية

ثانيا نية الرشد هي النية الخالصة المستقيمة الصحيحة السليمة، النية التي نقصد فيها

١- الخير:

هناك نيةٌ يمكن وصفها بالسوء، وهناك نيةُ خير، والذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن هو أن تكون نيَّته دائما نيَّةَ خير. الإمام السجاد (ع) يدعو الله عز وجل -في هذه الفقرة من الدعاء- أن يجعل نيَّته نيَّة خير في كلِّ شيء.

 هناك من يقوم بالفعل، ويقصد منه الكيد، أو يقصد منه الإساءة، أو الظلم، والبغي .. وهناك من يفعل الفعل، يقصد منه الإحسان، ويقصد منه قضاء حوائج الناس، هذه نيةُ خير. فالإمام (ع) يريد أن يحثُّنا من خلال هذه الفقرة من الدعاء على أن تكون نيَّاتنا دائماً في إتجاه الخير، فالمؤمن لا يقصد الشرور، ولا الإيذاء للناس، ولا يقصد الظلم، والكيد، والبغي على أحد، هذا أولاً

٢- النية التي نقصد فيها وجه الله تعالى:

فالإنسان قد يقوم بالفعل الجميل، فيقضي حاجةً لمؤمن، او قد يصلِّي، وقد يصوم، وقد يُجاهد في سبيل الله، ويُنفق الصدقات على الفقراء، ويُشيِّد بيوت الله، وبيوت المؤمنين، وينصح، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويفعل الكثير من الخيرات ولكنَّ هذا الإنسان الذي يفعل الخيرات قد لا يتحصَّل على ثواب هذه الخيرات، ولا يجد لها أثراً في الآخرة، فيكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾(2)، ففذهبت الاعمال بثوابها؛ لأنها لم تصدر عن نيَّة خير؛ فأنت إنما جاهدتَ ليُقال عنك شجاع، وأمرتَ بالمعروف ليقال عنك جريء، وتصدَّقت ليُقال أنك كريم سخي، وصلَّيت ليقال عنك أنك من المؤمنين، المقيمين للصلاة، المؤتين للزكاة. فعلت كلَّ ذلك للناس، فإذا أردتَ ثواباً فالتمسه مِمَّن فعلتَ لهم، " فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) .

يذكر المؤرخون قصة شهيد الحمار!فيقولون أنَّ رجلاً من الصحابة أبلى بلاءا حسناً في الحرب، وجاهد وقاتل وقَتَل ثم ثم استشهد، بعد انتهاء الحرب بدأ الصحابة  يتذكرون الشهداء وبسالتهم وقالوا رحم الله فلان، فلقد أبلى بلاءاً حسناً، بقي يقاتل حتى سقط شهيداً .. فسمعهم رسول الله (ص) وعلَّق على حديثهم، وقال: نعم، هو شهيد، ولكنه شهيدُ الحمار!؟ لأنه قصد من جهاده أن يحصل عل حمار كان يملكه رجل من الاعداء ، فقُتل في سبيل ذلك وليس في سبيل الله او دفاعا عن الاسلام، فهو شهيد الحمار. اذن هما اثنان، قُتلا في معركةٍ واحدة، في صفٍ واحد، وسقطا على صعيدٍ واحد، ولعلَّ جراحاتِ هذا أكثر من جراحات الآخر، ولعلَّ من قَتَلهم من الكفار أكثر ممنَّ قتلهم الآخر.. إلَّا أنَّ هذا تستقبله الحور العين، وتُفتح له أبواب الجنات، ويُقال له ادخل من أيِّ بابٍ شئت. وأما الآخر فتُفتح له أبواب اخرى! هذه هي آثار النيات.

فعندما نبحث عن كيفية تصحيح النية يجب علينا أن نُدرك أن الذي يطلبه الله عز وجل من عمل الخير هو قصد الخير، وقصد القربة إلى الله من ذلك الفعل، وإلَّا ذهب الفعل هباءاً.

احيانا ايضا قد يقوم الانسان بعمل جميل كاتباع الهدى والتزام طريق الحق لانه يريد ان ينقذ نفسه من واقع فرض عليه وليس حبا بالاسلام والايمان والهدى ولا حبا بالحق كما حدث أثناء فتح مكّة للذين دخلوا في الاسلام بعد ان انتصر الاسلام ولم يبقى امامهم خيار اخر بالتاكيد هؤلاء نواياهم ليست كنوايا الذين اسلموا في مكة عندما كان المشركون مسيطرين ولذلك يقول الله تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْح وَقَاتَلَ﴾

فالامام يعلمنا ان نطلب من الله ان يمتعنا بنية رشد نثبت عليها ولا نشكك فيها ولا زعزعة فيها ولا تردد فيها نية صادقة خالصة صافية مطمئنة لا تشويش فيها فعندما نسلك طريق الهداية ونلتزم طريق الحق فنحن نفعل ذلك بنية من هذا النوع نية خالصة لوجه الله ونية صادقة مع الله

وثالثا نية رشد سليمة وخالصة لله نية رشد لا اشك فيها يعني نية ثابتة راسخة مطمئنة لا زعزعة فيها ولا تردد ولا شك ولا ريب ولا التباس فيها

البعض قد تكون لديه نية رشد نية يقصد فيها الخير ويقصد فيها وجه الله لكن يتسرب اليها الشك فلا تكون ثابتة وراسخة تكون مزعزعة نتيجة وساوس الشيطان؛ لأنّ الشيطان يركّز كلّ جهوده عليها فيوسوس للانسان ويحاول ان يزعزع نواياها ويحرفه فيحصل لديه شك في النية

لكن عباد الله وأحبائه الصالحين لآنهم يدعون الله ان يمتعهم بنية رشد لا شك فيها فانه لا يتسرب الشك الى نياتهم ، نياتهم ثابتة وراسخة على منهاج الرشد، فهم يخلصون النية لله عزوجل ويبتغون رضاه في جميع أفعالهم، فلا يراؤون ولا يطلبون بأعمالهم السمعة والجاه ولا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والله يحب المحسنين.