الحديث الرمضاني (17) مظاهر التراحم ومظاهر الاساءة

بسم الله الرحمن الرحيم التراحم والتعاطف والتوادد بين المؤمنين والمؤمنات في حياتهم اليومية ضرورة دينية وأخلاقية وإنسانية, وهو أمر مطلوب في داخل المجتمع، ويتأكد ذلك في أيام العيد، وذلك للحفاظ على الأخوّة وتعزيز روح المحبّة والتعاطف فيما بينهم، والتأكيد على استمرارية العلاقة والترابط والتواصل بين المؤمنين والمؤمنات ، الكبير والصغير، الحاضر والغائب، الغني والفقير ..

وفي المقابل فإن الإساءة أو الإهانة أو إيذاء المؤمنين بعضهم لبعض هو أمر مرفوض دينياً وأخلاقياً وإنسانياً ويجب إجتنابه، وذلك للتخلّص من حالات الحسد والكراهية والحقد والتباغض وغيرها من السلوكيّات الخاطئة الّتي تقع بين أفراد المجتمع.

 

 فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه.

 يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإنّ روح المؤمن لأشدّ اتصالاً بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها".

ولكنّ ذلك الجسد الواحد الّذي يجمع المؤمنين ويصل أرواحهم بروح الله سبحانه وتعالى، لا معنى لكثرة العدد فيه ولا قيمة لحجمه الكبير ما دام لا يغفر المؤمنون لبعضهم البعض، ولا يرحم أحدهم الآخر, ولا يواسون بعضهم البعض, ولايعطفون على بعضهم البعض, ولا يفشون المحبة والمودّة فيما بينهم.

فقد روي عن أبي إسماعيل "قال: قلت لأبي جعفر الكاظم (عليه السلام): جعلت فداك إنّ الشيعة عندنا كثير.

فقال (عليه السلام): فهل يعطف الغنيّ على الفقير؟ وهل يتجاوز المحسن عن المسيء، ويتواسون؟

فقلت: لا.

فقال (عليه السلام): ليس هؤلاء شيعة، الشيعة من يفعل هذا".

 وهذا لا يعني أن المطلوب من المؤمن أن يرحم أخوانه المؤمنين فقط ويتودد إليهم  ولا يعطف على سائر الناس ولا يتودد إليهم, فالإمام علي(ع) يقول: (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) أي في الإنسانية, وكما أن التودد والرأفة والشفقة والعطف مطلوب اتجاه المؤمنين فهو مطلوب اتجاه غيرهم من المسالمين غير المحاربين وإن لم تتفق معهم في العقيدة والدين والطائفة والمذهب, فالإنسان المؤمن الذي يحمل هذ الخلق ويتحول الى جزء من شخصيته, يصبح يتعامل به مع الجميع بلا فرق بين أبناء دينه وبين غيرهم.

فعن الإمام الرضا(ع) قال: قال رسول الله(ص): رأس العقل بعد الدين التودد الى الناس واصطناع الخير الى كل أحد برّ أو فاجر.

ولأن التراحم والتعاطف من الصفات الكريمة التي يحبها الله، فقد جعل الرحمة والعطف والرأفة والشفقة في قلوب الأنبياء والمؤمنين الصالحين, لا سيما في قلب نبينا محمد بن عبدالله(ص) وأتباعه الذين معه يقول تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾الفتح 29

ويقول عن الصالحين: (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ) الحديد 17

ويقول تعالى:(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم )التوبة 128.

 

من أبرز مظاهر التراحم والتعاطف :

1-التزاور وصلة الأرحام والتواصل وعدم القطيعة بين الأقارب والمؤمنين بشكل

والحدّ الأدنى من صلة الرحم في ظلّ حياتنا اليومية المليئة بالعمل وتزاحم المشاغل، هو التحيّة والسلام، والتزاور ولو في المناسبات والأعياد,

فقد روي عن الإمام عليّ (عليه السلام) انه قال: "صلوا أرحامكم ولو بالتسليم، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾". 

2-الإحسان الى المؤمنين: لا سيما الى الوالدين والأقرباء والأرحام ومواساتهم واسداء المعروف لهم.

يقول تعالى : وَقَضَىٰ رَ‌بُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ

3 - السعي في قضاء حوائج المؤمنين:وتفريج الكرب عنهم، والسّاعين في قضاء حوائج المؤمنين هم من الآمنين والمسرورين يوم القيامة، قال الإمام الصادق (عليه السلام): "إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة، ومن أدخل على مؤمن سروراً فرّح الله قلبه يوم القيامة ".

4- الاهتمام بأمور المؤمنين وشؤونهم:

لقد شدّد الإسلام كثيراً على مسألة الاهتمام بأمور المسلمين، وتتبُّع شؤونهم الاجتماعية والسياسية وغيرها، والعمل على تقديم النصيحة والمشورة لهم قدر المستطاع.

فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم".

 

وكل مظهر آخر غير مظهر الرحمة والرأفة والمودة والشفقة والعطف بين المؤمنين هو مظهر لا يمت الى محمد وأتباعه بصلة.

من مظاهر انعدام الرحمةوالرأفة:

 

أ-ترويع المؤمنين وإخافتهم بالسلاحوبغيره أو بإطلاق النار أو المفرقعات, هو عمل لا أخلاقي مؤذ ومسيء الى صورتنا, ويجب إقتلاعه من مجتمعنا، لأنه بات يؤدي الى سقوط ضحايا بريئة من الصغار والكبار, وهذا أمر لايجوز ومرفوض من أي كان ولأي سبب كان.. هذه العادة التي تكثر في المناسبات يجب الاقلاع عنها والتنبيه عليها من قبل الجميع.

  عن النبي (ص): من أخاف مؤمنا كان حقاً على الله أن لا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة.

 وعنه(ص): لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح, فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار.

ب-إهانة المؤمنين وإيذائهم بالقول أو بالفعل كلها أمور تسيء الى صورة المؤمنين ومجتمعاتهم.

الامام الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عز وجل: من أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي.

ج-اذلال المؤمنين وتحقيرهم ، هو عمل محرم.

عن الصادق (عليه السلام) قال: من استذل مؤمناً واحتقره لقلة ذات يده ولفقره, شهره الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق

د-تأنيب المؤمنين وتعييرهم, وإسقاطهم من عيون الناس, والنيل من كرامتهم, والطعن بدينهم أو أخلاقهم أو ما شاكل, هي أيضاً أمور غير جائزة.

عن الصادق (عليه الــــسلام) قال: من أنّب مؤمناً أنبه الله عز وجل في الدنيا والآخرة.

يجب الإقلاع عن مثل هذه السلوكيات التي تخرب العلاقات والروابط بين أبناء المجتمع, يجب ان نتواصى بالحق فيما بيننا وأن ننهى أبناء مجتمعنا عن كل ما يضر بجتمعنا ويسيء الى صورتنا وصورة ديننا, على قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة الى الخير التي هي وظيفتنا جميعاً .