الحديث الرمضاني (7) ماذا سنسأل غدا؟

بسم الله الرحمن الرحيم (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْفِنِي مَا يَشْغَلُنِي الاهْتِمَامُ بِهِ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْأَلُنِي غَداً عَنْهُ، وَاسْتَفْرِغْ أَيَّامِي فِيمَا خَلَقْتَنِي لَهُ).

يطلب الإمام من الله أن يكفيه  ,باي شكل من الاشكال بأي نحو شاء، الامور التي يهتم بها وتشغله وتشغل باله ووقته حتی يتفرغ هو للأمور الضرورية التي لابد من القيام بها، ولا يبقى منشغلاً عنها بالأمور التي لا يُسأل عنها يوم القيامة ولم يُخلق من أجلها.

فالانسان عادة تشغله هموم كثيرة في هذه الحياة الدنيا ، يشغله معاشه وحياته وزوجه وأولاده وصحته وموقعه ومستقبله، ومستلزمات حياته ، فهو يطلب من الله ان يكفيه ما أهمه من شؤون وشجون، بأن يكفيه ويقدر له الرزق والنعم والحياة الطيبة، والله سبحانه يكفي الانسان برحمته وجوده وكرمه بما قدَّر له من رزق وعيش وحياة، ولكن على الانسان ان يقنع بما قسم الله له، لان الانسان غالبا لا يرضى بما قسم الله له فيجهد نفسه وينشغل من اجل الحصول على المزيد والمزيد .

وبعد أن طلب الإمام من الله تعالى أن يكفيه ما يشغله الاهتمام به، توجه إليه بالسؤال مباشرة أن يعينه لكي يصرف الوقت الذي حصل له بسبب ذلك في الأمور التي سيُسأل عنها يوم القيامة.

يقول الإمام(ع): وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْأَلُنِي غَداً عَنْهُ. أي اجعلني عاملا ومنشغلا فيما تسألني غدا عنه، وفقني لأن أتفرغ للأعمال التي ستسألني عنها غداً.

ويبدأ الغد عند كل إنسان من ساعة موته ويستمر حتى الآخرة والدار التي يقول الله تعالى عنها «هم فيها خالدون».

و الدعاء وحده لا يكفي بل لا بد للإنسان من السعي نحو ما يدعو  به ويسأل الله عنه ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ كما أن السعي من دون الدعاء لا ينفع ﴿قل ما يعبأ بكم ربي لو لا دعاؤكم﴾ ولذلك علينا السعي – إلى جانب الدعاء – دائماً لأن نصرف أعمارنا في ما خلقنا الله تعالى من أجله وما هو سائلنا غداً عنه.

فما هي المسائل التي سنسئل عنها غدا وفي يوم القيامة والتي يجب ان نصرف اهتمامنا نحوها حتى نحضر الجواب بين يدي الله؟؟

طبيعي انه لن تُسأل غداً لماذا لم نأكل طعامنا حاراً؟ أو لماذا لم نضع مثلا على سفرة الافطار مقبلات معينة؟ ولا لماذا لم نلبس ثيابا افخر مما نلبس فعلا ولا لماذا لم نركب السيارة الاسرع، ولا لماذل لم نختار من الاشياء ما هو أغلى وأحلى واجمل ؟ ليس في الأدلة الشرعية أننا سنُسأل يوم القيامة أسئلة من هذا النوع.

ما سنسئل عنه غدا: هو الأعمال التي يثاب أو يعاقب الإنسان على فعلها أو على تركها، كما قال تعالى: «ولتسئلن عما كنتم تعملون»

قالوا: وفائدة السؤال مع علمه تعالى بفعله الانسان إظهار العدالة الالهية وان الله يجازي الناس نتيجة اعمالهم ، فيعلم الناس أنه سبحانه لا يظلم أحدا، وليزداد سرور أهل الإيمان بالثناء الجميل عليهم بما يظهر من أفعالهم الحسنة، ويزداد غم الكفار بما يظهر من أفعالهم القبيحة.

ومما يُسئل عنه يوم القيامة الشباب والعمر والمال والعلم وحب اهل البيت(ع)

عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع:  عن شبابه فيما أبلاه، وعمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت.

عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله): إنه قال:لا تزول قدم العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن حبنا أهل البيت"(4).

عن عبد الله بن عباس قال: قلت يا رسول الله أوصني؟ فقال: " عليك بمودة علي بن أبي طالب، والذي بعثني بالحق نبيا لا يقبل الله من عبد حسنة حتى يسأله عن حب علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو تعالى أعلم فإن جاء بولايته قبل عمله على ما كان منه، وإن لم يأت بولايته لم يسأله عن شئ ثم أمر به إلى النار.

ومما يسأل عنه الإنسان يوم القيامة ايضا:

1-الصلاةفعن الإمام الباقر عليه السلام: "إنَّ أوّل ما يُحاسب به العبد الصلاة، فان قُبلِت قُبِل ما سواها".

2- الحواس واستعمالهاقال سبحانه وتعالى﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾(الإسراء:36)، وقد مرَّ الكلام بأنَّها تشهد على صاحبها بما فعله بها، إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً.

3- البقاع والبهائم: عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة أوائل خلافته: "إتقوا الله في عباده وبلاده فإنَّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم.

لا شك في أن بعض الناس يظلمون البهائم والحيوانات التي تكون تحت يدهم، ويرون أنه لا يحق لأحد أن يمنعهم من ذلك، لأنهم إنما يتصرفون فيما يملكون.فهم سيسألون عن كيفية معاملة البهائم هل ارفقوا بها ام لا؟ كما انهم سيسالون عن البقاع والاماكن وكيف تصرفوا بها؟

فالمسؤولية تجاه الأرض هي في زراعتها وعمارتها وأن لا تبقى خراباً أو بواراً، وان يسعى الانسان لاعمار البلاد واجتناب تخريبها وعدم تلويث محيطها، بان يحافظ على نظافة بلده ومنطقته وعلى انتظام الحياة فيها، فانها بلاد الله وسنسئل عن ذلك يوم القيامة.

 وأما المسؤولية إزاء البهائم والحيوانات فانها تتمثل في عدم إيذائها عبثاً وتحميلها فوق طاقتها وتوفير متطلباتها من الغذاء والماء والدواء ورعايتها والمحافظة عليها.

والمسؤولية عن البهائم لا تختص بنوع منها، بل يشمل جميع أنواعها، وتوفير كل وسائل العيش والبقاء لها، وإزالة كل ما يضر براحتها وبممارسة حياتها الطبيعية..

واذا كنامسؤولين حتى عن البقاع والبهائم ، فمن باب اولى ان نكون مسؤولين عن البلاد العامرة، وحفظها، وحفظ ما فيها من أسباب العيش، ومن مرافق، ومن وسائل الحياة، ومظاهر العمران..

وإذا كنامسؤولين حتى عن البهائم، فإن مسؤوليتنا عن سائر العباد الذين كرمهم الله تعالى، وعن المؤمنين والمستضعفين والمحرومين والمظلومين والمقهورين وخدمتهم ونصرتهمتصبح اولى واشد وآكد.