الحديث الرمضاني (10) العزة والذلة

بسم الله الرحمن الرحيم )وأغنني وأوسع علي في رزقك، ولا تفتني بالبطر، وأعزني ولا تبتليني بالكبر، وعبدني لك، ولا تفسد عبادتي بالعجب، وأجر للناس على يدي الخير، ولا تمحقه بالمن، وهب لي معالي الأخلاق، وأعصمني من الفخر(.

قوله: (وَأعِزَّني وَلا تَبْتَلِيَنِي بِالكِبْرِ)

العزة تعني ترفّع النفس عن الأشياء الدنية وعدم الخضوع والانسحاق امام جبروت الآخرين وامام اي قدرة او شهوة،  فالإنسان العزيز هو من فيه حالة تمنع من أن يخضع لاحد او لاي قدرة اخرى.

في وصايا أمير المؤمنين ومولى المتقين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال:  وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً. وَلاَ تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً".

البعض يطلب العزة عن طريق المال او العشيرة او السلطة فيعتقد ان هذه الامور هي التي تصنع له عزته ومجده ومكانته في المجتمع.

البعض يلجأ الى القوى الكبرى والدول المقتدرة  ولو على حساب المبادىء والعزة والكرامة ويذل نفسه لأجل تحصيل القوة او المنعة او الحفاظ على المكاسب والعروش والمواقع المختلفة، ألا تقوم بعض الدول كالسعودية بالانسحاق امام اميركا وترامب من اجل حماية عروش الامراء والملوك؟ الم تدوس السعودية على كرامتها وكرامة شعبها عندما رضيت بالذل والمهانة من ترامب؟.قال تعالى﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا﴾.

الإسلام أكد على أهمية العزّة وان يكون المؤمن كريما وعزيزا، ورفض أن يعيش الإنسان ذليلاً أمام الآخرين، بل رفض يذلّ نفسه،فقد ورد في الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام: "إن الله عزّ وجلّ فوّض إلى المؤمن أموره كلّها، ولم يفوّض إليه أن يذل نفسه"، إلا أنّ الإسلام أكّد على اتجاه واحد لن يجد الإنسان العزَّة إلاّ فيه، وأن كل اتجاه إلى غيره هو وهم وباطل، فمن أراد العزّة الحقيقية التي تدوم ولا تنقطع، فإن عليه ان يطلبها من الله ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعً﴾ .
فالعزيز من أعزّه الله تعالى، ولذلك يقول الإمام عليه السلام: «وأعزّني» أي إلهي أنت امنحني العزة، لانك وحدك تقهر من اردت ، ولا يمكن أن يُقهَرك أحد، وهو عزَّ وجل وحده من يَذُلُّ، ولا يمكن أن يذلّه أحد

فالعزة لا بد ان يطلبها الانسان من الله( ومن يريد العزة فلله  العزة جميعا) وكل عزّة تطلب من غير الله تعالى هي وهم وباطل.

 والعزة تكون بامتثال اوامر الله وبطاعة الله والعبودية له،  فعن الإمام الصادق عليه السلام: "من أراد عزًّا بلا عشيرة، وغنًى بلا مال، وهيبةً بلا سلطان فلينتقل من ذل معصية الله إلى عزّ طاعته".

وعن الإمام علي عليه السلام: "إلهي، كفى بي عزًّا أن أكون لك عبدًا، وكفى بي فخرًا أن تكون لي ربًّاَ

وتكون بالتقوىفعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من أراد أن يكون أعزّ الناس فليتقِ الله".

العزة ليست في ترفع الإنسان عن أقربائه وعشيرته وزملائه ورفقائه وجيرانه، بل هي العبودية لله تعالى والتقوى ومعرفة ما هي الواجبات وما هي المستحبات والعمل بهما، وما هي المحرمات وما هي المكروهات والابتعاد عنهما؛ لأن الذلة في الإتيان بما يُسخط الله تعالى.

وعندما يتقي الانسان ربه ويمتنع عن مفردات الحرام يصبح عزيزا لا يذل نفسه للشهوات والاهواء وللآخرين .

فالانسان مثلا يستطيع ان يكون عزيزا من خلال: كفُّ الأذى عن الناس، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزّه كفّ الأذى عن الناس. ومن خلال ترك الثرثرةوالقيل والقال والحديث عن عيوب الناس وسلبياتهم وترك اللسان يتكلم بما يهوى فان كل ذلك يعرّض الإنسان من خلاله نفسه للذلّ والمهانة،فعن الإمام أبي الحسن عليه السلام: "احفظ لسانك تعزّ".

كما انالحلم والعفو والتسامح والقبول بالحقّ ولو على نفسك وخاصتك والقناعة بما قسم الله لك وعم التطلع الى ما في ايدي الناس كل ذلك يصنعحصانة للانسان في مقابل الذل ويجعله عزيزا وكريما وشريفا.

ففي الحديث: "لا عزّ أرفع من الحلم"، وعن الإمام الصادق عليه السلام: "العزّ أن تذلّ للحق إذا لزمك".. وعن الإمام علي عليه السلام: "القناعة تؤدّي إلى العزّ".

فكم من شخص ذلّ نفسه، لأنّه تطِّلع إلى ما في أيدي الناس، ولم يقنع بما قسم الله له من رزق.
وكم من الناس عاش عزيزًا مع قلّة ذات يده، لأنه اقتنع بما أنعم الله تعالى عليه،فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "من وصايا لقمان لابنه: إنْ أردت أن تجمع عزّ الدنيا، فاقطع طمعك مما في أيدي الناس، فإنّما بلغ الأنبياء والصديقون ما بلغوا بقطع طمعهم".

اما المجتمع فيمكن ان يكون عزيزا اذا قام بمسؤولياته الجهادية وغيرها :فطاعة الوليّ عز،  فعن الإمام زين العابدين عليه السلامطاعة ولاة الأمر تمام العزّ. والجهاد عزفعن الإمام علي عليه السلام فرض الله الجهاد عزًّا للإسلام.

فقد اعز الله الامة ببدر والخندق وكل المعارك التي خاضها المسلمون مع النبي(ص) واعز الله المقاومة ولبنان واللبنانيين بالجهاد في مواجهة اسرائيل والتكفيريين، واعز ايران وجعلها مقتدرة وعزيزة، وان كان هناك بعض الصعوبات، لانها رفضت ولا تزال ترفض الرضوخ لاميركا والغرب واليوم انظروا الى عزة ايران رغم الالام والعقوبات والحصار والتهويل والتهديد والى ذل السعودية رغم الرخاء. ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا .