الحديث الرمضاني (11) الكبر والتكبر

بسم الله الرحمن الرحيم (وأغنني وأوسع علي في رزقك، ولا تفتني بالبطر، وأعزني ولا تبتليني بالكبر، وعبدني لك، ولا تفسد عبادتي بالعجب، وأجر للناس على يدي الخير، ولا تمحقه بالمن، وهب لي معالي الأخلاق، وأعصمني من الفخر).

الكبرهو حالة نفسية مرضية تدعو الى الاعجاب بالنفس، والشعور بالعظمة والرفعة، والتعالي على الاخرين ، والتكبر هو اظهار تلك الحالة بالقول أو بالفعل والممارسة،  وهو من أخطر الأمراض الخلقية، واشدها فتكاً بالانسان، وهو من اشد الدواعي التي تسبب مقت الناس للمتكبر وازدرائهم به، ونفورهم عنه،ولذلك قال تعالى﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ)النحل:23  وقال تعالى﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ)الزمر:60. وقال تعالى﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾(لقمان:18).

وقال علي عليه السلام: ما من رجل تكبر أو تجبر، إلا لذلة وجدها في نفسه.

عندما قرأت هذا الحديث تذكرت ترامب الرجل الوضيع الخسيس المتهتك البعيد عن القيم والاخلاق هذا الرجل لأنه يشعر بوضاعة نفسه ولانه حقير يعوض هذه العقدة النفسية التي يشعر بها بالاستكبار والتكبر والغطرسة والتجبر فهو يجد في نفسه لوضاعته وتهتكه مذلة تدفعه للتكبر والتجبر ليعوض من خلال ذلك ما يشعر به من مذلة ونقص ووضاعة.

علامات الإنسان المتكبّر:

والمتكبر له علامات تظهر على ملامح وجهه وفي أقواله وتصرفاته وأفعاله. فمن علامات الإنسان المتكبّر أنه يتخايل في مشيته، وتراه مقطّب الجبين، عبوس الوجه، يشيح بوجهه عمّن يحدّثه ويشمئزّ من كل ما يدور من حوله، ويتحدّث كثيراً عن نفسه بعبارات فيها مبالغة، ويقطع كلام الآخرين باستمرار ولا يصغي إليهم معتبراً كلامهم تافهاً وعديم الجدوى، وفي المقابل يتوقّع منهم الإصغاء لكلامه والثناء عليه. واذا كان مسؤولا لا يقابل الا المسؤولين ولايرد على الهاتف، ولا يبادر إلى السلام، ويسعى ليجلس في الصفوف الأمامية في المجالس والمحافل، ويتجنّب معاشرة الفقراء والمحتاجين، ولا يساعد في قضاء حوائج الغير بل يتوقع من الجميع أن يقدّموا الخدمة له وان يكونوا في خدمته.

واسوء درجات التكبر ان يصاب المتكبر بجنون العظمة، ويفرط في حب الظهور والشهرة والسمعة، ويتحدث عن نفسه وصفاتها ومزاياها وبطولاتها وانا وانا .. وهكذا.


مساوئ التكبّر

ومن مساوئ التكبر ونتائجه السيئة في حياة الفردان المتكبر يغفل عن عيوبه واخطاءه وسلبياته فلا يعود يلتفت الى عيوبه وسلبياته ، ولا يهتم بتهذيب نفسه، فيصبح هدفاً للنقد، وعرضة للازدراء.

ومن مساوئ التكبر الاجتماعية:إن الغطرسة مرض يجعل الانسان، منبوذاً يعاني مرارة العزلة والوحشة لان الناس تنفر منه وتشمئز من تصرفاته، وقد ينعكس ذلك على اهل بيته و كل المرتبطين بهفتتم مقاطعتهم بسببه.

