الحديث الرمضاني (15) معالي الأخلاق

 بسم الله الرحمن الرحيم (وأغنني وأوسع علي في رزقك، ولا تفتني بالبطر، وأعزني ولا تبتليني بالكبر، وعبدني لك، ولا تفسد عبادتي بالعجب، وأجر للناس على يدي الخير، ولا تمحقه بالمن، وهب لي معالي الأخلاق، وأعصمني من الفخر).

من الملفت في هذا المقطع، من بدايته الى نهايته، هو ان الامام(ع) يطلب من الله ان يمنحه الفضيلة وان لا يفسدها بآفتها، لان لكل فضيلة آفة تفسدها، فقد قرأنا في الفقرات السابقة قول الإمام (ع)من البداية: (وأوسع عليّ في رزقك ولا تفتنّي بالبطر) لان البطر من آفات الرزق الواسع، فالإمام يطلب من الله السعة في الرزق والوقاية من البطر، وقوله (ع): (وأعزّني ولا تبتلِيَنّي بالكِبر) لأن آفة العزة الكبر فعندما يفرط الانسان في الشعور بالعزة يقع في الكبر. ويقول (ع): (وعبّدني لك ولا تُفسد عبادتي بالعجب)آفة العبادة العجب ، ويقول: (وأجرِ للناس على يدي الخير ولا تمحقه بالمنّ) فالمنّ آفة عمل الخير للناس، ويقول (ع) في الجملة الاخيرة(وهب لي معالي الأخلاق واعصمني من الفخر) فان الفخر آفة معالي الأخلاق.  

يقول (ع) : (وهب لي معالي الأخلاق واعصمني من الفخر) .

الامام في هذه الفقرة: يطلب من الله ان يهبه ويملكه معالي الاخلاق ومكارمها وان يعصمه من الفخر.

اولا: لا بد ان نعرف ان الامام حتى لو لم يكن في مقام التعليم اي تعليمنا كيف ندعو وكان يدعو هو حقيقة بهذا الدعاء: (وهب لي معالي الأخلاق واعصمني من الفخر) فان ذلك لا ينافي العصمة والكمال الذي وصل اليه الامام وائمة اهل البيت(ع) لأن لمعالي الأخلاق والعصمة من الفخر مراتب ودرجات، وهذا يعني أن الإمام المعصوم يطلب من الله أن يهبه المراتب العليا من معالي الأخلاق والدرجات العليا من العصمة من الفخر.

صحيح أن مراتب الإمام في معالي الأخلاق عالية جداً جداً، ولكن الصحيح أيضاً أن ذلك لا ينافي أن الأئمة يطلبون المزيد والمراتب والدرجات والمقامات الأكثر رفعة وعلوّاً أيضاً.

ثانيا:ان كلمة «هب» من الهبة وهي غير العطاء، هي تمليك بلا مقابل، تقول: وهبتك هذا الشيء، يعني اعطيتك اياه بلا عوض وبلا مقابل فالإمام (ع) يطلب من الله أن يهبه ويملكه معالي الأخلاق وليس ان يعطيها له فقط، لان العطاء اعم من التمليك؛ فعندما يقول (هب لي) فمعناه (ملّكني) يا ربّ معالي الأخلاق واجعلها ملكاً وملَكة لي،وحالة ثابتة وليست طارئة بحيث تكون عندي عندما اكون غنيا فإذا صرت فقيراً زالت، أو تكون عندي حينما اكون مرتاحا او عندما تكون صحتي جيدة فاذا تعبت أو مرضت زالت، كلا، بل اجعل اللهم معالي الأخلاق مملوكة لي، اجعلها جزءا من شخصيتي وكياني وذاتي.

والله يملكنا ويهبنا ويتفضل علينا من نعمه وجوده وكرمه ومن كل شيء بلا عوض وبلا مقابل. هذه هي الطريق التي يتبعها الله في التفضل على عباده، انه يتفضل عليهم من نعمه بلا مقابل ، وإلا فما هو العوض الذي يمكن ان يقدّمه العبد لله تعالى؟ وهل يستطيع ان يعطي العبد الفقير المحدود العاجز، السيد الغني القوي الجواد المطلق؟ البعض قد يقول نعطيه العبادة! لكن إذا قام الانسان بالعبادة فانما يقوم بذلك بفضل الله ونعمته وما منحه له من قدرة وقوة، وليس بقدرته الذاتية، والله غني عن عبادتنا، وهو يعطينا حتى لو لم نعبده، الا يعطي حتى الكافرين؟.

ثالثا: هب لي معالي الاخلاق: فالامام يدعو ربّه أن يملّكه معالي الاخلاق، فهو لا يطلب ان يملكه مالا أو عقارا او شقة او مسؤولية او سلطة، ولا حتى الاخلاق العادية بل معالي الاخلاق، والمعالي اسم من العلاء وهو الرفعة والشرف. فمعالي الاخلاق اي الأخلاق الحسنة الرفيعة العالية الشريفة، لأن الخلق قد يكون سيئاً وقد يكون حسناً، فالجبن مثلاً خلق سيّئ والشجاعة خلق حسن، والبخل خلق سيّئ والكرم خلق حسن، والجزع خلق سيّئ والصبر خلق حسن، وهكذا.

فالإمام يعلمنا ان نطلب من الله ان يملكنا معالي الاخلاق اي محاسنها ومكارمها هذا اولا، وثانيا: أعلى مراتبها. اي يملكنى من كل صفة اعلى مراتبها ، يعطينى الصبر باعلى مراتبه ، والتواضع باعلى مراتبه، والصدق باعلى درجاته، والامانة باعلى مراتبها وهكذا ، ان نصل في كل هذه الصفات وغيرها الى القمة والى اعلى الدرجات. وهذ ما توحيه كلمة معالي التي تدل على  العلو والشرف والرفعة والمرتبة العليا .

فالمقصود بمعالي الاخلاق مكارم الاخلاق والمراتب العليا من حسن الخلق .

وحسن الخلق هو ملكة وصفة يسهل على صاحبها فعل الجميل وتجنب القبيح، ويُعرف حسن الخلق في الانسان عندما نراه يعاشر الناس بالمعروف، والصدق، والصلة، والتودد، واللطف، والبر، وحسن الصحبة والعشرة، والمراعاة، والمواساة، والرفق، والحلم، والصبر، والاحتمال لهم، والإشفاق عليهم الخ..

 ولذلك عندما ندقق في بعض الروايات نجد انها عرفت حسن الخلق بالسلوك والآثار والأفعال التابعة له الدالة عليه.

 فبعض الروايات قالت هو بسط الوجه، وكف الأذى، وبذل الندى.

 وبعضها: هو أن لا يظلم صاحبه احدا، ولا يمنع ولا يجفو أحدا، وإن ظلم غفر، وإن منع شكر، وإن ابتلي صبر.

وقد حثت الروايات  على حسن الخلق وعلى تحصيله واكتسابه :

عن الامام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق.

وعن الامام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم .

وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أكثر ما تلج به أمتي الجنة تقوى الله وحسن الخلق .