الحديث الرمضاني (16) الفخر آفة الأخلاق

بسم الله الرحمن الرحيم(وأغنني وأوسع علي في رزقك، ولا تفتني بالبطر، وأعزني ولا تبتليني بالكبر، وعبدني لك، ولا تفسد عبادتي بالعجب، وأجر للناس على يدي الخير، ولا تمحقه بالمن، وهب لي معالي الأخلاق، وأعصمني من الفخر).

قوله عليه السلام: «وأعصمني من الفخر» اي احفظني وقني من الفخر ،

لما كان الحصول على معالي الأخلاق ربما يدفع ويجنح بالنفس الأمارة إلى الفخر المذموم،سأل الامام عليه السلام ربه في الدعاء ان يعصمه ويقيه منه.

والفخر: ادعاء العظمة والكبر والشرف ومن ثم التباهي والتبجح امام الناس بالمناقب والخصال والمزايا التي يملكها الانسان والترفع والتعالي عليهم خصوصا اذا كان الانسان قد حصل على معالي الاخلاق، فانه قد يتباهى ويعدد صفاته وفضائله ويتكبر على الناس، ويرى في نفسه ما ليس فيهم فيحتقرهم ويستخف بهم. وهذا هو الفخر المذموم، وهو يكون بالنسب والحسب والعمل.

 التفاخر بالنسب ان يفاخر الانسان بانتسابه الى هذه العائلة او تلك الى هذا الجب او ذاك او بانتسابه الى نسل الشرفاء كرسولالله واهل بيته(ع)وينتقص الآخرين.

والتفاخر بالحسب ان يفاخر بصفاته وسمعته لان الحسب : يعني الشرف الثابت في الآباء, وبمعنى آخر هو رصيد الإنسان, وسمعته من الأخلاق, والشجاعة, والشرف, وسائر صفات الأخلاق الحميدة.

والتفاخر بالعمل ان يفاخر  باعماله وبانجازاته ويحتقر انجازات الآخرين.

واحيانا يفاخر الانسان بعلمه بماله بجاهه بمكانته بمنصبه الخ.

.وقد وردت في ذم هذا النوع من الفخر نصوص وروايات عديدة:

 فالله تعالى يقول: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم).

وعن الإمام علي (عليه السلام):من صنع شيئاً للمفاخرة حشره الله يوم القيامة أسودا .

أحيانا يقوم الشخص بعمل طيب وخير ولكنه لا يقوم به بهدف التقرب من الله وخدمة الناس وقضاء حوائجهم وانما من اجل المفاخرة والتباهي (وشوفة الحال) وانه ليس هناك من يفعل الخير مثله..فهذا يحشره الله اسودا.

وعنه عليه السلام: ما لابن آدم والفخر، أوله نطفة، وآخره جيفة، لا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه.

وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام): ما لابن آدم والفخر، وإنما أوله نطفة مَذِرَة،(اي بيضة فاسدة) وآخره جيفة قذِرة، وهو فيما بين ذلك يحمل العذِرة .

ونظم ذلك بعضهم فقال:

ما بال من أوله نطفة وجيفة آخره يفخر              أصبح لا يملك تقديم ما يرجو ولا تأخير ما يحذر

وعن الامام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: آفة الحسب الافتخار.

أي: أن الافتخار يهدم الحسب، وهو شرف الإنسان ومكارمه كالشجاعة والسخاء وحسن الخلق.

وبهذا الحديث يظهر سر سؤال زين العابدين عليه السلام العصمة من الفخر بعد سؤاله معالي الأخلاق.

وطبعا هذا لا يعني ان لا يفتخر الانسان بصفاته وآبائه وصفاتهم وبانجازاته وأعماله الطيبة وان لا يحدث بها ولا يذكرها،  فان الحديث عن الواقع من باب التحدث بالنعمة واظهار النعمة وشكرها وحمد الله عليها وبيان الواقع .. هذا لا اشكال فيه انما المشكلة هي الفخر الذي يكون للتباهي والتعالي .

النبي(ص) فاخر بانتسابه لآدم، فمن الأحاديث المشهورة في هذا المجال قول النبي صلى الله عليه وآله: أنا سيد ولد آدم ولا فخر.

 أي: لا أفتخر بذلك، لأني لم أنله من قبل نفسي بل بفضل ربي، ولا أقوله تبجحا، ولكن شكرا لله وتحدثا بنعمته، وتبليغا إلى الأمة ما يجب معرفته والإيمان به، وهذا هو الفخر المحمود والممدوح.

والفرق بين الفخر المذموم والفخر المحمود، أن الفخر المحمود أن يذكر شيئاً من فضائله من باب بيان الواقع والتحدث بنعمة الله عليه، لا من باب التباهي والتعالي على الناس وشوفة الحال الذي يؤدي الى الكبر والتكبر، او انه يذكر الفضائل وما يتحلى به من اخلاق وخصال وقيم من اجل ان يقتدي به الناس ويعملوا مثله بل ليشجعهم على العمل والاقتداء به، فيقول مثلا: أنا فعلت كذا وكذا او انا صفاتي كذا وكذا او افعل كذا وكذا ليشجع الناس على الفعل الحسن والصفات الطيبة التي فيه،وليس في نيته التكبر على الناس والتبجح امامهم ، فإذا ذكر الانسان مزاياه  او انجازاته او تجاربه في اي مجال لأجل التحدث بنعمة الله أو لتشجيع الناس على الفعل والاقتداء فإن هذا النوع من الفخر لا اشكال فيه وهو محمود وليس مذموما

والروايات الدالة على الفخر المحمود كثيرة منها:

عن الإمام علي (عليه السلام:لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا ذكر لنفسه فضيلة قال: ولا فخر .

وعنه (عليه السلام): ينبغي أن يكون التفاخر بعلى الهمم، والوفاء بالذمم، والمبالغة في الكرم، لا ببوالي الرمم( الاشياء البالية)، ورذائل الشيم .

وعن الإمام الصادق (عليه السلام:ثلاث هن فخر المؤمن وزينة في الدنيا والآخرةالصلاة في آخر الليل، ويأسه مما في أيدي الناس، وولايته لإمام من آل محمد (صلى الله عليه وآله).

وقيل: إن أمير المؤمنين (عليه السلامعاد صعصعة بن صوحان في مرضه، فلما قام من عنده قال: يا صعصعة! لا تفتخرن على إخوانك بعيادتي إياك واتق الله.

 وفي حديث اخر: لا تجعلن عيادتي إليك أبهة على قومك، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكن نعمة وشكرا، فقال له علي (عليه السلام): إن كنت لما علمت لخفيف المؤونة عظيم المعونة، فقال صعصعة: أنت والله يا أمير المؤمنين إنك ما علمت بكتاب الله لعليم، وإن الله في صدرك لعظيم، وإنك بالمؤمنين لرؤوف رحيم .