بواعث التكبر

واحد اهم  الأسباب  التي تدفع نحو التكبر: ان يبالغ الانسان في تقييم نفسه، وويشعر بانه يملك من المزايا والصفات والامكانات والفضائل ما لا يملكه غيره  وهذا ناشىء من الافراط في الاعجاب والزهو بالنفس فإنه يرى نفسه الأكمل والأفضل والأعظم والآخرين أدنى منه، فيترفّع عنهم ويحتقرهم. وقد يكون هذا الكمال المتوهّم نابعاً من الأمور الدنيوية من قبيل: الحسب والنسب الشريف، كثرة الأولاد والأنصار، الجمال، المال، القوة الجسدية، النفوذ السياسي أو الاجتماعي وغيرها.. أو من الأمور الدينية حتى، كأن يتصوّر نفسه عالماً أو عابداً، ويرى في المقابل الآخرين جاهلين لا يعلمون شيئاً عن حقائق هذا الدين، فيعتزّ بعلمه أو عبادته ويستعظم نفسه، ويحتقر غيره ويتعالى عليهم.

علاج التكبر

لا بد من معالجة هذه الحالة عن طريق :

1- أن يعرف المتكبر واقعه  وحقيقته ، فكل انسان مهما تظاهر امام الاخرين بالقوة والمنعة والنفوذ يعرف حجمه وحجم امكاناته ولا يمكن ان يضحك على نفسه كما يضحك على الاخرين، كل انسان يعرف حقيقة نفسه وواقعه جيدا، يعرف انه مهما كان يملك من اسباب القوة او الجاه فهو ضعيف وعاجز: فأوله نطفة قذرة، وآخره جيفة منتنة، وهو بينهما عاجز واهن، لا يستطيع ان يدفع عن نفسه الفقر والمرض، ولا الموتُ والبِلاء والمصائب، لا يقوى على جلب المنافع وردّ المكاره، فحقيق بمن اتصف بهذا الوهن، أن ينبذ الأنانية والتكبر.

 عن الصادق عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: "وقع بين سلمان الفارسي وبين رجل كلام وخصومة فقال له الرجل: من أنت يا سلمان؟ فقال سلمان: أما أولي وأولك فنطفة قذرة، وأما آخِري وآخِرُك فجيفة منتنة، فاذا كان يوم القيامة، ووضعت الموازين، فمن ثقل ميزانه فهو الكريم، ومن خفّ ميزانه فهو اللئيم

2- أن يروض نفسه على التواضع، والتخلق بأخلاق المتواضعين، وان يفعل كل ما يناقض التكبر فاذا كان التكبر يدعوه الى الجلوس في الصفوف الامامية فليفعل خلاف ذلك وليقدم غيره ، وإن لاحظ في نفسه نفوراً من مجالسة الفقراء، فيصرّ على مجالستهم ومساعدتهم. وإن كان يحب أن يتقدم القوم، فليعمد إلى تقديمهم على نفسه، وإن كان لا يصغي إلى كلام الآخرين، أو لا يقضي حوائجه بنفسه دون الاعتماد على الآخرين، فعليه العمل بخلاف ذلك. وهكذا..

 على الانسان ان يسعى الى التخفيف من حدة التكبر في نفسه من خلال مثلا، اذا كان يناقش الغيرويتجادلمعهم فعند احتدام الجدل والنقاش عليه أن يعترف بالحق إذا ظهر واضحا ولا يعاند او يكابر. أن يتفادى مثلا منافسة الاخرين في السبق إلى دخول المحافل، والتصدر في المجالسوأن يخالط الفقراء والبؤساء، ويبدأهم بالسلام، ويأكل معهم ، ويجيب دعوتهم، متأسياً بالنبي وأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.

فعن الصادق عليه السلام قال: "جاء رجل موسر الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نقيّ الثوب، فجلس الى رسول اللّه، فجاء رجل معسر، درن الثوب، فجلس الى جنب الموسر، فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: أخفت أن يمسك من فقره شيء؟ قال: لا. قال: فخِفتَ أن يوسخ ثيابك؟ قال: لا . قال: فما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول اللّه إن لي قريناً يُزيّن لي كل قبيح ويقبّح لي كل حسن، وقد جعلت له نصف مالي. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله للمعسر: أتقبل؟ قال: لا. فقال له الرجل: لِمَ؟ قال: أخاف أن يدخلني ما دخلك".