الحديث الرمضاني(1)

اللهم صل على محمد وآله ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزا ظاهرا إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها.

قبل كورونا قبل عامين تنولنا في احاديثنا الرمضانية شرحا مختصرا لدعاء مكارم الاخلاق للامام زين الغابدين (ع) وهو دعاء جليل تضمن العديد من القيم الاخلاقية والسلوكية والكثير من الخصال والصفات النبيلة التي نحتاجها وتحتاج تربيتها وامتلاكها في شخصيتنا الى دعاء و تسديد وتوفيق من الله . 

وصلنا الى الفقرة التي يقول فيها الإمام: اللهم صل على محمد وآله ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزا ظاهرا إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها.

الامام يعلمنا في هذا المقطع ان نطلب من الله انه عندما يرفعنا درجة بين الناس وتكون لنا رفعة وعزة ومكانة بدرجة معينة، ان يحط وينزل من شاننا في انفسنا بنفس تلك الدرجة.

فالانسان قد تكون لديه  منزلة ومكانة معينة عند الناس يمدحه الناس عليها ويثنون عليه وهذه المكانة قد يكون نتيجة حسن اخلاقة مع الناس او حسن معاملته للناس اونتيجة علمه ووعيه وثقافته، فترتفع درجته عندهم، وقد ترتفع درجته بسبب جوده وكرمه،او بسبب اعماله الخيرة والطيبة وخدمته للناس وسعيه في قضاء حوائجهم او بسبب غناه المادي او موقعه الاجتماعي او مسؤوليته ومنصبه او زعامته السياسية. ،

 الإنسان بشكل عام إذا كانت له مكانة عند الناس قد يشعر بالعجب والغرور والزهو وانتفاخ الشخصية والتكبر والتعالي على الناس او بالفخر فيختلّ توازنه ويسقط عند الناس؛ وكذلك عنما يكون لديه عزا ظاهرا مالا جاها موقعا في السلطة قد يشعر بالزهو ويستعظم نفسه ، ولذلك ينبغي لنا أن نسأل الله تعالى بأن يصغّرنا في نفوسنا كلّما كبرنا في أعين الناس، ان يجعلنا ننتقص من انفسنا ونحط من انفسنا بنفس الدرجة التي ارتفعنا بها عند الناس . فالانسان عندما يرتف بين الناس لاويكون لديه عز ظاهر عليه ان لا يستعظم نفسه بل يستصغرها، ويشعر في داخله وباطنه وبينه وبين نفسه بانه شخص عاجزة ناقص ضعيف حتى لا يغتر ولا يتكبر.

 فأيّ درجة أرتفع بها في الناس، فبقدرها ياربّ أنزلني عند نفسي. أي اجعلني أرى نفسي نازلةً بالدرجة ذاتها، لئلاّ أصاب بالغرور ولكي أسعى للارتفاع دائماً ولا تغرّني نظرة الناس إليّ؛ وبالمقدار الذي تمنحني فيه عزا ظاهرا احدث في داخلي ذلة باطنة

والمقصود بالذلة الباطنة ليس الشعورة بالضعةةواحتقار النفس بل الشعور بتواضع النفس وليس ضعتها، فإنّ العزّة الظاهرة قد تضرّ بالإنسان وتخلّ في توازنه، فيتصوّر نفسه أعظم من غيره، فينبغي ان يشعر في داخله بقدر العزة التي حصل عليها بالنقص والضعف والعجز حتى لا تنتفخ شخصيته ويندفع نحو التكبر.

والهدف من العاء في هذا المقطع اربعة امور :

 

الاول : ان يتوجه الانسان الى الله ليقيه ويجنبه ويحفظه من الكبر والعجب والغرور وشوفة الحال، احيث ان كثيرا ما تنشأ هذه الامور القبيحة من خلال الرفعة والعز الظاهرين بين الناس.
ولذلك عن الامام السجاد عليه السلام أنه قال: كفى بالمرء فتنة أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا .

الفتنة والاختبار والامتحان هو هو عندما يشار الى الانسان بالاصابع ويصبح موضع حديث الناس ومديح الناس فهل يتواضع او يغتر ويتكبر .

فقد يشار الى الانسان بالاصابع لاجل متانة دينه والتزامه ، فلان عظيم لانه دينه قوي صلاته صيامه عباداته وطاعاته للهنه وقد يشار اليه ويصبع محط حديث الناس بسبب دنياه كونه يملك مالا او جاها او منصبا او سلطة، كل هذا فتنة واختبار فهل يتكبر ويسقط او يتواضع ويزداد رفعة وعزة؟

هنا الامام يعلمنا كيف ندعو الله :فاذا كانت لدينا مكانة بدرجة معينة او لدينا عزا بمقدار معين وبمستوى معين فاننا نسال الله ان يجعلنا نشعر في داخلنا وفي باطننا بالضعف والنقص والعجز بنفس الدرجة حتى لا نصاب بالغرور والتكبر فنسقط.

الثاني: ان نتحلى بالتواضع عند حصول الرفعة والعز ، فإن أحسن التواضع ما كان عن رفعة، كما أن أحسن العفو ما كان عن قدرة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله: طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وذل في نفسه عن غير مسكنة

الثالث: ان نحفظ تلك الدرجة الرفيعة والعز الظاهر من الزوال ان نحافظ على هذه المكانة والمنزلة التي منحنا الله اياها فلا ندمرها ولا نخربها ولا نفرط بها بل نعمل على زيادتها وتاكيدها وتعزيزها.
هناك أشخاص كانت لهم منازل رفيعة عالية، إنحطوا عنها بعدم التواضع، وزالت عنهم بسبب الكبر، كابليس الذي كان افضل والعلم الملائكة وكان له مكانة عظيمة عند الله ولدى الملائكة ولكنه لم يحافظ عليه بسبب استكباره وتمرده وشعوره بالاستعلاء والتفوق فاهبطه الله من الجنة الى الارض  وتخلى عنه ، قال تعالى: «فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها» وهذا يدل على أن الانحطاط عن رفيع الدرجات إنما يكون بالتكبر .

وفي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله.
يروي عمرو بن شيبة قال: كنت بمكة بين الصفا والمروة، فرأيت رجلا راكبا بغلة وبين يديه غلمان، فإذا هم يعنفون بالناس، ثم عدت بعد حين فدخلت بغداد فكنت على الجسر، فإذا أنا برجل حاف حاسر طويل الشعر، فجعلت أنظر إليهوأتأمله، فقال لي: مالك تنظر إلي؟ فقلت: شبهتك برجل رأيته بمكة، ووصفت له الصفة فقال: أنا ذلك الرجل، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: إني ترفعت في موضع يتواضع فيه الناس، فوضعني الله حيث يترفع الناس
الرابع: ان يعرف الانسان انه بحاجة دائما الى الله وانه كائن ضعيف لا يقوى على شيء من دون الله وتسديده وليعلم أن تلك الفضائل من الرفعة والعز والمكانة والنزلة عند الناس، لم تحصل له بمعزل عن الله سبحانه وتعالى، فهو الذي رزقه واعطاه ليعطي الناس وهو الذي مده بالقوة ليخدم الناس او ليصبح عالما او زعيما او وجيها او غنيا او او او  ، وبالتالي مكانته ورفعته هي من الله الزي هو مسبب الاسباب والذي هو  واهب النعم ومفيضها على البشر .