الحديث الرمضاني (12) العجب في العبادة

بسم الله الرحمن الرحيم(وأغنني وأوسع علي في رزقك، ولا تفتني بالبطر، وأعزني ولا تبتليني بالكبر، وعبدني لك، ولا تفسد عبادتي بالعجب، وأجر للناس على يدي الخير، ولا تمحقه بالمن، وهب لي معالي الأخلاق، وأعصمني من الفخر).


قوله عليه السلام: «وعبدني لك ولا تُفسد عبادتي بالعجب »أي اجعلني عابدا لك، وامنحني التوفيق لأن أعبدك حقّ عبادتك، وأن اقوم بما تقتضيه العبودية لك، لأن الانسان لو بذل كل ما في وسعه وطاقته في عبادة الله تعالى، وقام بكلّ ما تقتضيه العبودية لله من قيام بالواجبات والمستحبات ومن ترك للمحرمات والمكروهات، وسعى بكل جد ليجعل كل أعماله ـ حتى المباحات ـ عبادة لله سبحانه وتعالى، لن يفي حق الله تعالى في العبادة ولن يبلغ ما يليق بمقامه وعظمته ولن يتمكن من ان يفي حقه في الشكر على نعمه واحسانه وكرمه وجوده والطافه وخيره الجزيل.

إذن معنى «وعبّدني لك»: إلهي إن عبادتي لا تليق بمقامك وبعظمتك فاجعلها لائقة بك وبمقامك..

بعض الناس قد يصلي بسرعة وبلا توجه ويعتبر نفسه انه ادى حق العبادة! البعض الاخر لانه يستيقظ على صلاة الصبح او لانه يقوم ببعض النوافل والمستحبات، يمنن ربه ويعتبر انه يستكثر من العبادة وانه يطيع الله كثيرا ولا يشعر بالتقصيرامام الله .

عن الامام الرضا (عليه السلام) قال: قال لبعض ولده: يا بني، عليك بالجد، ولا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله عز وجل وطاعته، فان الله لا يعبد حق عبادته.

لذلك لكي يصل الانسان الى حق العبادة يحتاج الى دعاء وتوسل وتوفيق من الله.

( ولا تفسد عبادتي بالعجب)

لكل فضيلة آفة، وآفة العبادة العجب، ولذلك نرى الإمام (ع) يطلب من الله عزوجل أن يعبّده له وأن لا يفسد عبادته بالعجب. فالإنسان وإن بلغ القمة في العبادة والطاعة يبقى معرّضاً للمزالق ومن جملة مزالق العبادة العجب بها.

 والعجب في العبادة: استعظام العمل الصالح مثل الصلاة الصيام الحج الزكاة الجهاد الامر بالمعروف البر الخ واستكثاره والابتهاج له والسرور به، وأن يرى الانسان نفسه غير مقصر امام الله فلا يشعر بالتقصير في عباداته وطاعاته بل هو يستعظمها ويمنن ربه بها ويرى انه يكثر منها، وهذا هو العجب المفسد للعبادة.

نعم اذا كان السرور بالعبادة من جهة كونها توفيق من الله ونعمة من الله ان وفق الانسان للقيام بها وهو خائف من ان تكون ناقصة ويتمنى ان يوفقه الله للزيادة، فهذا السرور ليس عجبا، اما اذا كان الابتهاج لجهة انه كثير العبادة وهي صفته اللصيقة به، فاستعظمها وركن إليها، ورأى نفسه خارجاً عن حد التقصير، وصار كأنه يمن على الله سبحانه بسببها فذلك هو العجب".

والعُجب ليس مبطلاً للعبادة حسب المشهور بين الفقهاء وإن كان أثناء العمل والعبادة،  بخلاف الرياء ـ وإن كان هناك رأي يقول بأنه كالرياء من هذه الناحية أي يبطل العمل إذا كان مقروناً به ـ ولكنه يُفسد العبادة وينسفها  وينسف قيمتها، أي لا يثاب المكلّف عليها ولا يؤجر، فالعبادة التي يُعجب بها صاحبها ليست باطلة ـ حسب مشهور الفقهاء ـ ولكنها فاسدة، وما كان فاسداً فلا يؤجَر عليه صاحبه ولا ينبغي له أن يتوقع قبوله شرعاً.

عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: جاء عالم الى رجل عابد فقال له: كيف صلاتك؟ فقال: مثلي يُسئل عن صلاته، وأنا أعبد الله منذ كذا وكذا؟! قال: فكيف بكاؤك؟ فقال: أبكي حتى تجري دموعي، فقال له العالم: فإن ضحكك وأنت خائف أفضل من بكائك وأنت مدل( اي مستكثر لعملك ومتكل عليه وتظنانه ينجيك)، إن المدل لا يصعد من عمله شيء.

وعنه (عليه السلام) قال: دخل رجلان المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق، فخرجا من المسجد والفاسق صديق، والعابد فاسق، وذلك أنه يدخل العابد المسجد مدلأ بعبادته، يدل بها فتكون فكرته في ذلك، وتكون فكرة الفاسق في التندم على فسقه، ويستغفر الله عز وجل مما صنع من الذنوب.

 

العجب يُفسد كل شيء

إن العجب لا يفسد العبادة فقط بل يفسد كل شيء، فهو يفسد العلم والصحة والأخلاق، فالعالم إذا كان عنده عجب بعلمه غفل عن افكار دقيقة وعن تحصيل المزيد من العلم والمعرفة، لأنه يرى نفسه عالماً وتفوته افكار والتفات كثيرة كان سيلتفت إليها لولا غروره وإعجابه بعلمه، وهكذا المعجب بصحته قد يصاب بأمراض يحسب نفسه بعيداً عنها، والشيء نفسه يصدق بالنسبة للمعجب بأخلاقه.فانه لادنى شيء يغضب ويسب ويشتم.

ثم ما الداعي ليعجب الانسان في العبادة ما هو الشيء الذي يعجب به العابد من عباداته؟ هل يعجب بصلاته وصومه وزكاته وصدقاته وكلها من الله تعالى؟! الصحة التي يقوى بها العبد على الصلاة هي من الله، العقل والفهم للاذكار من الله، القدرة على حركات الصلاة وافعالها على الركوع السجود القيام الخ هي من الله تعالى، وكذلك اليد والأعضاء التي بها نعبد الله هي منه تعالى أيضاً، فهل يحقّ لنا بعد ذلك أن نمنّ عليه في عباداتنا أو أن نعجب بها؟

فإذا كان كلّ شيء من الله، سيكون اعجاب الانسان بنفسه او بعبادته أمراً مثيراً للعجَب، إذا تأمّل الانسان سيدرك ان العجب ليس في محله ، ولكنها الشهوات والاهواء والطموحات والامال تحول بين الانسان وبين التفاته إلى هذه الحقائق، فهو يحتاج إلى الدعاء، وتعليم الإمام (ع) له بأن يتوجه إلى الله تعالى بالقول: «وعبّدني لك ولا تُفسد عبادتي بالعجب».